حنا غريب: بين بكركي والصين

 

عماد موسى-نداء الوطن

في وقت بدا اللبنانيون كالتائهين في عتم البراري، والمستسلمين لأقدارهم، بعد فقدانهم الأمل والبوصلة والضوء وسبل العبور نحو الغد المشرق، لمحوا في البعيد رجلاً مربوع القامة أشيب الشعر في أواخر العقد السابع، يحمل قنديلاً وميكروفوناً ببطارية وخلفه تسير قوافل مؤلفة من عشرات آلاف الساعين إلى التخلص من جهنم الرأسمالية وطواغيت الليبرالية المتوحشة ورموز الأوليغارشية وعملاء الأمبريالية. يسيرون ولا أحد يعرف إلى أين. مشوا خلفه بعد يأس من الإكليروس وحيتان المال والطغمة الحاكمة، إنه حنا غريب بنفسه، قائد الشعوب المتعثرة. ضوؤها ونبراسها.

عاد إلينا حنا، كمشروع خلاصي، بالمعنى الدنيوي حصراً. عاد ليقول كلاماً نوعياً، كأنما أراد التعويض عن غيابه المديد عن المسرح اللبناني، بالتعبير اللمّاح والذكي والمصيب والهادف والمكثّف بقدر ما تسمح به تغريدة. كتب أمين عام أمم لينين المتحدة “القيّمون على المؤسسات الدينية هم جزء لا يتجزّأ من المنظومة الحاكمة وفسادها ورهاناتها الخارجية المدمّرة التي أوصلت البلد إلى الإنهيار”. وذهب إلى حد تحميلهم فوق ما يحتملون “هم جزء من المشكلة وليسوا جزءاً من التغيير”. تعتير يا حنا. طوّل بالك عليهم قليلاً!

جاءت حملة العلماني الأول متناغمة مع ردّ المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان العنيف على الطروحات السيادية وردّ “حزب الله” وفضل الله والدائرين في فلك الله. أتفهم غضب الخيميائي حنا غريب، كما أتفهم تحاشيه الدخول في تسمية “القيمين على المؤسسات الدينية” تاركاً الأمر للمحاكم الثورية، لكن ما لا أفهمه كيف يجد غريب وقتاً لكي يتابع ما يقوله بطريرك الموارنة أو متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس ابونا المطران الياس عودة أو المفتي دريان، أو الشيخ نعيم حسن… وكيف يلمّ بكل الأزمات اللبنانية الموروثة والحديثة، ويصف لها العلاجات، في خضمّ انشغاله بإيقاف النظام الصيني على قدميه وضرب صدقية أميركا. قيل ان الرئيس الأميركي جو بايدن سأل أنتوني بلينكن قبل أيام “أش بدّو حنا؟ لماذا يعترض على قرار حظرنا دخول منتجات شينجيانغ إلى الولايات المتحدة؟” جاوب بلينكن: “أش بيعرفني” وما نعرفه أن غريب لم يكتفِ بالاعتراض العنيف بل كذّب كلّ تقارير مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ودحض كل المعلومات الأوروبية الموثّقة التي تحدثت عن احتجاز نحو مليون شخص من أقلية الإيغور المسلمة في “مراكز مكافحة التطرف”. وقال غريب في مؤتمر نظمته منطقة شينجيانغ الايغورية الذاتية الحكم مؤخراً: “يصنعون الكذبة (الأميركيون) ليبرّروا تدخلاتهم وصرف الأنظار عما يفعلون من تنفيذ لاستراتيجية الهيمنة العسكرية الأميركية في المحيطين الهندي والهادي للعودة إلى الحرب الباردة”. عندما يتكلّم غريب عن الاستراتيجيات الكبرى يصغي مليار صيني. أما لبنان فتفصيل بسيط في مشروع حنا الكبير.

Exit mobile version