اندريه قصاص-لبنان24
بعد كلام البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي، وردود الفعل عليه، تأييدًا أو رفضًا، تمّ التأكد بما لا يقبل الشك أن اللبنانيين المنقسمين، عموديًا وأفقيًا، غير قادرين على التفاهم، أقّله على إنقاذ وطنهم من الإنزلاق كليًا، وبإرادتهم، نحو “جهنم”، التي تحدّث عنها رئيس الجمهورية.
فمنذ مؤتمري لوزان وجنيف، وما تخللهما من محاولات الجمع بين اللبنانيين على قواسم مشتركة، وإن كانت قليلة، لا يزال الحوار يراوح مكانه من دون تحقيق أي تقدم على صعيد التفاهمات، في حدّها الأدنى. وقد تكون طاولات الحوار التي دعا إليها كل من الرئيسين ميشال سليمان ونبيه بري، ومن بعدهما لقاءات بعبدا في عهد الرئيس ميشال عون، خير دليل على إستحالة توافق اللبنانيين بين بعضهم البعض من دون أي تدّخل خارجي.
فإتفاق الطائف لم يكن ليتوصل إلى ما توصّل إليه لولا التدخل الدولي والعربي معًا، وكان ذلك نوعًا من مؤتمر دولي من أجل وقف الحرب في لبنان. وكذلك الأمر بالنسبة إلى مؤتمر الدوحة، الذي جاء على أثر حوادث 7 أيار العام 2008، وإستباحة بيروت وإستخدام فائض القوة من قبل البع ضد من أعتبروهم مستضعفين أو مكسوري الجانح بالمعنى العسكري للكلمة.
من تسنّى له تصّفح مواقع التواصل الإجتماعي في الساعات الـ 24 التي تلت كلام الراعي لاحظ مدى عمق الهوّة التي تفصل بين اللبنانيين، ومدى إستحالة وتعّذر أي تفاهم ممكن بينهم وإلإتفاق على ما يمكن أن يجمعهم من حبّ للوطن الواحد الأحد، وترك الأمور الخلافية جانبًا إلى حين نضوج المناخات التي قد تسمح بطرحها على بساط البحث، مع أن كثيرين يؤيدون طرح كل الأمور على بساط التشريح دفعة واحدة ومن دون أي تسويف من أجل التوصل إلى تنظيم التفاهم حتى على الأمور الخلافية، وتطبيق إتفاق الطائف بروحيته وبحرفيته، بدلًا من تأجيل البحث إلى الوقت المتلائم مع أجندات خارجية.
المطلوب في الوقت المستقطع، وبينما يشهد لبنان اسوأ مرحلة في تاريخيه القديم والحديث، تطبيق الدستور وعدم تحريفه، وعدم محاولة البعض الإنقلاب عليه، وهذا ما قاله الراعي أمس، وقد قامت القيامة عليه ولم تقعد، ولن تقعد في المدى المنظور، لأن أي خطوة في غير محّلها والإستقواء بالخارج قد يقود إلى أماكن غير مستحبة وغير مهيأة لها الظروف الملائمة.
قد يكون ما شهدناه في الساعات التي تلت كلام البطريرك الماروني شبيهًا بحوار الطرشان، أو في الأغلب حوار من لا يريد أن يستمع إلى أكثر من ترداد صدى مواقفه من دون التطلع إلى مواقف الآخرين، وهذا ما يدعو إلى المزيد من اليأس ومن تأييس اللبنانيين، الذين هم في وادٍ والمسؤولين في وادٍ آخر، وأن هموم المواطنين الذاهبين سريعًا إلى مجاعة محتومة غير هموم المسؤولين، في حال كانت لديهم أي هموم.
وبهذا يكون اللبنانيون كمن يراوح مكانه منذ أن كانت الطائفية هي التي تحكم بينهم، ويكون مصيرهم مجهولًا في حال لم تُمدّ لهم يد المساعدة من الخارج، ماليًا وإقتصاديًا وإجتماعيًا.