خالد البوّاب – أساس ميديا
يشكل رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، عنوانًا جذابًا لحصر تهمة تعطيل تشكيل الحكومة بهما. بناءً على تجارب سابقة، كان عون وباسيل يتبجّحان خلالها بتعطيل الاستحقاقات في سبيل تلبية شروطهما. لكنّ السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه، هو: لو كان هناك إرادة فعلية داخليًّا وخارجيًّا تقود إلى تشكيل الحكومة، هل بإمكان عون وباسيل عرقلتها؟ أم إنّ حزب الله لا يزال يعرف كيفية الاختباء خلف الرجلين، لعدم إظهار موقفه الحقيقي؟
القاعدة المنطقيّة تفيد بأنه يستحيل على طرف واحد تعطيل مسار التشكيل لو وُجدت الإرادة، أبرز الأمثلة على ذلك، رفض الرئيس نبيه بري إلى جانب سليمان فرنجية، انتخاب ميشال عون رئيسًا للجمهورية، لكنّ الانتخابات حصلت، وهنا لا حاجة للمفاضلة بين أهمية بري بالنسبة إلى حزب الله وبين أهمية باسيل.
من الشواهد أيضًا على عدم قدرة طرف واحد على التعطيل، هو موقف حزب الله المؤيد لتكليف الحريري برئاسة الحكومة، ما أرغم عون على إجراء الاستشارات النيابية التي أدت إلى تكليف الحريري، لكنه استبقها بتوجيه رسالة تحذير إلى المجلس النيابي من تداعيات اختياره. في الخلاصة، عون لا يريد الحريري رئيسًا للحكومة، أما حزب الله فيريده رئيسًا مكلفًا فقط في هذه المرحلة، ولذلك أسباب كثيرة.
أولًا، عون لا يريد الحريري لأنّه قال له سابقًا إنّه جاء إلى التسوية الرئاسية مع جبران باسيل، ولا بد أن يستمرّا معًا او يغادرا معًا، عندها قال الحريري لعون جئت بتسوية معك يا فخامة الرئيس ونغادر معًا. لا يزال عون يضع الحريري في مقابل باسيل، إما أن يكونا معًا داخل الحكومة أو يخرجا سويًّا، والاحتمال الوحيد الذي فتحه عون للتسهيل، هو الاستعاضة عن وجود باسيل شخصياً داخل الحكومة، بثلث +1. كل المسار الذي ينتهجه عون يؤكد أنّه لا يريد للحريري تشكيل حكومة إلا بشروطه الكاملة والنهائية.
ثانيًا، ما يدل على عدم قدرة طرف واحد على التعطيل، هو أنّ عون رضخ للأمر الواقع في تكليف الحريري. الأمر نفسه انطبق على باسيل في مؤتمره الصحافي الأخير، حين قال: “نريد الحريري لرئاسة الحكومة ولكن بشروط”، وهذا موقف متحوّل عن مواقف سابقة، يأتي بفعل ما تمكن الحريري من تحصيله في جولاته الإقليمية والدولية، لا سيما وأنّ هناك موقفًا روسيًّا، ومصريًّا، إماراتيًّا، وفرنسيًّا واضحًا في دعم رئيس تيار المستقبل بتشكيل الحكومة.
لكن هناك أسباب أخرى قادرة على عرقلة التشكيل هي الآتية:
1 – الحريري يتمسك بشروطه وهو لا يزال يفضّل الإمساك بورقة التكليف وعدم الوصول إلى التأليف، إلا بعد توافر ظروف لإنضاج تسوية حقيقية تحظى بدعم دولي. وبعدما كسب ورقة التكليف، ها هو يريد الإمساك بها بانتظار أن تنفجر كل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بوجه عون وباسيل وحكومة تصريف الأعمال، ولن يكون جاهزًا لترؤس حكومة انتخابات تبدأ باتخاذ قرارات غير شعبية قد تقود إلى انفجار اجتماعي.
2 – عون وباسيل لا يريدان الحريري رئيسًا للحكومة، إلّا وفق شروطهما التكتيكية وهي الصراع على الحصص، وشروط سياسية بعيدة المدى، تتعلق بتوفير المستقبل السياسي لجبران باسيل، وإجبار الحريري على الدخول في تسوية سياسية جديدة لها أبعاد مستقبلية، مثل الذي حصل قبل الوصول إلى تسوية 2016.
3 – هنا السبب الأهم، وهو موقف حزب الله الذي لا يضيء عليه أحد: فهل الحزب يريد تشكيل الحكومة حاليًّا، أم يفضل الانتظار؟ في العلن يُظهر الحزب مرونة وتسهيلًا، لكنّه بالتأكيد يقف خلف رئيس الجمهورية ميشال عون، ولا يريد كسره على الرغم من تمسّكه بالحريري. هكذا يبدو أنّ الحزب يفضّل انتظار التطورات الإقليمية، خصوصًا أنّ المطالب الأساسية التي دونها رفض تقديم المساعدات للبنان، هي اشتراط عدم مشاركة الحزب في الحكومة. ولم يقتنع حزب الله بهذا الموقف، بل يفضّل الانتظار ريثما تتغيّر الظروف وتسلك المفاوضات الإيرانية الأميركية طريقها، فيكون هناك تسهيل في استيعاب الحزب داخل الحكومة، بالتمثّل بوزراء من قماشة حمد حسن أو جميل جبق، أي تابعين للحزب لكن من خارج جسمه التنظيمي.
ما يدلّ على وجود هذا الجو لدى حزب الله، هو عدم تسليمه لائحة مقترحة بأسماء قابلة للتوزير، ليختار الرئيس المكلف من بينها من يراهم مناسبين. ورفض الحزب تسليم اللائحة، تحت عنوان أنّه لن يفعل طالما رئيس الجمهورية غير موافق، بحجّة أنّ تسليم أسماء مقترحة يعني إحراجًا لعون وإظهاره معرقلًا وحيدًا لعملية التشكيل. لكن من يعرف كيف يتعاطى الحزب في هذه الملفات، يدرك أنّ عدم تسليم الأسماء ينطوي على التمسك بمسألة أساسية وهي أن يسمّي وزيرين حصرًا في الحكومة، لا أن يقدم لائحة يتم الاختيار منها كما فعل الرئيس برّي.
في الخلاصة، لا مؤشراتٍ على احتمال تشكيل الحكومة قريبًا. الصورة من الخارج بالغة السوداوية. لا يوجد ما يشير إلى إمكان تحقيق أيّ خرق إيجابي، قبل حصول ما يشبه التفاهم الإقليمي الدولي على جوانب متعددة من المسارات اللبنانية، تبدأ بتشكيل الحكومة، ولا تنتهي بملف ترسيم الحدود والبحث بملف الصواريخ، وضبط المعابر بين لبنان وسوريا.
الحكومة مؤجّلة. حزب الله ينتظر تحسين شروطه الحكومية. عندها فقط يقتنع عون بأنّه لا مناص من الحريري. لكنّ الأخطر أن تطول الأزمة إلى ما بعد انتهاء الولاية الرئاسية لعون، وهذا احتمال بدأت دوائر ديبلوماسية في دراسة كيفية التعامل معه.