السابقة التي سجّلها البطريرك الماروني بشارة الراعي كسرت كل قواعد بكركي. قبل البطريرك الراعي لم يسبق أن ارتضى أحد أن يكون رأس حربة في مواجهة الموقع الأول للمسيحيين، أقلّه منذ أربعين عاماً. لكن مع ذلك عرف العونيون وحزب الله كيف يمتصون الموقف، مانعين قوى 14 آذار من التمادي في استغلال موقع بكركي لتنفيذ أجندتهم
الحديث عن محاولة لتوريط البطريرك بشارة الراعي في الصراع ليس دقيقاً. الراعي بكامل إرادته، وبتنسيق مع محور عربي معاد لنصف اللبنانيين وافق على لعب هذا الدور. وهو لم يعترض على وصف فئة كبيرة من اللبنانيين بالإرهابية. ولم يحرك ساكناً عندما سمع أحد الشبان الذين التقاهم يقول إن رئيس الجمهورية إرهابي.
انتشى الراعي بالـ«15 ألفاً» الذين خرجوا و«قلوبهم ممتلئة رجاءً وشجاعة وأملاً»، على حدّ قوله، فطوّبوه زعيماً على ما بقي من «14 آذار». لكن الزمن ليس زمن 2005 ولا التوازنات هي نفسها. ولذلك، فإن مفعول كلام بكركي عن المؤتمر الدولي لن يختلف كثيراً عن مفعول الكلام عن الحياد. في الحالتين، المطلوب إجماع وطني يدرك الراعي أنه غير متوافر. لكن مع ذلك مضمون الكلام ليس مهماً. المهم رمزية اللقاء. سياق الأحداث يؤكد أن مفاعيل فاعلية بكركي انتهى في اليوم الذي تلا. ثلاثة أطراف أسهموا في ذلك: رئيس الجمهورية وحزب الله والراعي نفسه. الخطاب العوني بدا مضبوطاً ولم يستدرج إلى سجال مع بكركي، بل على العكس أوحى العونيون منذ ما قبل المهرجان حتى أمس، أن البطريرك يقرأ من كتاب التيار. كما أبدوا الانفتاح على «مناقشة أي اقتراح من جانب الراعي انطلاقاً من السعي المشترك الصادق لحماية لبنان». أما حزب الله، فيدرك أنه في سبيل استهداف رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر في الشارع المسيحي، يتم التصويب عليه تارة بشكل مباشر، وتارة أخرى على سلاح المقاومة لتحميله مسؤولية الأزمة المالية والاقتصادية، وللقول للمسيحيين إن حليف التيار هو المسؤول عن معاناتكم. النائب حسن فضل الله قال إن «هؤلاء استغلوا بكركي للتلطّي بها من أجل الهجوم على رئيس الجمهورية وحزب الله، ولكن لن يوصلهم مثل هذا الهجوم إلى تحقيق أهدافهم». مع ذلك، فقد أشار إلى أن «سياستنا لا تقوم على المقاطعة نتيجة الاختلاف في الرأي، نحن أهل الحوار والتلاقي والوصول إلى تفاهمات وطنية، فهذا هو الأساس لحل المشاكل الداخلية وليس استدعاء الدول الأخرى للتدخل، بل يمكن الاستعانة بها لتقديم العون والمساعدة لا أن تحل محل اللبنانيين».
ثالث من أحبط مفاعيل لقاء بكركي هو الراعي نفسه؛ إذ تشير المعلومات إلى أنه سيسعى في مقابلة تلفزيونية تبثّ اليوم إلى تصويب موقفه، ولا سيما لناحية تأكيد تحييد رئاسة الجمهورية عن أي صراع، ولا سيما أنه في خطابه لم يتطرق إلى رئيس الجمهورية أبداً، فيما أسهب في تحميل حزب الله المسؤولية.
مع ذلك، فإن خطوط التواصل بين بكركي وحزب الله لم تنقطع. فضل الله كشف أن لجنة الحوار بين الطرفين تواصلت منذ يومين لدرس إمكان معاودة اللقاءات المباشرة مع أخذ الاحتياطات اللازمة من كورونا. وفيما أكدت المعلومات أن لقاءً قريباً قد تعقده اللجنة، قال فضل الله إنه «على ضوء نقاشات اللجنة يمكن عقد لقاء مع البطريرك».
وقد علمت «الأخبار» أن الاتصال جرى بين عضوي اللجنة محمد الخنسا والأمير حارث شهاب. كما تبيّن أن النائب فريد الخازن قد نقل رسائل بين الراعي والحزب، تتعلق بتوضيحات متبادلة. فلا البطريرك الماروني طالب بالتدويل بمعنى الذهاب إلى مجلس الأمن واستخدام قوة السلاح، ولا السيد حسن نصر الله قصد الراعي عندما قال «ما حدا يمزح معنا في مسألة التدويل وأي كلام عن قرار دولي تحت الفصل السابع مرفوض ومستغرب ويعدّ دعوة إلى الحرب وغطاءً لاحتلال جديد». كذلك فإن زيارة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بكركي حملت «ما يسهم في تهدئة الأجواء» بين الحزب والراعي.