الوقت- مجدداً تعود قضيّة صفقة السلاح الروسيّ مع مصر إلى الواجهة، حيث أعرب وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، قبل بضعة أيام، عن قلق بلاده من حالة حقوق الإنسان في مصر بسبب انزعاج واشنطن من احتماليّة شراء القاهرة للمقاتلات الروسيّة، وكانت إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، قبل أكثر من عام، قد أرسلت تهديداً قويّاً لمصر في حال استمرت في مساعيها للحصول على المقاتلة الروسية المتطورة سوخوي سو-35، في الوقت الذي اعتمدت فيه القاهرة منذ سنوات على استراتيجيّة تنويع مصادر السلاح.
مباعث قلق أمريكيّة
كان بيان وزارة الخارجية الأمريكية، واضحاً من ناحية مباعث قلق الولايات المتحدة من ملف حقوق الإنسان الذي كان ومازال أداة لواشنطن، تفعلها متى شاءت للضغط على الدول لتمرير سياساتها خاصة فيما يتعلق بسوق الأسلحة، وإنّ التجربة السعودية مع أمريكا في عهد ترامب خير دليل على ذلك، واليوم تشدد إدارة بايدن على أنّ هذا الملف سيكون مركزيّاً في العلاقات الأمريكية – المصرية، بالإضافة إلى الموضوع الرئيس الذي تحجبه الولايات المتحدة بهذا الغطاء، ألا وهو احتمال شراء مصر مقاتلات من نوع سو-35 من روسيا.
ورغم أنّ وسائل الإعلام عجت بخبر اتصال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، مع نظيره المصري سامح شكري، وما رافق ذلك من تأكيد مشترك على أهمية الشراكة الاستراتيجيّة القوية بين الولايات المتحدة ومصر، خاصة في مجال الأمن والتعاون الجاري، وتبادل الآراء بشأن عدة قضايا إقليميّة، بينها دعم ما وصفوها بـ “مفاوضات السلام” برعاية الأمم المتحدة في ليبيا وما تسمى “عملية السلام” في الشرق الأوسط والتعاون في “مكافحة الإرهاب”، إلا أنّه لم يتم التركيز على أصل القضية التي لولاها ربما لم نشهد اتصالاً أمريكيّاً في هذا التوقيت مع الدولة التي كان رئيسها أول رئيس عربي يهنئ بايدن بالفوز بالرئاسة، من أجل العمل والتعاون مع الرئيس الأمريكيّ الجديد.
يشار إلى أنّ وزير الخارجية الأمريكي، ذكر عبر صفحته الرسميّة على موقع تويتر أنّه تحدث مع وزير الخارجية المصري، حول المصالح الأمنية المشتركة، والتي يجب أن تتماشى مع احترام الديمقراطيّة وحقوق الإنسان ومن ضمنها مجتمع مدني قوي، فيما اعتبر حديثة “ورقة ضغط” أمريكيّة على مصر التي تشهد انتهاكات متكررة لحقوق الإنسان.
وفي الوقت الذي تطلع فيه وزير الخارجية الأمريكي في التغريدة نفسها، لتعزيز ما أسماها “الشراكة التاريخيّة” مع مصر، اكتفت وزارة الخارجية المصرية في بيانها بشأن الاتصال المشترك، بالحديث أنّ الطرفين بحثا سُبل دفع العلاقات الثنائيّة وتبادل الرؤى حول القضايا الإقليميّة والدوليّة ذات الاهتمام المُشترك، في بيان تقليديّ غاب عنه المحور الأهم في المحادثة مع الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، لم يتناول بيان الخارجية المصرية أبداً المخاوف الأمريكية التي أوصلتها واشنطن إلى القاهرة بشكل صريح ومباشر، ونوه البيان إلى أن المحادثة الهاتفية عكست تلاقي رؤى الدولتيّن في العديد من الملفات والقضايا الإقليمية والدولية، وأنّ الاتصال شهد نقاشاً حول آخر التطورات على الساحتين الليبيّة والفلسطينيّة، فضلاً عن ضرورة مواصلة العمل المشترك من أجل “مكافحة الإرهاب”، بالإضافة إلى التحديات والتهديدات التي تواجهها المنطقة.
وابتعد البيان المصريّ بشكل كليّ عن التهديدات الأمريكية المعتادة، وتم التأكيد على “الشراكة التاريخية” القائمة على ما أسمتها القاهرة أُسس الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة وتنمية العلاقات في كافة مناحيها السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، وكذلك جهود البلدين في مجال حقوق الإنسان بما يحقق مصلحتيّهما، فيما اتفق الوزيران على مواصلة التنسيق والتشاور خلال المرحلة القادمة حول كافة القضايا التي تحظى باهتمام البلدين.
تهديدات سابقة
في زمن الإدارة الأمريكيّة السابقة، حذرت واشنطن مصر عبر وزير الخارجية الأمريكيّ وقتها، مايك بومبيو ووزير الدفاع مارك إسبر، من إبرام صفقة شراء مقاتلات سوخوي سو-35 الروسية المتطورة، وشددت الولايات المتحدة حينها على أن مضي القاهرة قدماً في هذه الصفقة قد يعرضها للعقوبات كما سيعقد بصورة كبيرة اتفاقات الدفاع الأمريكية مع مصر.
وقد أشارت تحليلات سياسيّة عدة إلى أنّ مصر طلبت من أمريكا الحصول على أحدث طراز من مقاتلات F-35 قبل بضعة سنوات، وتم رفض هذا الطلب، رغم أنّ الأمريكيين سلّموا هذه الطائرة إلى السعودية، وكرد مصريّ على هذا الرفض، اتفقت القاهرة على شراء 20 طائرة مقاتلة من طراز سو -35 الروسية، لقاء ملياري دولار، حيث إن الطائرة الروسيّة تعادل تقريباً مستوى كفاءة F-35 الأمريكيّة.
وفي هذا الصدد، نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، قبل أكثر من عام، تقريراً كشف فيه عن مضمون الرسالة التي وجهها المسؤولان الأمريكيان لوزير الدفاع المصريّ، محمد أحمد زكي، ونقلت عن مسؤولين في البنتاغون أنّه تم تحذير قائد القوات الجوية المصرية، الفريق محمد عباس من عواقب تلك الصفقة، وطلبت الولايات المتحدة من مصر مراجعة علاقاتها العسكريّة والاستخباراتيّة مع روسيا.
ومن الجدير بالذكر أنّ الولايات المتحدة تسلم الطائرات المقاتلة من الفئة الأعلى من طراز F-35 لشركاء موثوقين من حلف شمال الأطلسي أو الكيان الصهيونيّ، لكن وفي ضوء الوضع المتفاقم في منطقة الخليج، وافقت واشنطن على منحها للسعودية أيضاً.
موضوع حساس
في برهان أكبر على حساسية هذا الموضوع بالنسبة للإدارة الأمريكيّة، فقد اعترفت مصر في وقت سابق بمحاولة شراء 30 ألف قنبلة صاروخية كانت مخبأة على متن سفينة شحن تابعة لكوريا الشمالية عام 2016، وكانت في طريقها لميناء مصري في قناة السويس، إلا أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية أحبطت العملية التي وصفتها منظمة الأمم المتحدة وقتها بأنها أكبر عملية ضبط لأسلحة في تاريخ العقوبات ضد كوريا الشمالية، حيث تأزمت العلاقات العسكرية المصرية – الأمريكية نتيجة ذلك، لكن هذا الأمر لم يصل إلى حد التهديد كما يحدث حاليّاً.
وهنا لا بد من التذكير بأنّ الولايات المتحدة، كانت قد فرضت قيوداً مشددة على العلاقات العسكريّة والامداد بالأسلحة لمصر عام 2011 عقب أحداث ما يسمى “الربيع العربي”، حيث توقفت صيانة المقاتلات الأمريكية كما أوقف تسليم باقي صفقات السلاح للقاهرة، فكان ذلك درساً قوياً لمصر بضرورة أن تنوع من مصادر السلاح، لذا حصلت فيما بعد على سلاح من فرنسا وروسيا وألمانيا ولم يُعلن عن مشكلة بالنسبة للولايات المتحدة في ذلك الحين.
وأن أكثر ما تخشى منه الولايات المتحدة هو أن يتم تزويد دول المنطقة بأنظمة الأسلحة الروسية، وبالأخص أنظمة الدفاع الجوي، فعندها يمكن بالفعل أن يسبب هذا الأمر قلقاً كبيراً لواشنطن مما يمكن أن تحصل عليه روسيا من معلومات تقنية بشأن الأسلحة الأمريكيّة، الشيء الذي يمكن أن يزيد من مخاطر أن تُسقط الطائرات F-35 بواسطة الأنظمة العسكرية التابعة لموسكو، ويرفع من احتماليّة أن تصل التقنيات العسكرية الأمريكية المتطورة بشكل أو بآخر إلى أيدي الروس.
وفي هذا الخصوص، اعتبر محللون أنّ رد الفعل الأمريكيّ متوقع خاصة عندما يرغب أحد حلفاء واشنطن في شراء أسلحة روسية، وسبق وأن حدث ذلك مع أنقرة عندما حاولت شراء منظومة إس – 400 الصاروخية المتطورة، حيث إن حسابات الجانبين المصري والتركي تعتمد على إرسال إشارات استراتيجيّة لكلا الجانبين الأمريكيّ والروسيّ، بأنه يمكن التعامل مع الدولتين بقدر من الاتزان والحصول على مميزات العلاقة سواء مع الولايات المتحدة أو مع روسيا، وهذا الشيء لا يمكن أن تتقبله الولايات المتحدة بسهولة، خاصة وأنّ الهدف الامريكي الأساس هو الحفاظ على التفوق العسكريّ للعدو الصهيونيّ الغاصب في المنطقة، وهذا الأمر لا يتعلق فقط بمصر بل بكافة الدول التي تمدها واشنطن بالسلاح الأمريكي بما يضمن تفوق الكيان الذي وضع مثل كتلة سرطانيّة تفصل بين مشرق الوطن العربيّ ومغربه.
مصير الصفقة؟
بحسب مواقع إخباريّة، فإنّ ميزة السلاح الروسي هو أنه متقدم وأرخص ثمناً من السلاح الأمريكي، ما يجعله مفضلاً في الكثير من الأسواق العالمية، ويعتقد خبراء عسكريون أنّ الأمر لن يتصاعد بين القاهرة وواشنطن، فقد يتم الوصول لاتفاق بحظر استخدام مصر للطائرات الروسية في اتجاهات معينة لا أكثر، ولن يكون لمصر مانع في ذلك، فالأخيرة وقعت اتفاقية “كامب ديفيد” ولا تريد الدخول في نزاع مع العدو الصهيونيّ المجرم، فيما يشير آخرون إلى احتمالية ألا تتم الصفقة بين القاهرة وموسكو من الأصل.
وعلاوة على ما تقدّم، فإنّ الولايات المتحدة حريصة بالفعل على إبقاء علاقاتها الاستراتيجيّة مع القاهرة على أفضل ما يكون خاصة في ظل التوترات المتزايدة الأوضاع غير المستقرة في المنطقة، وتعلم واشنطن جيداً مدى أهمية مصر كدولة كبيرة في المنطقة، وحجم تأثيرها على استقرار الشرق الأوسط، ما يعني أن الولايات المتحدة ستحاول الحفاظ على “طريق العودة” مع مصر.
وما ينبغي ذكره، أنّ الولايات المتحدة فرضت عقوبات على رئاسة صناعات الدفاع التركية، أواخر العام المنصرم، بسبب شراء أنقرة منظومة الدفاع الجوي الروسية إس 400، بدعوى أنّ الصفقة مع موسكو ستعرض أمن التكنولوجيا العسكرية الأمريكية والعسكريين الأمريكيين للخطر، وفق ما أعلن وزير الخارجية الأميركي السابق، مايك بومبيو، يوم 14 كانون الأول/ ديسمبر 2020، موضحاً أنّ الإجراءات التي اتخذت اليوم تبعث برسالة واضحة مفادها أن واشنطن ستطبّق القانون بشكل كامل ولن تتساهل حيال أي صفقات كبيرة تتم مع قطاعي الدفاع والاستخبارات الروسيين.
العلاقات الأمريكيّة – المصريّة
من المعروف أنّ العلاقات المصريّة مع الولايات المتحدة الأمريكية، عادت الدفء في حكم الرئيس المصريّ، عبد الفتاح السيسى، من خلال استئناف الحوار الاستراتيجيّ بين البلدين على مستوى وزراء الخارجية لأول مرة منذ العام 2009، بالإضافة إلى زيارات إلى واشنطن وزيارة كبار المسؤولين من الإدارة الأمريكية ووفود الكونجرس الأمريكي للعاصمة المصرية، وقد رحبت أمريكا بجهود مصر لتبنى حزمة إصلاحات اقتصادية مهمة بدعم من صندوق النقد الدولي، فضلاً عن الزيارات التي قام بها السيسي للعاصمة الأمريكيّة.
وفي هذا الشأن، ارتكزت السياسة الخارجية لأمريكا على عدد من الدول بمختلف أنحاء العالم ومن ضمنها مصر، وعلى مدار السنوات المنصرمة، أجرت القاهرة عدة اتصالات بالرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب، تم من خلالها تبادل وجهات النظر حول تطورات الوضع الليبيّ، في ضوء إطلاق مبادرة “إعلان القاهرة”، حيث رحبت الولايات المتحدة بالجهود المصرية لتحقيق التسوية السياسية للأزمة ولإنهاء أعمال العنف بدعم وقف إطلاق النار على الأراضي الليبية، وتبادل الجانبان الرؤى بشأن تطورات موقف ملف سد النهضة الإثيوبيّ والمفاوضات الثلاثيّة ذات الصلة، حيث وصف العلاقات الثنائية بين البلدين بالاستراتيجية.