ابراهيم ناصر الدين-الديار
انحسرت «زوبعة» بكركي بعد ساعات على محاولة تكبير حجمها، بعدما اتضح عدم ملاقات الخارج والداخل لفكرة «التدويل»، ما افقدها حتى الان «الزخم» المطلوب لاستغلالها في وجه حزب الله الذي تبادل مع بكركي «رسائل» مباشرة وغير مباشرة حول الاستعداد للاستمرار في الحوار بعيدا عن «التشنجات» الاعلامية غير المفيدة. ويبدو من السياق العام للامور ان «وثيقة» بكركي ستستغل لاستهداف للعهد ومحاولة اضعاف التيار الوطني الحر في «الشارع» المسيحي، بعدما شرع «الخصوم» في البناء على مواقف البطريرك بشارة الراعي غير الحيادية من الرئيس ميشال عون وتياره السياسي، فيما يراهن الرئيس المكلف سعد الحريري غير المهتم بتسويق فكرة «التدويل» على استغلال الموقف لتحصيل تنازلات حكومية. وفيما يعد البطريرك وثيقة لارسالها الى الامم المتحدة، لم تبد باريس اهتماما بطرح بكركي، ولا تزال تعمل على اعادة احياء مبادرتها بالتنسيق مع القاهرة التي لا تزال «تملأ» الفراغ السعودي.
باريس غير «مهتمة»
وفي هذا السياق، تعتقد اوساط سياسية بارزة أن مطالبة البطريرك الراعي بعقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة، لن تتجاوز حدود تسجيل المواقف، ولن يكون لها اي تداعيات جدية، وتوقعت ان يوضع ملف «التدويل» الى جانب ملف «الحياد» على «الرف»، لان المجتمع الدولي غير جاهز لتلقف هذه الدعوة ولا يوجد على «الطاولة» الا المبادرة الفرنسية التي تعمل باريس على اخراجها من غرفة «العناية المركزة».
وكان لافتا في هذا السياق، عدم تطرق سفيرة فرنسا في بيروت آن غريو والمستشار السياسي في السفارة جان هلبرون، لدعوة بكركي خلال لقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالامس، حيث تركز البحث على الازمة الحكومية مع تجديد رغبة فرنسا في ايجاد حلول سريعة تسفر عن تشكيل حكومة تواجه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد. وقد اكدت غريو وقوف فرنسا الى جانب لبنان لمساعدته على تجاوز الازمات التي يمر بها، ولا سيما ان الشعب اللبناني يستحق ان يعيش مطمئنا ومرتاح البال وفي ظروف اجتماعية واقتصادية افضل.
تنسيق مع القاهرة
في المقابل اكد عون انه مصر على تشكيل حكومة تلتزم وحدة المعايير، وهو منفتح على اي افكار جديدة يمكن ان يحملها الرئيس المكلف الى بعبدا. وعلم في هذا السياق، ان باريس تنسق خطواتها مع القاهرة التي تعوض غياب السعودية على المستوى الاقليمي والاتصالات الثنائية تجري على «قدم وساق»، ولا تزال باريس على قناعة بأن توسيع مروحة التدخلات في الازمة اللبنانية سيزيدها تعقيدا، وثمة قناعة فرنسية بان العملية الانقاذية تمر عبر المبادرة الفرنسية التي تحتاج فقط الى «مظلة» دولية واقليمية لكي تسلك طريقها نحو النجاح، وهو امر دونه عقبات حتى الان، فكيف اذا نقلت الازمة الى «التدويل»؟ حينئذ سينخرط الجميع «بلعبة» تقاسم المصالح التي ستؤدي الى تفجير الساحة اللبنانية لا انقاذها!
وثيقة الراعي الى غوتيريش؟
في غضون ذلك، اكد البطريرك الراعي ان اللجنة المشتركة مع حزب الله عادت للاجتماع، مبديا انفتاحه على الحوار مع الحزب، مؤكدا انه لم يدعُ لمؤتمر تأسيسي. وفي حديث لقناة «الحرة» الاميركية سئل الراعي لماذا فريق في لبنان سيتحكم بالحرب والسلم في وقت يقول الدستور ان قرار الحرب والسلم تقرره الحكومة اللبنانية؟ وفي معرض «غمزه من قناة» الرئيس عون، وردا على سؤاله عمن يرشح لرئاسة الجمهورية قال «ليس عملي ان ارشح اشخاصا ولكن على رئيس الجمهورية ان يكون انسانا متجردا من اي مصلحة، وحاضرا ان يضحي في سبيل المصلحة العامة، وخدمة الوطن». من جهتها اشارت مصادر بكركي الى انه ليس سلطة تنفيذية لتنفيذ طرحه، وانما الامر هو شأن الدولة، او الاحزاب التي تتبنى افكاره، لكن البطريرك يعد وثيقة حول الحياد والتدويل وسيرسلها الى الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش.
الحريري لا يتبنى «التدويل»
ووفقا لتلك الاوساط، يتعامل تيار المستقبل من خطاب البطريرك الماروني بشارة الراعي بطريقة منتقاة ويريد منه ما يعنيه فقط، اي انتزاع تنازلات من رئيس الجمهورية ميشال عون، وقد اتضح من خلال الاتصالات على خط بكركي «بيت الوسط» ان الرئيس المكلف سعد الحريري ليس معنيا بخوض غمار مغامرة جديدة تحت عنوان «تدويل» الازمة اللبنانية، ولهذا كان لافتا اهتمام الوفد النيابي «المستقبلي» الذي زار بكركي بتشجيع سياسة التسخين مع الرئاسة الاولى لاحراج الرئيس ميشال عون باعتباره «خط الدفاع» الاول عن حزب الله المتهم من البعض بازمات لبنان المتراكمة، ويعتقد تيار المستقبل بان الرئاسة الاولى باتت محاصرة مسيحيا، بعدما انضم الراعي الى «الضفة» الاخرى المناوئة للعهد، ونقل النقاش الى مكان آخر بعيدا عن «شعار» التيار الوطني الحر والرئيس عون بالدفاع عن حقوق المسيحيين وموقع رئاسة الجمهورية، وقد فهم البطريرك الماروني من وفد المستقبل ان الرئيس الحريري لن يسوق في زياراته الخارجية «للتدويل»، وهو امر حاول البطريرك «جس نبض» الوفد المستقبلي حوله بعد مكالمة هاتفية مع الحريري الاسبوع الماضي انتهت دون الحصول على اي التزام بتبني هذا الشعار، لان التسرع في طرح تدويل الأزمة اللبنانية دون مقدمات خارجية وازنة وارضية داخلية صلبة، دونه عقبات ومخاطر برأي «المستقبل»، والامران غير متوافرين اليوم، ولهذا لا يجد «المستقبل» نفسه معنيا بتفجير اي توتر سياسي او مذهبي في «الشارع»، وفهم البطريرك انه لن يجد مساندة جدية من «التيار الازرق» الذي سيكون الى جانبه في تفعيل مسألة الحياد عن ازمات المنطقة تحت «سقف» اعلان بعبدا، لا اكثر ولا اقل.
وكان الراعي استقبل وفدا من تيار «المستقبل» برئاسة النائبة بهية الحريري في اطار جولة يقوم بها على المرجعيات الروحية في البلاد. اثر اللقاء، قال النائب سمير الجسر ان الرئيس الحريري مصمم على تأليف حكومة مهمة من الاختصاصيين غير الحزبيين والمشهود لهم بالكفاءة.. واضاف «جدّدنا للبطريرك دعمنا لإعلان بعبدا كاملا الذي نص بخاصة على تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية وتجنيبه الإنعكاسات السلبية للتوترات والأزمات الإقليمية وذلك حرصاً على مصلحته العليا ووحدته الوطنية وسلمه الأهلي، ما عدا ما يتعلق بواجب التزام قرارات الشرعية الدولية والإجماع العربي والقضية الفلسطينية المحقة، بما في ذلك حق اللاجئين الفلسطينين في العودة الى أرضهم وديارهم وعدم توطينهم».
عقوبات جديدة؟
في المقابل سيحاول الحريري رفع منسوب الضغوط على رئيس الجمهورية لتحصيل تنازلات في الشق الحكومي بعدما فقد غطاء بكركي التي اصبحت «راس حربة» في مواجهة بعبدا، وهو امر يريح الرئيس المكلف الذي وجد في مواقف البطريرك «قارب النجاة» الذي يعفيه من تهمة الصراع على الصلاحيات مع الموقع الماروني الاول في البلاد خصوصا بعد كلامه الاخير عن وقف العد. وفي السياق الحكومي ايضا، تحدثت معلومات دبلوماسية عن عدم حصول الرئيس المكلف سعد الحريري على ضمانات اميركية لا يزال ينتظرها حيال وقف عداد العقوبات الاميركية على شخصيات لبنانية، ولفتت الى انه لا يزال يخشى الاندفاع نحو تشكيل حكومة يتمثل بها حزب الله خوفا من تعرضه او الفريق اللصيق به لعقوبات لا تزال تجري دراستها في وزارة الخزانة الاميركية. ووفقا للمعلومات لم تطلب ادارة بايدن حتى الان وقف دراسة ملفات العديد من الشخصيات او المؤسسات سبق وباشرت ادارة ترامب دراستها لفرض عقوبات عليها. وهذا ما يفسر جانب من «فرملة» الحريري لاندفاعته حيث لا يريد المخاطرة بارسال اشارات خاطئة للاميركيين، قبل حصوله على تطمينات عبر الجانب الفرنسي الذي لم ينجح حتى الان في التوصل الى تفاهمات نهائية مع الاميركيين، كما لا يزال التواصل مع السعوديين في حدوده الدنيا.
بكركي تفقد جزءا من «المظلة الوطنية»؟
تعتقد اوساط نيابية بارزة بان غياب «المظلة» الوطنية عن طروحات بكركي تضعفها وتجعل منها «عاصفة في فنجان»، واذا كان تيار المستقبل بما يمثله في الساحة السنية غير مستعد لتبني «التدويل»، فالهتافات التي اطلقت في الصرح ضد حزب الله، غيرت من «وجه» بكركي ولم تؤثر في الحزب، بل حيدت جمهورا شيعيا كبيرا لم يعد ينظر الى البطريركية الماروينة كصرح ديني وانما كخصم سياسي بعدما اختصر الراعي ازمات البلاد السياسية والاقتصادية بسلاح المقاومة، مع العلم انه هو من وضع «خطوطا حمراء» على محاسبة حاكم مصرف لبنان، وهو اليوم بقي صامتا امام شعارات مسيئة في حق الحزب ادت الى اعادة «رص الصفوف» في «الشارع» الآخر، وحرف الانظار عن طبيعة الازمة الحقيقية في البلاد. وعلى الرغم من ذلك لا يبدو حزب الله في صدد الدخول في مواجهة مع البطريركية المارونية، ولا يجد ضرورة لذلك، بل يتجه الى «استيعاب» الموقف قدر الامكان، ومع وجود «عتب» كبير على الراعي سيقابل مواقفه بالاصرار على الحوار.
المواجهة مسيحية
وفي هذا السياق، بات عنوان المعركة واضحا، ومحصورا في الشارع المسيحي، فتيارالمستقبل مصمم على سياسة «ربط النزاع» مع حزب الله، والحزب التقدمي الاشتراكي يبقى متمسكا باستراتيجية تنظيم الاختلاف، ومع انضمام بكركي الى خصوم رئيس الجمهورية في تحميله مسؤولية توفير الغطاء السياسي لحزب الله، يكون عنوان معركته حشر التيار الوطني الحر والرئاسة الاولى في «الزاوية»، وفق اجندة ستمتد حتى الانتخابات النيابية المقبلة، عنوانها اضعاف حلفاء الحزب المسيحيين، اي استهدافه في «خاصرته الرخوة» في ظل قناعة راسخة بان التيار «البرتقالي» تراجع كثيرا على المستوى الشعبي بعد اخطاء «مميتة» ارتكبها النائب جبران باسيل بتغطية كاملة من رئيس الجمهورية.
«هبة صينية».. وفتح المدارس؟
صحيا، دخلت البلاد مرحلة جديدة من تخفيف الاغلاق، وسط قلق كبير من تفلت يمكن ان يعيد الامور الى «نقطة الصفر» بعدما بدأت علامات عدم الالتزام على نحو كبير في المناطق، وفيما سجل عداد «كورونا» 15 حالة وفاة جديدة و1888اصابة، اعلنت الصين عن منح 50 الف جرعة من لقاح «سينوفارم» كهبة للبنان، تزامنا وافقت اللجنة الطبية اللبنانية على استخدام هذا اللقاح، ما سيسهل دخول الهبة الصينية، وكذلك تلقيح افراد المؤسسة العسكرية التي ستحصل على لقاحات صينية قريبا. وكان السفير الصيني في لبنان وانغ كيجيان اعلن أنه «بناء على طلب الجانب اللبناني، قررت الحكومة الصينية إهداء 50 ألف جرعة من لقاح «سينوفارم» إلى لبنان لمساعدته في مكافحة وباء الكورونا. وتعد هذه الخطوة الصينية مفتاحا لتدفق اللقاح الصيني الى لبنان، مع اهتمام اكثر من شركة خاصة لاستيراده، وكذلك اكثر من قطاع اقتصادي.
وتعليقا على الدعوات لفتح المدارس اعلن مدير «مستشفى رفيق الحريري الجامعي الحكومي» فراس ابيض ان «الأعراض لا تظهر على معظم الأطفال المصابين بفيروس كورونا، ولذلك فان ارقام الإصابة بالعدوى لدى الصغار غالبا لا تعكس الواقع. واشار الى انه «يمكن أن يصاب الأطفال بكورونا، رغم وجود بعض الأدلة على أنهم قد يكونون أقل عرضة للإصابة. في حالة الإصابة، لن تظهر الأعراض على الغالبية، وقد يكون لدى البعض أعراض خفيفة، لكن القليل منهم سيمرض بشدة. وقال «بسبب وضع كورونا الحالي في لبنان فان فتح المدارس ينطوي على مخاطر، مع ذلك، تلعب المدارس دورا حيويا في الصحة النفسية والاجتماعية للطلاب، بالإضافة إلى تأثيرها التربوي. الجدل الحقيقي ليس ما إذا كان ينبغي فتح المدارس ام لا، ولكن تحت أي ظروف».
التهديد «بالعتمة»
وفيما اعلنت شركة كهرباء لبنان عن تحسن تدريجي في تغذية الكهرباء بعد تفريغ شحنات الفيول، وبعد نفي اصحاب المولدات المعلومات عن زيادة التعرفة، تبدو البلاد مهددة بالعتمة اذا ما نفذت شركة «كارادينيز» تهديدها بسحب باخرتيها «فاطمة غول» و «أورهان باي» الموجودتين على شواطئ الزوق والجية ووقفهما عن العمل، بعدما تجاوزت مستحقاتها على الدولة اللبنانية مبلغ 180 مليون دولار متراكمة منذ كانون الاول 2019، ويعني ذلك خسارة حوالى 400 ميغاواط من إنتاج الكهرباء الأمر الذي سيخفض ساعات التغذية بالتيار الكهربائي إلى 4 أو 5 ساعات يوميا علما أن التغذية في بعض المناطق اللبنانية تراجعت أصلا إلى ما بين 6 و10 ساعات.
«خريطة طريق» وتمديد مهل؟
مصرفيا، اعلن مصرف لبنان إنه سيضع «خريطة طريق» لدعم هدفه بأن تعزز البنوك دفاعاتها من خلال زيادة رأس المال 20 في المائة، بعد انتهاء مهلة لتحقيق ذلك في نهاية شباط، ولم يذكر البيان ما إذا كانت البنوك أوفت بالمتطلبات المطلوبة منها، لكن تم الاتفاق على وضع خريطة طريق مع مهل للتنفيذ حيث سيلجأ المصرف المركزي من خلالها إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة المتعلقة بتطبيق أحكام التعميم رقم (154). وحذر حاكم المصرف المركزي رياض سلامة البنوك التي لن تحقق المستوى المستهدف من أنها ستضطر للخروج من السوق. ولم يرد سلامة على الفور على طلب للتعقيب امس. كما طلبت تعاميم المصرف من البنوك رفع السيولة 3 في المائة مع بنوك مراسلة أجنبية، وحضت بعض المودعين الكبار على إعادة ما بين 15 و30 في المائة من الأموال المحولة إلى الخارج. وفي هذا السياق،عقد اجتماع برئاسة سلامة يضم المجلس المركزي ولجنة الرقابة على المصارف، لدراسة الملفات التي تقدمت بها المصارف لعرض ما رفعته المصارف بشأن التزامها بالتعاميم المتعلقة بالملاءة بالدولار. وافيد ان لجنة الرقابة تدرس ملفات المصارف، ومن لم يتمكن منها من تأمين نسبة الـ 3% سيولة للمصارف المراسلة قد يُمنح فترة تمديد محدودة.