لمصلحة من تحجيم موقع بكركي وتقزيم دورها؟
المحامي معن الأسعد*-البناء
يا من أعطي مجد ما بقي من لبنان لأجله …
غبطة البطريرك الراعي،
بكلّ احترام وتقدير لموقعك ولشخصك الكريم…
الخطاب الذي «أصليت» حمَمه أمس الأول، كان مفصلياً وجودياً شكلاً ومضموناً.
كنت أتمنى أن تكون بكركي أول منصة تطلق صواريخ الدمار الشامل لمنظومة الفساد والاستزلام والمحاصصة التي حكمت وتحكّمت بلبنان وشعبه لمدة تزيد عن ثلاثة عقود، وأنهت وجود مؤسّسات الدولة وحوّلتها مزارع ميليشياوية طائفية ومذهبية وسطت على المال العام والخاص، وسلبت المواطن جنى وشقاء عمره المودَع في المصارف.
كنت أتمنى أن تصارح شعبك بأن لا قدرة لك على محاربة حيتان المال والسياسة، سواء كانوا من المسلمين أو المسيحيين، ومن الموارنة بشكل خاص، وبأنك تطالب وترفع الغطاء الكنسي عن موظف عام صغير، لصّ وفاسد وحاكم الصندوق الأسود ولكنز معلومات يتضمّن أسماء كلّ لص جمع مالاً من دون وجه حق، وحوّل ثروات هائلة هو وعائلته وأزلامه، إلى مصارف خارجية، لو قدّر فتحه وتفكيك أرقامه، كان يكفي غبطتك أن تصرخ بأعلى صوتك، أنّ رياض سلامة ليس خطاً أحمر وتطالب بمحاسبته فوراً، وبكشف المعلومات الموجودة في المصرف المركزي، وتحديداً لدى الهيئة المصرفية الخاصة، وهذا وحده كفيل بأن يضع التحقيق الجنائي المصرفي على السكة السليمة ويسقط مشروعية وشرعية ومصداقية كلّ لصّ فاسد في أيّ موقع عام، وينسف الطبقة السياسية الحاكمة عن «بكرة» أمها وأبيها.
كم أتألّم يا غبطة البطريرك حينما أشاهد وأسمع، نهاية موقع بطريركية لبنان وتحجيمه وتقزيم دوره، إلى مرجعية قسم من الموارنة وما يُسمّى زوراً «فريق 14 آذار» في مواجهة ما يُسمّى زوراً «فريق 8 آذار»، وفي كليهما أصل الفساد وفرعه والفاسدين فاعلاً شريكاً متدخلاً محرّضاً بالتكافل والتضامن في ما بينهم.
غبطة البطريرك…
في كلمتك أعلنت بين السطور رغبتك بإنهاء ودفن دولة لبنان الكبير، وبأنك تطالب بالعودة إلى موقع مرجعية دولة لبنان الصغير، أيّ بيروت وقسم من جبل لبنان فقط.
ذريعة الخطاب وشعاراته الرنانة كانت كلمة «الحياد».
أتعلم غبطتك أن لا حياد بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الليل والنهار!
الحياد يكون فقط بين خيرين أو شرّين وغير ذلك يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً.
والشرّ كلّ الشرّ هو هذا الكيان البغيض المسمّى زوراً «إسرائيل»، وهذا ما لا نرضى ان نتجادل به مع غبطتك احتراماً منا لك وخوفاً على مشروعية مرجعيتك يا من تنطق باسم الحق الذي وقف في وجه الشرّ وطرد لصوص الهيكل أبناء الأفاعي…
كيف سمحت غبطتك للجمهور «المستعار» من بعض الأحزاب والقوى أن يورّط موقع بكركي في صراع محاور إقليمي دولي طويل عريض، لا دور ولا موقع للمسيحيين فيه؟
ألا تعلم غبطتك بأنّ الحياد الحقيقي هو وحده من حمى الأقليات المسيحية في الشرق وهو فقط ضمانة وجودها؟
ألا تعلم غبطتك بأنه في صراع المحاور الإقليمي الدولي إنْ انتصر المحور الأول، فالعماد ميشال عون وما يمثل سيجني ثمرة حقوق ووجود المسيحيين، وانْ انتصر المحور الآخر فالدكتور سمير جعجع وما يمثل كفيل بالنتيجة ذاتها؟
وفي أيّ من الحالتين تبقى بكركي مرجعيتهما ومرجعية لبنان كلّ لبنان؟
هل تعتقد غبطتك بأنّ الاستقواء بالخارج ووضع لبنان تحت الوصاية كفيل بحفظ لبنان أو قسم منه على أقلّ الإيمان؟
ألا تعلم غبطتك بأنّ الدول الغربية لم تعد تقيم أيّ وزن لحقوق الطوائف بل حتى لوجودها؟
وبأنه لا يهمّها إلا المال والاقتصاد ولو كانت عبر التتر والبرابرة؟
غبطة بطريرك ما بقي من لبنان، أنهيته في خطابك الأليم وقضيت ووأدت قواعد وجوديّة قام عليها لبنان وهي:
ـ لا غالب ولا مغلوب…
ـ أصغر من أن يُقسّم …
ـ أكبر من أن يُبلع…
سامَحَنا الله وإياكم جميعاً وغفر لنا عما هو آت…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أمين عام التيار الأسعديّ.