“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
تكاد تنتهي فترة الستّة أشهر التي وعدَ الرئيس سعد الحريري عقب تكليفه لتشكيل الحكومة، أنها ستكون عنواناً للإصلاح ووقف الإنحدار نحو قعر “جهنم”، لكن الحكومة لم تتشكّل بعد، فيما المهلة تتآكل، وقد انقضى منها لغايته 5 أشهر ونيّف والباقي لا يبشّر بالخير!
والحريري أطلق وعده حين كان الدولار يًحلّق على مستوى 8000 متر فوق سطح الليرة، فكيف سيكون حال الإصلاح الموعود ونحن نشهد “تعمشقه”الآن على ارتفاع 10 آلاف وما فوق، وكيف للحريري أن يدفع صوب تحقيق رؤياه من دون خسائر؟
مبدئياً، بات من الواضح أن الجميع قد تطبّع مع الوضع الراهن، بدليل أن كل العاملين أو المطّلعين على مسار تشكيل الحكومة، يجزمون حين سؤالهم عن الأحوال، أن الأمور “واقفة”، وإن التأليف لم يعد في هذا الوقت على جدول أعمال أحد، والمعنيون بأمره “من فوق” لا يمتلكون تصوّراً واضحاً للحل، والكل يضرب أخماساً بأسداس و”يُفَلفِش” في أوراق الدستور عن مخارج محتملة للخروج من حالة المراوحة، فيما آخرين، من قماشة “حزب الله”، قد استقالوا عن تلاوة أي موقف أو مسعى، ويعود ذلك إلى “جائحة الطرش” التي فتكت بآذان الجميع.
كان التعويل على جولات الرئيس المكلّف الخارجية، وها قد انقضى منها إثنتان، فيما الفريضة الثالثة جاري الإعداد لها على قدم وطائرة، من دون أي نتائج تُذكَر، فلم يحدث أي تبدّل منذ عادَ الحريري إلى الديار، وعلى الأرجح لن يحدث طالما أنه اتخذ القرار بـ”الحجر الداخلي”، “ولو بدّا تشتّي كانت غيّمت” خلاصة موقف مصدر سياسي بارز، ما يؤسّس إلى دفع رئاسة الجمهورية نحو بلورة توجّهات “باتت ضرورية ولا مفرّ منها” كنتيجة طبيعية للإنسداد الحاصل”، وتأتي بنيّة ممارسة الضغط باتجاه إعادة التكليف ثم التأليف إلى “جادة الصواب والمسارات الطبيعية”، في ضوء قرار الرئيس المكلّف رفض التواصل مع أحد في الداخل حتى مع رئيس الجمهورية شريكه الدستوري في التأليف، في وقتٍ يحرص على بعث وفد يضم نواباً من كتلته على نية التجوال على المرجعيات الروحية لوضعها في ضوء نتائج زيارات الحريري وأسباب تأخير التأليف.
ولو أن الجولة مقبولة من حيث الشكل، إنما ذلك لا يعوّض ضرورة القيام بزيارات ذات طابع سياسي، كون المرجعيات الروحية ليست الجهة المخولة البتّ أو التقرير في مستقبل التأليف، وفي وقتٍ قرّر الحريري أن يحجب عن الرئيس اطلاعه على نتائج ما توصل إليه خلال جولاته الخارجية والتي يفترض – كما أعلن- أنها تتم تحت عنوان “تأمين المساعدة للشعب اللبناني وترميم علاقات لبنان”، بدليل توزيعه خبراً ينفي خلاله التوقّعات التي راجت قبل أيام حول عزمه زيارة قصر بعبدا، وهو ما لاقته أوساط الأخير بكثيرٍ من الإستهجان، لكون الحريري كان يردّد في السابق أنه لا يقبل بحثّ التأليف إلا مع عون، فلماذا عدل عن ذلك ثم ركن إلى هذا الأداء المشبوه، فيتولى فعل التسريب ونقيضه في آن، وهي علامة لا تسمح ببناء ثقة مفترضة بين الرئاستين.
وقد تناهى إلى “ليبانون ديبايت”، أن دوائر القصر الجمهوري أزاحت الغبار عن إقتراح سابق كان يدور في رأس رئيس الجمهورية، وفحواه إستدعاء الكتل النيابية إلى قصر بعبدا تحت عنوان “التشاور”، في جلسات شبيهة بالدعوات التي تمّت تلبيتها سابقاً من قبل تلك الكتل للتشاور حول مواضيع معينة، وأن العنوان العريض الذي سيطرح كسؤال على الحاضرين، ينحصر في رؤيتهم لمستقبل التكليف والتأليف معاً، باعتبار أنهم شركاء دستوريون في مسألة التسمية، للبناء على نظرتهم لبلورة الإتجاهات حيال الفترة المقبلة، سيما بعد مرور زهاء 5 أشهر على التكليف، ولم يحدث أن تالّفت حكومة بل باتت أسيرة.
وبحسب المعلومات، سيحاول رئيس الجمهورية إستشراف أي متغيّرات على مواقف تلك الكتل من التكليف، وإذا ما زالت تؤيّد تولّي سعد الحريري المهمة، وإن كان لديها حلولاً لحالة الإستعصاء في التأليف، وسيستمزج آراءها حول ما يمكن اتخاذه في ضوء ما يحصل، وحول المخرج الأصلح للمعضلة الحالية.
وتتحدث أوساط، على أن عون يركن إلى الخرطوشة الأخيرة في مسألة دفع الحريري إلى تأليف الحكومة، وهو يحاول إستخلاص مواقف الكتل سيما تلك التي سمّت الحريري للوقوف عند مسؤولياتها، وطبعاً، في حال ورد لديها أي تغيير على مستوى نظرتها، لا بد عقب ذلك أن يكون ثمة موقف للحريري من الأمر. فصحيح، أن الدستور لا يجيز انتزاع التكليف من الرئيس المكلّف، لكنه أخلاقياً، مُلزَم باتخاذ موقف من أي تطوّر قد يحصل، عطفاً على تصريح سابق كان نائب رئيس تيار “المستقبل” الدكتور مصطفى علوش، قد أدلى به إلى صحيفة “الشرق الاوسط” بتاريخ 19 من الشهر المنصرم، أفاد خلاله أن ” لا شيء يجبر الرئيس المكلّف على الإعتذار إلا إذا اختار هو ذلك بنفسه أخلاقياً”. وسبق ذلك تصريح مشابه، ذكر خلاله أن “الحريري غير ملزم بالإعتذار، إلا إذا عدّلت الكتل التي سمّته وأعلنت أنها لم تعد كذلك، فيبقى للحريري في هذه الحال أن يعتذر لأسباب أخلاقية”.