أسرار القناة التركية التي انطلقت من الولايات المتحدة.. ما علاقة أردوغان؟
الوقت_ مع التراجع المستمر من ناحية الحريّات الصحافيّة في تركيا، وتدنّي ترتيبها ضمن قائمة التصنيف دوليّاً، بالتزامن مع فرض الحكومة التركيّة رقابة على منصّات التواصل الاجتماعيّ، يبدو أنّ العين الرقابيّة والإعلاميّة التركيّة توجهت أيضاً على الأتراك الذين يقطنون خارج البلاد، حيث إنّ المواطنين الأتراك خارج بلادهم من المحتمل أن يتلقوا رسائل إعلاميّة بعيدة عن ضبط وإيقاع مقص الرقيب التركيّ، الذي بات يفرض غرامات على مواقع التواصل الاجتماعيّ، بحجة عدم استيفاء تلك المواقع الشروط الجديدة التي تسمح بالحضور في تركيا، بدون مكاتب ومُمثّلين عنها.
أخذت القناة التلفزيونيّة التركيّة “تاسك تي في”، التابعة لما تُسمى “لجنة التوجيهيّة الوطنيّة التركيّة – الأمريكيّة”، على عاتقها ما تصفه بـ ” إيصال رسائل الداخل التركي إلى الخارج”، مُعلنة بالفعل عن البدء ببثّها على مدار الساعة، وهدفها الأساس المُعلن بحسب ادعائها هو تعزير التواصل بين أبناء المجتمع التركيّ داخل الولايات المتحدة الأمريكيّة.
والمثير في الأمر أنّ هذه القناة بالإضافة إلى أنّها تبث باللغة التركيّة، يقع مقرّها العام في العاصمة الأمريكيّة واشنطن، ما يعني أنها تُريد أن تكون بالقُرب من المواطنين الأتراك لتوجه رسائلها الخاصّة لهم، ولتكون بعيدة عن تأثيرات الإعلام الأمريكيّ، وإدارة الرئيس الأمريكيّ، جو بايدن، والتي بدأت تُزعِج تركيا فيما يتعلّق بملف الأكراد ودعمهم، في ظل انزعاجها من شراء أنقرة لمنظومة إس- 400 الدفاعيّة الصاروخيّة من موسكو.
ويشار إلى أنّ القناة التركيّة الجديدة، وفي أوّل برنامج خاص لها استضافت الرؤساء المُشاركين للجنة التوجيهيّة الوطنيّة التركيّة – الأمريكيّة، غوناي سوينج، وخليل موطلو، اللذان تحدّثا عن أهميّة القناة في دعم وتعزيز العلاقات بين واشنطن وأنقرة، ما يشي بالأهميّة التي يُوليها الأتراك لتوطيد علاقاتهم بالولايات المتحدة عبر وسائل الإعلام، خاصة في هذا التوقيت الحساس الذي تتراجع فيه العلاقات بينهما مُقارنة بتلك التي رافقت وجود دونالد ترامب في السُلطة.
ومن الجدير بالذكر، أنّ قناة “تاسك تي في” التركيّة قد بدأت بثّها التجريبي من الولايات المتحدة 16 نوفمبر/ تشرين الثاني، عقب أيّام من فوز جو بايدن، ما أوحى أنّ توقيت بث القناة كان مدروساً بدقة وعناية، ولأسبابٍ سياسيّة بحتة تتعدّي مسألة “تعزيز التواصل” بين أبناء المجتمع التركي، والمُعرّض بحُكم تأثير تواجده على الأراضي الأمريكيّة لما يضخه الإعلام الأمريكي، والتي تراها الأدبيّات التركيّة سلبيّة، وتُروّج للكيانات المُعادية لأنقرة.
كذلك، فإنّ الرئيس المُشارك في الجنة التوجيهيّة الوطنيّة التركيّة – الأمريكيّة، خليل موطلو، صرّح بأن القناة الجديدة ستُواصل طريقها في مُكافحة أنشطة الإرهاب كما تصفها أنقرة، مثل منظمة “غولن”، واللوبي الأرمنيّ، وذلك خلال البرنامج الخاص الأوّل للقناة.
وعلى ما يبدو فإنّ إطلاق القناة، كان على رأس اهتمامات الرئيس التركيّ الإخوانيّ، رجب طيّب أردوغان، الذي بعث برسالة مرئيّة للتهنئة بانطلاق بثها على مدار الساعة، وبدا أن أردوغان يضع في حُسبانه التأثيرات السلبيّة الخارجيّة على بلاده، حيث دعا المجتمع التركي في الخارج إلى إبداء ردّة فعل ضدّ جميع الأنشطة والمنشورات التي من شأنها أن تؤثر سلباً على صورة البلاد، متناسياً أنّ سياساته الرعناء هي من شوهت سمعة تركيا في الأذهان المحليّة والعربيّة والدوليّة.
وبحسب ادعاء أردوغان، فإنّ ما أسماها الجهات المُعادية لتركيا، تستغل الخلافات لتحقيق أهدافها، وتبذل جهوداً مكثفة لتحريض الرأي العام الأمريكيّ ضده بلاده التي لم تترك لها صاحباً في الجوار ودعمها للإرهاب، وبدا أردوغان الإخوانيّ مُهتماً بشدة للرأي العام الأمريكي، حيث أكّد في رسالته على أنّ المجتمع التركي في أمريكا يتصدّى حتماً لما وصفها بـ “الأكاذيب والافتراءات” من تلك الجهات، مبدياً ثقته بأنّ المواطنين الأتراك يسعون جاهدين لكي يفهم المجتمع الأمريكي تركيا بشكلٍ جيّد، في إشارة إلى سياسات حكومته.
ووفقاً لتقارير إعلاميّة، فإنّ القناة التركيّة الجديدة، ستُركّز في تغطياتها على تبيان الحقائق حول المفكر الإسلامي والداعية المعروف، فتح الله غولن، وهو المُتّهم الرئيس بالنسبة للحكومة التركية بالمسؤوليّة عن الانقلاب الفاشل صيف العام 2016، ومنذ ذلك الوقت تسعى أنقرة للقبض عليه، لكن جُهودها باءت بالفشل وبقي غولن ومن معه الشّغل الشّاغل للنظام الإخوانيّ الحاكم في تركيا.
إضافة إلى ذلك، ستعمل القناة التركية في مُكافحة أنشطة اللوبي الأرمني التي تصفها تركيا بالإرهابيّة، وهي جماعات الضغط الأرمنية المعروفة على مستوى العالم كقوة لا يستهان بها لفضلها في التعريف بمذابح الأرمن على يد العثمانيين واكتساب هذا التعاطف العالمي، فمجلس النواب الأمريكي في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، صوّت بأغلبيّة ساحقة لصالح قرار يعترف بأنّ قرار الذبح الجماعي الذي تعرّض له الأرمن بين عاميّ 1915- 1917 هي إبادة جماعيّة، ما يعني تحميل تركيا مسؤوليّة تلك المذابح، وهو القرار الذي يترك أثره السلبيّ على صورة البلاد التي شوهها حزب العدالة والتنمية أكثر من تأثيراته القانونيّة غير المُلزمة، بدليل الاهتمام التركي بمُواجهة “اللوبي الأرمني” في أمريكا.
بناء على ما ذُكر، فإنّه من غير المعروف ما إذا كانت نداءات رجب طيب أردوغان للمواطنين الأتراك في الولايات المتحدة ستترك أثرها الفعلي، وهل سيعمل هؤلاء كما دعاهم رئيسهم المتشدد إلى إبداء ردّة فعل ضد جميع الأنشطة المُعادية لصُورة البلاد كما يصفها أم لا، خاصة وأنّ حزب العدالة والتنمية الإخوانيّ شوه صورة تركيا بشكل كبير، في الوقت الذي تتهاوى فيه الليرة التركيّة أمام العملات الأجنبيّة، وفي ظل استطلاعات للرأي تُشير إلى تقدّم لافت على المستوى الشعبيّ لصالح حزب الشعب الجمهوريّ المُعارض، واختيار الناخبين له بدل الحزب الأردوغانيّ الحاكم في بعض المُحافظات، وإن كان لا تزال السيطرة لصالح العدالة والتنمية الذي يسعى لكتابة دستور جديد للبلاد علّه يُنهي نظام الانتخاب الرئاسيّ والبرلمانيّ الحاليّ، ويُحوّله إلى نظام أشبه بأنظمة الحكم الأبديّة.