} حسن حردان-البناء
أنجز الرئيس الأميركي جو بايدن تعهّده الذي أطلقه خلال حملته الانتخابيّة، والقاضي بمعاقبة قتلة الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، وهو المعروف بولائه للسياسة الأميركية، وانتقاده للسياسات الداخلية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومعارضته للحرب على اليمن…
ويبدو أنّ إفراج بايدن عن تقرير قتل خاشقجي، وقرار الكونغرس بفرض عقوبات على المشاركين في الجريمة، من دون ان تشمل ولي العهد، مع انّ التقرير حمّله المسؤولية المباشرة عن إعطاء الأمر باعتقال او قتل خاشقجي، يبدو أنه يندرج في سياق سيناريو وضع من قبل الإدارة الأميركية الجديدة لتحقيق جملة من الأهداف التي تسعى إليها من وراء ذلك. والتي يمكن إجمالها في ثلاثة أهداف اساسية هي:
الهدف الاول، إخضاع ابن سلمان، لإجباره على قيادة عملية انقلاب معاكسة على كلّ سياساته الداخلية التي انتهجها، والتي ضيّقت هامش المشاركة بالحكم، وحصرت السلطة بشخص ولي العهد.. وذلك من خلال العودة الى توسيع دائرة المشاركة في صنع القرار، وقاعدة السلطة لتأمين استقرار الحكم السعودي ليكون أكثر قدرة وكفاءة في خدمة المصالح الأميركية، لما تشكله المملكة من مرتكز أساسي على هذا الصعيد، في الخليج وعموم المنطقة.. ولهذا لا تكتفي إدارة بايدن بأن يكون هناك بعض الإجراءات الشكلية التي تخفف من قمع حرية الرأي والتعبير ووضع حدّ لاعتقال بعض نشطاء الرأي، وإنما تريد أيضاً تقديم المسؤولين الفعليّين عن قتل خاشقجي للمحاكمة ومحاسبتهم، وفي مقدّمهم مستشار ابن سلمان سعود القحطاني، ونائب رئيس الاستخبارات أحمد عسيري، ووضع حدّ للإقامة الجبرية المفروضة على العديد من الأمراء الذين اعترضوا على احتكار ابن سلمان للسلطة، وفي المقدمة ولي العهد السابق محمد ابن نايف، الذي عزله ابن سلمان وأقصاه عن السلطة، وكذلك شقيق الملك أحمد بن عبد العزيز إلخ…
الهدف الثاني، إيجاد شخصية بديلة لمحمد بن سلمان لتولي ولاية العرش تكون أكثر براغماتية وتماشياً مع السياسة الأميركية التي يقودها الحزب الديمقراطي، مثل محمد بن نايف، لأجل احتواء الأزمات وتحديد الخسائر ووقف التراجع في النفوذ الأميركي في اليمن، من خلال وقف الحرب والدخول في مفاوضات للتوصل إلى تسوية سياسية، والموافقة على التهدئة مع إيران عبر العودة إلى الاتفاق النووي…
الهدف الثالث، تلميع صورة السياسة الأميركية من خلال الظهور بصورة من يحقق العدالة في جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي، ويدافع عن حقوق الإنسان في السعودية، ويساهم في وضع حدّ لسياسة كم الافواه تجاه من هم موالون للسياسة الأميركية.. وذلك في سياق خطة إدارة بايدن لإعادة تبييض وتجميل صورة السياسة الأميركية، بعد الجرائم المروعة التي ارتكبتها الولايات المتحدة في اليمن، على مدى ست سنوات من الحرب الأميركية السعودية التي دمّرت اليمن وتسبّبت بقتل عشرات الآلاف وفرض حصار خانق وتجويع اليمنيين، دون ان تتمكّن من كسر إرادتهم المقاومة او إخضاعها… وبعد قيادة أميركا لأشرس حرب إرهابية كونية ضدّ سورية جنّدت خلالها جيوشاً من الإرهابيين التكفيريين في ارتكاب المجازر في سورية والعراق…
إنّ إدارة بايدن باتت ترى في بقاء ولي العهد السعودي بن سلمان عقبة أمام تحقيق أهدافها في المنطقة، وأنه من الأفضل إزاحته عن ولاية العرش، من ضمن خطة متدرجة لتسهيل عملية تحقيق تغييرات في المملكة تعيد العملية التقليدية لتداول السلطة، بين أطراف الأسرة المالكة، إلى سابق عهدها، وبرعاية وإشراف واشنطن التي تملك نفوذاً كبيراً في المملكة بنته على مدى عقود… وطالما كان لواشنطن في العقود السابقة دور أساسي في بعض الأحداث المرتبطة بالصراع على السلطة في المملكة…
هكذا يمكن القول إنّ ولي العهد بن سلمان لم يعد الرجل الملائم لقيادة السعودية في المرحلة الجديدة التي تعمل فيها إدارة بايدن على إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة، كما أنّ ابن سلمان بات بنظر بايدن من تركة الرئيس دونالد ترامب يجب التخلص منه وتدفيعه ثمن الهزيمة في اليمن وتقديمه كبش فداء على مذبح تلميع الصورة السوداوية للسياسة الأميركية في المنطقة والعالم، ولارضاء الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي الأميركي وترجمة وفاء بايدن لتعهّداته في حملته الانتخابيّة بتحقيق العدالة في قضية مقتل خاشقجي…
من هنا يمكن القول، إنّ تقرير قتل خاشقجي استخدم مرتين:
المرة الأولى، من قبل إدارة ترامب لابتزاز ابن سلمان، بمقايضة عدم الإفراج عن التقرير، وتوفير الحماية له، مقابل دفع مئات مليارات الدولارات للولايات المتحدة، وعقد صفقات السلاح الضخمة، وتنفيذ كلّ ما يطلبه منه ترامب من دون اعتراض..
والمرة الثانية، من قبل إدارة بايدن من خلال إخضاع ابن سلمان وإجباره بداية على قيادة سياسة معاكسة للسياسة التي اتبعها في عهد ترامب، ومن ثم تقديمه كبش فداء بإزاحته عن ولاية العرش، مقابل عدم محاكمته، لتلميع صورة سياسة أميركا وإعادة ترتيب أوضاع المنطقة وعقد التسويات في سياق خطة تهدف إلى الحدّ من نتائج فشل حروب أميركا المباشرة وغير المباشرة، وتراجع النفوذ الأميركي الاستعماري، وحماية أمن كيان العدو الصهيوني..
وبذلك يكون أبناء الجزيرة العربية يدفعون ثمن سياسات ولي العهد ابن سلمان مرتين، على مذبح سياسة التبعية للولايات المتحدة، وتبذير أموال النفط في خدمة سياساتها الاستعمارية.. بدلاً من أن توظف هذه الأموال في تحقيق التنمية والتطوّر والتقدّم في السعودية…