الوقت- عقب الإفراج عن التقرير السريّ للاستخبارات الأمريكيّة، حول جريمة اغتيال الصحافيّ السعوديّ المعارض، جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده بإسطنبول قبل ثلاثة أعوام، أعرب مجلس التعاون الخليجيّ الذي يضم كلاً من السعودية والإمارات والبحرين وقطر وعمان والكويت، عن تأييده لبيان مملكة آل سعود، بشأن تقرير الاستخبارات الأمريكية الذي أشار إلى أنّ ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان أي الحاكم الفعليّ في السعودية، أجاز العملية في تركيا، لاعتقال أو قتل الصحافيّ، جمال خاشقجي، واعتُبر البيان الخليجيّ اصطفافاً غير أخلاقيّ مع حكومة المملكة السعودية رغم اثبات تورطها بتلك الجريمة الشنيعة.
دعم مؤسف
استند التقرير الأمريكيّ في حكمه على أنّ ولي العهد السعوديّ، لديه سيطرة مطلقة على أجهزة الأمن والاستخبارات في البلاد منذ توليه عام 2017، ما يجعل من المستبعد جداً أن يقوم مسؤولون سعوديون بتنفيذ عملية كهذه دون ضوء أخضر من ولي العهد، الذي أيّد استخدام العنف كوسيلة لإسكات المعارضين في الخارج، فيما يأتي دعم مجلس التعاون الخليجيّ للرياض في ظل تصاعد الضغط الدوليّ عليها بعد اثبات تورط محمد بن سلمان في جريمة خاشقجي، عقب سنوات من المنع الذي فرضته إدارة الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب، على نشر هذا التقرير.
وبناء على ذلك، وفي دعم خليجيّ مؤسف لقاتل خاشقجي الحقيقيّ، أكّد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجيّ، نايف الحجرف، تقديره لما أسماه الدور الكبير والمحوريّ الذي تقوم به مملكة آل سعود في تعزيز الأمن والسلم الإقليميّ والدوليّ، ودورها الكبير في مكافحة الإرهاب ودعم جهود المجتمع الدوليّ في مكافحته وتجفيف منابعه، وفق زعمه، متناسياً التاريخ المشين لهذا البلد، والجرائم البشعة التي ارتكبها النظام الحاكم في بلاد الحرمين بحق الأبرياء في سوريا ودعمه للإرهاب هناك، إضافة إلى الجرائم التي ترتكبها الآلة العسكريّة للتحالف الذي تشكل السعودية رأس الحرب فيه داخل اليمن.
وفي محاولة فاشلة لانتشال محمد بن سلمان من بركة دم المغدور جمال خاشقجي، ادعى الحجرف أنّ تقرير الاستخبارات الأمريكيّة لا يعدو عن كونه رأياً خلا من أي أدلة قاطعة، وفق تعبيره، معتبراً أنّ ما تقوم به السعودية بقيادة الملك سلمان، وابنه ولي العهد محمد بن سلمان، في دعم الأمن والسلم الإقليميّ والدوليّ وفي مكافحة الإرهاب، هو دور تاريخي وثابت ومقدر، والدليل كما تقول الوقائع هو الحروب المستعرة في الكثير من الدول العربيّة بدعم لا متناه من القيادة السعودية العميلة، التي لم تأبه لدماء الأطفال في سوريا واليمن والعراق ولبنان وليبيا وغيرهم، بل على العكس كانت اليد السعودية شريكة في ذبح العرب والمسلمين والدلائل كثيرة لا تتطلب سوى بحث بسيط عن الدور السعودي في الحروب والنزاعات داخل الوطن العربي بالذات.
تأييد صريح
سيراً على خُطى مجلس التعاون الخليجيّ الذي تسيطر عليه السعودية، أعرب ما يسمى “البرلمان العربيّ” أو الهيئة التشريعيّة لجامعة الدول العربيّة، الغائب كما جامعته منذ زمن بعيد عن قضايا العرب ومشكلاتهم والذي يجهل وجوده كل العرب تقريباً، عن رفضه القاطع لما وصفه “المساس بسيادة السعودية” وكل ما من شأنه المساس بقيادتها واستقلال قضائها، في تأييد واضح وصريح لجرائم محمد بن سلمان الشنيعة في الداخل والخارج.
وفي بيان له السبت الفائت، أعلن “البرلمان العربي”، عن تأييده للبيان الصادر عن وزارة الخارجيّة السعودية بشأن التقرير حول خاشقجي، والذي لم يأت بجديد، فأيّ قاتل ذاك الذي يعترف بجريمته وهو خارج القضبان ويتصرف بأهم بلد إسلاميّ على هواه ويقتل ويشرد ويدعم الإرهاب دون أي رادع أخلاقيّ أو إنسانيّ أو قانونيّ، حيث قالت حكومة ابن سلمان أنّها ترفض رفضاً قاطعاً تقييم تقرير المخابرات الأمريكية.
وكما هو متوقع، قالت وزارة خارجية النظام السعوديّ في بيانها، أنّ الحكومة السعودية ترفض ما ورد في التقرير الأمريكيّ من استنتاجات مسيئة وغير صحيحة عن قيادة السعودية ولا يمكن قبولها بأيّ حال من الأحوال، وزعمت أنّ الجريمة ارتكبتها مجموعة تجاوزت كافة الأنظمة وخالفت صلاحيات الأجهزة التي كانوا يعملون فيها، وقد تم اتخاذ جميع الإجراءات القضائيّة اللازمة للتحقيق معهم وتقديمهم للعدالة، حيث صدرت بحقهم أحكامُ قضائية نهائية رحبت بها أسرة خاشقجي، بحسب وكالة الأنباء السعودية، رغم أنّ المحاكمات السعودية تعرضت لانتقادات دوليّة كثيفة ووصفت بـ “المهزلة” لأنّها حاولت التغطية عن المسؤول الحقيقيّ عن تلك الجريمة، واتهمت الرياض بأنّها أجبرت أبناء القتيل خاشقجي على الإعلان عن عفوهم عن قتلة والدهم في أيار المنصرم، بعد ضغوط أو إغراءات من قبل محمد بن سلمان، كما تقول تقارير إعلاميّة.
وفي خروج علنيّ عن كل القواعد الإنسانيّة والأخلاقيّة والدينيّة والمهنيّة، أوضح البرلمان العربيّ أنّ للسعودية دوراً محوريّاً بقيادة خائن الحرمين الشريفين (كما يقول العرب)، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وابنه ولي العهد القاتل، محمد بن سلمان، في ترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة العربية، وعلى المستوى الإقليميّ، فضلاً عن سياستها الداعمة لحفظ الأمن والسلم الدوليين، ودورها الرئيس في مكافحة الإرهاب والعنف والفكر والمتطرف، وترسيخ ونشر قيم الاعتدال والتسامح على كل المستويات، رغم أنّ العرب ومن ضمنهم الشعب السعوديّ، مجمعون على عكس كل ما ذكره البيان الذي وصف بأنّه خنوع وانبطاح عربيّ لمفرقة العرب “الجامعة العربيّة” المرهونة بيد ملوك النفط.
ومن الجدير بالذكر، أنّ الصحافيّ السعوديّ، جمال خاشقجي، المقيم في الولايات المتحدة الأمريكيّة منذ عام 2017 والمعروف بانتقاداته للسلطات السعودية، قد اغتيل في 2 تشرين الأول عام 2018، داخل قنصليّة بلاده في اسطنبول التركيّة على يد فريق اغتيال سعوديّ خاص، فيما لم يتم حتى الآن العثور على جثته.
حسم الجدل
إنّ المعلومات التي كشفها تقرير الاستخبارات المركزيّة الأمريكيّة، حسم الجدل حول مسؤوليّة محمد بن سلمان المباشرة عن قتل خاشقجي، عقب محاولات فاشلة للكونغرس الأمريكيّ، لم تفلح في إجبار إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، على الكشف عن النتائج التي توصلت إليها أجهزة الاستخبارات الأمريكيّة، فيما ينتظر كثيرون أن يفي الرئيس الأمريكيّ جو بايدن، بوعود حول مساءلة قتلة خاشقجي.
وما ينبغي ذكره، أنّ أول رد فعل ملموس من إدارة ترامب على قضية خاشقجي، كان فرض وزارة الخزانة الأمريكيّة عقوبات على 17 سعودياً لدورهم في قتل خاشقجي، لكن تمكنت إدارة ترامب من حماية ولي العهد، رغم أنّ العديد من أعضاء الكونغرس اعتبروا أنّ ولي العهد لابد وأنه كان على علم بعمليّة تقطيع الصحافيّ السعوديّ، لكن إدارة ترامب امتنعت عن الإقرار بذلك، وقد طلب الكونغرس عام 2019، من مدير الاستخبارات الوطنيّة الأمريكيّ تسمية مَن أمر بقتل الصحافيّ السعوديّ عام 2018، لكن مدير الاستخبارات زعم أنّ المعلومات يجب أن تبقى سريّة لعدم إلحاق الضرر بما أسماه “الأمن القوميّ الأمريكيّ”.
ومن الجدير بالذكر أنّ الكونغرس مرر مشروعين في آذار وحزيران عام 2019، لمنع المساعدات العسكريّة الأمريكية للسعودية، لكن ترامب استخدم حق النقض “الفيتو” دون سابق إنذار ضد كلا الإجراءين، ما حافظ على تدفق الأسلحة إلى النظام السعوديّ، وقد مرر الكونغرس في كانون الثاني 2019، أحكاماً تطالب الإدارة الأمريكيّة بتقديم تقرير علنيّ يحدد هوية الأفراد المتورطين في قتل خاشقجي، وقد لاقى مشروع القانون إجماعاً نادراً بين الحزبين الجمهوريّ والديمقراطيّ لمعرفة هوية القتلة، وهذا ما تجاهله ترامب.
علاوة على ذلك، قدم عضو الكونغرس الأمريكيّ ورئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، قدم آدم شيف، مشروع قانون حمل اسم “جمال خاشقجي” في أكتوبر 2020، لضمان أن تحاسب واشنطن مرتكبي عمليات القتل خارج نطاق القضاء وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ضد الصحفيين، لكن وبالرغم من الجهود الكبيرة للكونغرس، رفض مكتب الدفاع الوطنيّ الأمريكيّ، رفع السرية عن تقرير قدمه مدير الاستخبارات يتضمن وفق تقارير إعلاميّة معلومات استخباراتيّة حول الدور المحوري لولي العهد في جريمة خاشقجي، فيما أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، في وقت سابق أنّه سينهي مبيعات الأسلحة الهجومية للمملكة التي تستخدمها في الحرب على اليمنيين.