“ليبانون ديبايت” – علي الحسيني
يزداد الوضع الداخلي تأزّماً، ومعه تتراجع حظوظ الإصلاحات المُنتظرة عند أعتاب أصحاب القرار في لبنان وأبواب السفارات المعنيّة بشكل مباشر بعملية تأليف الحكومة، والتي تتأرجح بدورها على “لعبة” المطالب من أجل تحقيق المكاسب. وعند هذا الوضع المجهول المصير، تصدر عن رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، هواجس عدة بشكل شبه يومي، يُعبّر فيها عن تخوّفه من الأسوأ، خصوصاً في ظل حالة الفلتان السياسي التي تسود البلد والتبعيّة العمياء التي يُمارسها أكثر من فريق.
ومن خلال تغريداته اليوميّة والمواقف التي يطلّ بها عبر الإعلام بين الحين والآخر، يُمكن للمتابع لشؤون البلاد، أن يلمس مدى خطورة الوضع الذي يستشعره جنبلاط في هذه المرحلة بالإضافة إلى الخوف الذي يُجاهر به، على مصير البلد وهويته في ظل إمعان البعض وإصراره على الإرتهان للخارج، وإبقائه مُكبّلاً ضمن مشاريع إقليمية وورقة تفاوض تُستخدم لتحسين الشروط.
يشعر وليد جنبلاط اليوم وكأنه وحيداً في ساحة حرب مفتوحة إقليمياً ومحليّاً، وعلى الرغم من غياب صوت الرصاص والقذائف في هذه الحرب، إلّا أن حالة الإلغاء والتفرّد التي يستشعرها بحقّه، تبدو أخطر بكثير من زمن كانت فيه التصفيات الطائفية والمذهبية وقضم بضعة مساحات جغرافية، خياراً وحيداً للحفاظ على البقاء والوجود. ويبرز هذا الشعور بالوحدة في المواجهة لدى “البيك”، من خلال غياب الدعم الدولي وانكفاء “العرب” في المواجهة مع المحور الإيراني الذي ما يزال يسرح في الساحة على هواه، ويفرض إيقاعه السياسي والعسكري على الجميع من دون استثناء.
والمُلاحظ أن وليد جنبلاط يُحاول قدر الإمكان اليوم، تغيير قواعد الإشتباك التي كان يتبعها في مرحلة سابقة، والتي كان يتجاوز فيها كل الخطوط الحمر من قبيل “يا بيروت بدنا التار من لحود ومن بشّار” و”تريدون الحرب أهلاً وسهلاً بالحرب” و “لا مشكلة بالسلاح ولا مشكلة بالصواريخ، نأخذ الصواريخ منكم”. فهذه القواعد استبدلها جنبلاط بأدبيات تصل في أقصى حدودها إلى التحذير مما هو قادم وما يُمكن أن يطال الجميع وليس جهة واحدة.
مؤخراً، دقّ جنبلاط ناقوس الخطر، إنطلاقاً من ملف تفجير المرفأ الذي يتم تمييعه، وكأن هناك عملية التفاف على أي قرار قضائي يُمكن أن يصدر فيه خصوصاً في ظل وجود خيوط متكاثرة ومتداخلة تصبّ جميعها في خانة تأكيد وجود علاقة للنظام السوري، مما يوحي له بأن هذا النظام لا يزال على حالة الفلتان التي كان عليها خلال فترة وصايته في لبنان، وما يزال مُغطّىً ومحميّاً من الجهات نفسها في الداخل اللبناني. وكل ذلك يعني بالنسبة إلى وليد جنبلاط، أن البلد قد دخل فعلاً في المجهول في وقت يبدو فيه المسؤولون وكأنهم في رحلة استجمام مفتوحة.
من الهمّ الوطني إلى الهمّ الدرزي تتنقّل هواجس جنبلاط حيث يظهر حجم تخوّفه على “البيت الداخلي” من خلال “التنازلات” التي يُقدّمها في موضوع الحكومة، في وقت يستغلها خصومه من البيت نفسه، لتحقيق مصالحهم الشخصيّة واستغلالها لصالح الحلف الذي يجمعهم تحت العباءة الإيرانية ـ السورية، على الرغم من أن الجو الدرزي العام، يميل اليوم إلى “ميزان” “البَيك”، وذلك من خلال إرثه السياسي أولاً، وثانياً من خلال الخدمات والمساهمات التي قدّمها وما زال يعمل على توفيرها وتأمينها داخل وخارج حدود طائفته.
بعد “لقاء خلدة” الذي اجتمع فيه خصوم جنبلاط من داخل “البيت الدرزي”، كثُرت الأسئلة المُوجّهة إلى زعيم المختارة من المُحبّين والمقرّبين والمُحازبين، ولعلّ أبرزها: لماذا السماح لكل هؤلاء المُجتمعين بالمُزايدة عليك “درزيّاً”؟، ولماذا مسايرة بعض الجهات السياسية على حساب الطائفة الدرزية في موضوع تأليف الحكومة؟ ويسأل هؤلاء جنبلاط: طالما أن للنائب طلال إرسلان حجماً سياسياً يعلمه القاصي والداني، فلماذا يُعطى مقعداً وزارياً على “حسابنا”، ولماذا لا تسير بحكومة من 16 وزيراً يكون لك فيها مقعد واحد، وليُقلّع البعض شوكه بيده؟
في هذه المرحلة، يُحاول جنبلاط التقليل من الخطابات والشعارات، مع الإحتفاظ بمساحة واسعة للتغريدات المُعبّرة على قاعدة “صورة وكلمة”، على أمل أن يكون لهذه القاعدة التي لا يزال يُحافظ عليها، وقعاً في نفوس الداخل والخارج، أقوى من وقع الرصاص والقذائف المتعدّدة والمتنوّعة، وأبرزها تلك التي تم إهداؤها ذات يوم للنائب جبران باسيل.
وفي مقابل كل هذا، يبدو “البَيك”، وكأنه قرّر المضي قُدماً في مواجهته هذه، مُستعيراً عنواناً لأحد كتب “المُعلّم”.. “نكون أو لا نكون”.