مبادرة الراعي… والتوقيت الدولي
هتاف دهام-لبنان24
لم يمل او يكف البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظاته عن دعوة المعنيين إلى انقاذ لبنان، لا بل أكثر من ذلك فقد اتخذ لنفسه في الأشهر الاخيرة دور الوسيط لتقريب وجهات النظر بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري من أجل تأليف الحكومة في أسرع وقت والترفع عن صراع الحصص والمقاعد الوزارية وحرب الصلاحيات التي أصبح اللجوء اليها غب الطلب، عطفا على ضرورة حياد لبنان.
لم تحظ جهود الراعي بأي زخم داخلي حقيقي، فبقيت مساعيه خارج أي قبول او تطور في مواقف الطرفين المتنازعين اللذين لا يزالان يمارسان سياسة تصفية الحسابات، بيد أن مطلب الراعي الاخير بمؤتمر دولي برعاية الامم المتحدة من اجل إنقاذ لبنان الذي يواجه حالة انقلابية على مختلف ميادين المرافق العامة وعلى المجتمع اللبناني، أصبح محل متابعة من الاقربين الى بكركي والابعدين عنها ، فكل فريق بدأ يعد العدة وفق مصلحته، وبينما تحاول بعض القوى المحسوبة على 14اذار تسلق طروحات الراعي، لغايات مصلحية فئوية، فإن المشهد في المقلب الآخر ليس بأفضل حال. فطرح البطريرك الذي لم يكن ليدعو إليه لو تمكنت الطبقة السياسية من معالجة الثغرات في الدستور كما قال، لم يرح حزب الله الذي سارع إلى الرد على بكركي بعد نحو 24 ساعة، حيث أكد النائب حسن فضل الله “أن التدويل يشكل خطرا وجوديا على لبنان” متسائلا: “ماذا فعل التدويل في سوريا وليبيا والعراق؟”، وغامزا من تمسك الراعي بثلاثية الدستور والميثاق والطائف، قال فضل الله “من يريد التمسك باتفاق الطائف يجب ألا يدعو الدول إلى لبنان لحل الأزمة، بل يجب أن تبدأ المعالجة من الداخل”.
ومع ذلك يبدو، وفق المتابعين، ان حزب الله يرغب بإعادة احياء الحوار مع البطريرك الراعي بالمباشر او غير المباشر على قاعدة الانطلاق من تأكيد الراعي ضرورة تطبيق الطائف والدستور، فالحزب يرغب بالدفع نحو حوار داخلي، بعيدا عن أي تدخل خارجي، وعلم في هذا الاطار أن الاتصالات تحركت في الساعات الماضية.
يبدو واضحا أن الراعي لن يتراجع عن مبادرته خاصة وانه، بحسب المعنيين، دأب منذ اكثر من سنة على دعوة أهل الحكم إلى التطلع بحال اللبنانيين المأساوي وإلى حل الأزمات المالية والاقتصادية وتنفيذ الاصلاحات المطلوبة من لبنان، لكن السلطة الحاكمة لا تزال تتعاطى مع الواقع وكأنها تملك ترف الوقت، فهي لم تلتزم بما وعدت به الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال زيارتين الى لبنان، ولم تلتزم بالمبادرة الفرنسية.
وليس بعيدا، فبكركي التي ستبدأ بطرح مبادرتها في الداخل للتوصل الى ورقة مشتركة او تفاهم وطني ، تحظى بغطاء ودعم من الفاتيكان الذي دخل على خط الأزمة اللبنانية من خلال اتصالات أجراها مع الولايات المتحدة وفرنسا وبعض الدول العربية من أجل العمل على استقرار لبنان ومنع انهياره. فالبابا فرنسيس تمنى في خلال لقائه أعضاء السلك الديبلوماسي المعتمدين لدى الكرسي الرسولي، أن “يشهد لبنان التزاما سياسيا، وطنيا ودوليا، يساهم في تعزيز الاستقرار في بلد يواجه خطر فقدان هويته الوطنية والانغماس داخل التجاذبات والتوترات الإقليمية”، معتبرا أن “إضعاف المكون المسيحي في لبنان يهدد بالقضاء على التوازن الداخلي”.
ورغم المباركة الخارجية والتأييد الشعبي لمبادرة بكركي، تظن اوساط سياسية ان مهمة البطريرك لن تكون سهلة على مقلب رئاسة الجمهورية التي تعتبر أن بعض مواقف بكركي تخفي في طياتها تحميل العهد مآل التدهور الحاصل في البلد وهجرة المسيحيين خصوصا، عطفا على حزب الله الذي يريد أن يطمئن إلى أن مؤتمر كهذا لن يتحرك الى سلاحه. وفي السياق أفيد ان موفدين من الراعي سوف يبدأون في الأيام القليلة المقبلة بجولة على القيادات السياسية والروحية للبحث في مبادرته والوصول إلى خطة عملية والعمل للخروج من الأزمة.
ومع ذلك ثمة من يقول من المتابعين للمواقف الأميركية، ان لا حماسة غربية حقيقية تجاه التحرك الجدي من أجل لبنان في القريب العاجل. صحيح أن هناك دعما دوليا لمبادرة الرئيس ماكرون، بيد أن الدول الاوروبية والاقليمية تنتظر سياسة الإدارة الأميركية الجديدة التي لم تتضح معالمها بالكامل بعد لا سيما في ما يتصل بالمفاوضات مع إيران التي يعول حزب الله بدوره عليها.
إذا الطريق امام مبادرة الراعي دونها عقبات، فتأكيد الدول الغربية أهمية دعم لبنان واستقراره لا يعني أن التحضير لمؤتمر حول لبنان أصبح على الأبواب وقاب قوسين، ولعل ما اعلنته نائبة المنسق الخاص للأمم المتحدة نجاة رشدي خير دليل على مآل الأمور، فهي اعتبرت أنه اذا كان هناك مشروع واضح واتفاق من جهات لبنانية واضحة ودعم من المجموعة الدولية لدعم لبنان ، يمكن أن يكون هناك مؤتمر دولي، ولكن لن يكون هناك مؤتمر كهذا لأن البطريرك طلب ذلك وحيدا أو لأن الامم المتحدة قررت، فلا يمكن للأمم المتحدة ان تتولى دور الدولة او اللاعبين السياسيين أو ان تحلّ محلّ الدولة، والحلّ يبقى بتشكيل الحكومة.