“خرجت الأمور عن السيطرة والآتي أعظم”… خلاصة يجمع عليها الخبراء بالشأنين المالي والاقتصادي، وتؤكد أنّ أحوال اللبنانيين متجهة من السيئ إلى الأسوأ على مختلف جبهاتهم الحياتية والحيوية، والطبقة الحاكمة لم يعد بمقدورها لجم أهوال الانهيار وسحب فتائل الانفجار. فالمؤشرات السوداوية تتراكم والسلبيات تتعاظم والحد الأدنى للأجور في لبنان بلغ “أدنى حد” بالمقاييس المالية العالمية حتى أصبح دخل اللبناني “أقل من دخل البنغلادشي”، سيما وأنّ الحد الأدنى للأجور في بنغلادش هو حالياً عند مستوى 95 دولاراً بينما الحد الأدنى للأجور في لبنان أصبح أقل من 70 دولاراً.
وإذا كان هذا المؤشر يجسد المنحى الخطير الذي تسلكه أوضاع المواطن اللبناني بشكل عام، لكنه بحسب مصادر اقتصادية “مؤشر كارثي بالنسبة للقطاع العام حيث مقومات صمود إدارات الدولة وأجهزتها لم تعد متوافرة”، مشددة على أنّ ذلك سيؤدي في نهاية المطاف إلى “انهيار القطاعات العامة على وقع تدني أجور العاملين فيها، ما سيؤدي إلى ارتفاع منسوب التسرّب الوظيفي من مختلف الإدارات، بينما تقف السلطة عاجزة عن مقاربة الحلول اللازمة للأزمة القائمة وتعوّل على نظرية “ارتشوا وعيشوا” لبقاء موظفي الدولة في مراكزهم”.
وتسأل المصادر: “ماذا يعني أن يتقاضى الموظف العام نحو 150 دولاراً وكيف يمكن أن ينعكس ذلك على أدائه ومعيشته؟ وكيف يمكن حمايته من الرشوة لإعالة عائلته؟ وماذا يعني أن يتقاضى القاضي نحو 400 دولار وكيف سينعكس ذلك على القضاء والعدل والعدالة بعيداً من تأثيرات الضغوط المعيشية؟ وماذا يعني أنّ راتب العسكري لم يعد يتجاوز 120 دولاراً وكيف سينعكس ذلك على الأمن والاستقرار في البلد، وهل يمكن أن يُلام أي عنصر جائع إذا تغيّب عن الالتحاق بثكنته؟”.
أسئلة كثيرة وعلامات استفهام كبيرة ترتسم في أفق المشهد اللبناني، وحيّز الإجابات يضيق، لا سيما وأنّ تأثيرات الوضع المتأزم هي بمثابة “دائرة متكاملة” تبدأ بحسب المصادر الاقتصادية “من نقطة معينة لكنّ تداعياتها لا تتوقف عندها، بل سرعان ما تنتقل من قطاع إلى آخر ومن بقعة إلى أخرى لتشمل بعد انتهاء دورتها كافة جوانب معيشة اللبنانيين”.
وتستدل المصادر على ذلك، بمسألة ارتفاع أسعار المحروقات، موضحةً أنّ “هذا الارتفاع سينعكس تباعاً على مختلف القطاعات وعلى كافة الأسعار الاستهلاكية وغير الاستهلاكية”، لافتةً على سبيل المثال إلى أنّ ارتفاع سعر المحروقات أدى إلى “ارتفاع كلفة النقل بدءاً من السرفيس والتاكسي، مروراً بآليات نقل البضائع وتشغيل المعامل والمصانع والأفران، وصولاً إلى زيادة تكلفة الإنتاج وأسعار السلع، فضلاً عن أنّ تضاعف سعر طن المازوت بنسبة 40% خلال الشهر الماضي سيؤدي إلى ارتفاع الكلفة على المواطنين بنسبة مماثلة في تسعيرة اشتراكات المولدات التي تشكل الجزء الأكبر من فاتورة الكهرباء”.
والأسوأ في نظر المصادر “لم يأت بعد”، خصوصاً وأنّ سعر صرف الدولار في السوق السوداء أصبح “بلا سقف ولا حدود” وكل مؤشرات الاقتصاد اللبناني “المدولر” ستواصل طريقها “نزولاً” مقابل صعود الدولار، مؤكدةً أنّ السعر الحقيقي للدولار تجاوز على أرض الواقع سقف العشرة آلاف ليرة ودخل عملياً “الألفية العشرين”، متوقعةً ألا يطول الأمر قبل أن يتضاعف سعر الصرف “قياساً على ارتفاع الطلب عليه من قبل الأفراد والمؤسسات والمصارف”، وختمت: “للتذكير فقط، فإنّ “بنك أوف أميركا” كان قد توقع نهاية العام الفائت بأن يناهز سعر الدولار في لبنان الـ50 ألف ليرة، ولم يعد من شيء يضمن بأنّ هذه التسعيرة لن تتحقق، خصوصاً وأنّ البنوك العالمية لا تبني تقديراتها على نبوءات أو توقعات فلكية بل على معطيات اقتصادية ومؤشرات مالية موثّقة ومبنية على عوامل ووقائع”.