“ليبانون ديبايت” – ميشال نصر
إذا كان البطريرك بشارة الراعي قد أبدى في عظة الأحد ارتياحه لمشهد السبت، فإن كلمته التي وُضعت في ميزان التقييم، تبقى بحاجة إلى استكمال مشهد المواقف على الساحة الداخلية، لا سيما المرجعيات الروحية من مسيحية وإسلامية، كما باقي القوى المعنية والمؤثّرة، وصولاً إلى المجتمع الدولي المنهمك بملف إيران النووي، رغم أن الحراك السياسي في اتجاه بكركي الأسبوع الماضي، ساعد في رسم خارطة تموضع غالبية القوى والمرجعيات السياسية والحزبية، على رغم تحييد بعض الأفرقاء أنفسهم.
بالنسبة ل”حزب الله” ومن لَفّ لفّه من “مقاومة” وممانعة، فإن ما حصل في بكركي، رغم تهدئة البطريرك وليونته هو استدعاء للخارج، وطلب التدخّل الغربي، بحسب ما تبيّن عملية تشريح مواقف “الجماعة”، إذ أظهرت “احتفالية السبت”، حقيقة أهداف أولئك الداعمين للثورة، والمتلطّين تحت عباءة محاربة الفساد. فحتى الساعة، سواء في ما يتعلّق بالردود الكلامية، أو التحرّكات في الشارع، بقيت الأمور مضبوطة تحت سقف مقبول، مقياساً إلى “الهزّة” التي أنتجها تجمّع السبت في الصرح، والتي حاول مقرّبون من بكركي بدورهم التخفيف من وقع ما أُطلق من هتافات.
بالتأكيد، لم يقتنع أحد بأن “حزب الله”، سيمرّر الأمر، بل هو يعتمد مبدأ “بالتي هي أحسن حالياً”، على أن يضرب ضربته في الوقت المناسب، متّكلاً على استراتيجية تقوم على عدة محاور، أبرزها:
– إعتماد سياسة الترهيب، عبر إطلاق أبواقه في حملات تخوين وشيطَنَة بكركي وسيّدها من جهة، والترغيب عبر مواقف ظاهرها ليّن وباطنها تهديد، على لسان المسؤولين المباشرين في الحزب من جهة ثانية. وفي هذه الخانة، تندرج المعلومات عن زيارة “وشيكة” لوفد من الحارة إلى الصرح، واجتماع قريب للجنة التواصل، وتسريب خبر عن تبديل “حزب المقاومة” لممثليه فيها، رغم الإصرار على أن التواصل الهاتفي قائم بين الطرفين.
– تركيز “حزب المقاومة” على نقل المعركة إلى داخل الشارع المسيحي لتوسيع الهوّة بين أطرافه المتخاصمين، عبر فتح النار على “القوات اللبنانية” والكتائب والمستقلين، واللعب على وتر التيار الحسّاس، بتصوير هدف تحرّك بكركي الحقيقي، إضعاف “البرتقالي” وتطويقه عشية الإستحقاقات الدستورية المختلفة من انتخابات نيابية ورئاسية. بند قد ينجح في تحقيق مبتغاه إلى حد ما، نظراً للإحتقان القائم بين الشارعين، رغم تفعيل بكركي لمحرّكات تواصلها مع كافة الأطراف السياسية المسيحية لتدارك الإنفجار المسيحي – المسيحي، وأية حروب إلغاء جديدة.
– التسويق لشائعات تتحدّث عن تلقي بكركي لتمويل من جهات خارجية، خليجية تحديداً، وهنا، تكبير حجم مشاركة محسوبين على الوزير أشرف ريفي.
-التصويب ضد أشخاص في الدائرة الضيقة المحيطة بالبطريرك الراعي، ومنهم الوزير السابق سجعان قزي عن مرحلة تولّيه وزارة العمل، عبر شخصيات استضافتهم قناة “المنار”.
– محاولة توريط بكركي وإغراقها بنظرية عقد “مؤتمر مصالحة” داخلي برعايتها، لحرف انتبهاهها وتركيزها عن الأهداف الأساسية. - تسخيف المطالب وتحويرها في اتجاه إعادة إحياء تحالفي الثامن والرابع عشر من آذار، لخلق شرخ عامودي وأفقي في البلد من جديد، خصوصاً بعد كلام الوزير السابق بيار رفول الذي يعزّز هذا الإتجاه.
– محاولة خلق أزمة في العلاقة بين بكركي والفاتيكان، وهنا، صبّت رسالة “التيار الوطني الحر” الموجّهة للبابا، عن قصد أو غير قصد، في هذا الإتجاه، مع استمرار الأسطوانة الممجوجة التي يسوّق لها البعض من مسؤولين وغيرهم حول أن البطريرك الراعي “فاتح عا حسابه” والفاتيكان في “واد آخر”.
– حملة إعلامية تحاول إلصاق ازدواجية المواقف بالبطريرك، حيث أنه يقول علناً خلاف ما يقوله للحزب في الجلسات المغلقة، لضرب سيد بكركي بالقواعد الشعبية. وهو أساساً ما اعتُمد ليل الجمعة – السبت، عبر تسريبات مشبوهة بأن كلمة السبت ستشهد تراجعاً عن مواقفه، بهدف التخفيف من الحضور الشعبي.
راحت “سَكرة التظاهرة إلى بكركي وجاءت فكرة حارة حريك” لدفن التحرّك في مهده” بعد الأبعاد السياسية الدولية والشعبية التي أخذها وسيأخذها بمروحته، الواسعة، “ويلّي بالحزب بكفّيه ومش ناقصو وجع راس”.
لذلك، كان خيار سياسة” الإحتواء”، إذ لا يمكنه السماح بأن تأخذ هذه الحركة مداها في هذه الظروف، في ظل نجاحها بعزل “الوطني الحر” مسيحياً، وبداية لمّ شمل أطراف “البريستول” سابقاً.
في كل الأحوال، وعذراً من بكركي وسيدها والمقرّبين منه من أصحاب المواقف التخفيفية، ثمّة حقائق لا يمكن تجاهلها أو التغاضي عنها، وإن عبّرت عنها الهتافات الشعبية على طريقتها.
فعندما قيل “هي ويلاّ إيران طلعي برّا”، لم يكن أبدًا تجنّياً إنما هو واقع حقيقي، حيث مرّة جديدة، واجهت “أفواج تدخل الموبيلاتات” الأعلام اللبنانية بأعلامها الحزبية وأعلام إيران، فاقتضى التوضيح لكي لا يتكرّر “الإعتذار” غير المباشر من البعض.
أما بالنسبة لـ “إرهابي إرهابي حزب الله إرهابي”، فكلام آخر في وقت آخر. بعيداً عن المجاملات الكلامية التي تفرضها التقيّة بكل وجوهها، “انتبهوا منيح منيح، بكركي ما بتشتغل عند حدا، بكركي بتشتغل للبنان بس. فخير الكلام ما قلّ ودلّ. ” إنها قناعة الشاطر حسن. رسّختها الممارسة التاريخية.