“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
فجأةً، باتت السلطة مهتمّة بإجراء الإنتخابات النيابية “الفرعيّة”، رغم أن تسريبات ما بين الغرف، كانت توحي بعدولها عن ذلك ونشوء نيّة لديها لقذف المواعيد إلى أجل يُحدّد لاحقاً. وفي ضوء هذه الإنعطافة، ثمة من أخذ يبحث عن الأسباب “الشرعية” المقنعة والدافعة وراء ذلك، فيما أصحاب “النية الحسنة” غرقوا في التفسيرات البريئة على قاعدة أخذ أخوهم “السلطوي” على أكثر من محمل حسن. في النتيجة، “الفرعية” بحاجة إلى قربان، وهنا، تحتل مسألة تأليف الحكومة صدارة اللائحة.
بمعزل عن كل شيء، ثمة مجموعة عوامل سلبية داخل السلطة قد تحول دون ترجمة المسعى الإنتخابي إلى حقيقة. موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب صريح حيال رفضه تبدية أمر الإنتخابات على تأليف الحكومة، وكان قد أبلغ موقفه إلى رئيس مجلس النوّاب نبيه بري، الذي اتصل به قبل أيام على بركة “تحريك” موقفه قليلاً، دون أن ينجح. في لاوعي دياب، ثمة عدم رغبة في إعطاء السلطة، ما عجزت عن إعطائه له حين كان يحتاج إليها وحين كان على رأس سلطة كاملة. والآن، لماذا يقدم اليها خدمة بالمجّان؟ من جانب آخر، “الفرعية” بالنسبة إلى دياب ، تعني حكماً تمديد إقامة لا يريدها في السراي
وزير الصحة حمد حسن “يأكله” هاجس كورونا، والرجل الذي ما زال يعوّل على إنجاز أوسع يطمح لتحقيقه في هذا الملف، لن يدع الأمور “تفلت” خلف صناديق الإقتراع ليدع الرقم “يتعمشق” على ارتفاع 6000 إصابة وما فوق.
يتقاسم وزير التربية محمد المجذوب نفس الهواجس مع الإثنين، والرجل الذي ما بَرَحَ “يُعنّد” رافضاً إعادة الطلاب إلى الصفوف، لن يقبل بفتح “الشُعب” لصناديق اقتراع. في الخلاصة، هناك عدة عوامل لا توحي بأن ثمة انتخابات قد تجري عما قريب.
بالإضافة إلى العوائق الإدارية والصحية والسياسية، ثمة أسباباً أخرى ذات صلة بالإجراءات القانونية التقنية لا تقل شأناً. فموعد الإقتراع الذي يغزو عقل القائمين على الإقتراح، ينحصر في أواخر شهر آذار المقبل، وعلى الأرجح الأحد الأخير منه الموافق لـ28، تبعاً لمرسوم إجراء الإنتخابات الذي بعث به وزير الداخلية محمد فهمي قبل أيام، وبهذا المعنى يُفترض على فهمي أن يدعو الهيئات الناخبة قبل 30 يوماً من الموعد، أي أن تتم دعوتهم يوم 28 من الجاري، أي بعد عدة أيام، فهل ثمة قدرة على ذلك؟
الإجابة قطعاً لا، وهذا يعني أن المشروع سيذهب نحو التأجيل، والتأجيل في الوضع الحالي سيحمل معه نفس الأسباب آنفة الذكر دونما تعديل، إذاً ما الغاية من دفع الأمور إلى الواجهة الآن؟ وهنا لا بد من السؤال: ما الذي تفعله السلطة؟ وطالما أنها تعلم بالمعوقات، فلماذا تدفع بشكلٍ سريع نحو إنجاز استحقاقٍ نيابي؟ كلمة السرّ تكمن في الحكومة. من الحكومة نبدأ وإلى الحكومة نعود.
في الواقع، ثمة عجز واضح عن التأليف نتيجة ارتفاع مستوى الفيتوات لدى أكثر من مستوى، حتى رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، بات من المحال إعفاؤه من الفيتوات تلك، لذا، تطمح السلطة إلى الإنتقال إلى خطوة أخرى بديلة، ريثما تتهيأ ظروف التأليف. لدى الحريري نفس الأسباب التي تدفع الآخرين صوب صرف النظر عن التأليف، إذ لديه معايير يريد فرضها، والآخرين كذلك. كما أن الحريري، لديه أسباباً أخرى. حتى الآن، ورغم كل الدفع ومحاولات الدفع الدولية التي حصلت مؤخراً وجاءت على شكل رسائل متنوّعة وردت إلى مختلف المستويات في السلطة، ما زال الرجل “حبيس” الموقف السعودي، وحراكه الإقليمي الأخير الذي يُراكم فوق تحركات مشابهة أخرى، لم ينجح بـ”فكّ عقدة الداخل” ولا عقدة الحريري أيضاً.
أضف إلى ذلك، أن ثمة أمراً مريباً يستحوذ على المكلّف. فهو يبدي نشاطاً خارجياً لافتاً من أجل البحث عن مخارج لتأليف الحكومة، بينما لا يبادل الموضوع الشعور نفسه في الداخل، إذ تسيطر على تحرّكاته البرودة، ويلازم الجلوس في المنزل من دون تأدية أي حركة، وهذا يوحي بأنه ما زال يتموضع ضمن خانة إنتظار الإشارة.
مؤخراً، وحين كان الحريري يجول في الخارج، طرح أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله فكرة على النقاش، قوامها توسيع الحكومة إلى 20 أو 22 وزيراً، ولاقاه إلى ذلك بدايةً الحزب التقدمي الإشتراكي على لسان النائب بلال عبدالله، قبل أن يعدل عن ذلك وفق آخر المعلومات الواردة حيال مواقف النائب السابق وليد جنبلاط، وكذلك “التيار الوطني الحر” في أعقاب مؤتمر جبران باسيل الصحفي.
وخلال الخوض في بحث أسباب الإستدارة الجنبلاطية، يتبين أنها تنطوي بداية على سببين: الأول، رفض سلب إمتياز الوزير الملك الذي يحوزه جنبلاط في تشكيلة من 18، وقد انطوى كلام رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي الإعلامي الأخير عن رفض صريح لهذا الخيار.
والثاني، أن جنبلاط يدرك أن توسيع الحكومة يعني عملياً توسيع حصّة رئاسة الجمهورية و”التيار الوطني الحر”، وهو يفضل عدم الذهاب إلى هذا الخيار بتاتاً.
في الكواليس، يعمل الحريري بـ”الريموت كونترول” لتحقيق الغايات الجنبلاطية من وراء تأخير التأليف. فالحريري، وخلال اجتماع كتلة “المستقبل” الأخير جاء على لسانه أمران: الأول، رفض توسعة الحكومة، وقد ادّعى أن الخطوة محل رفض دولي، لكون الفرنسيين يريدون حكومة من 18 وزيراً، مع أن المعلومات حول اتفاق “قصر الصنوبر” لا توحي بأنه تضمّن أية إشارة إلى ذلك ومن ضمنه عدد الحكومة. والأمر الثاني، أن الحريري، لا يريد الخروج عن الإطار المرسوم جنبلاطياً، وقد أعلن عن ذلك من خلال اعتباره أن القبول بغير صيغة الـ18 تخالف رغبة المختارة، وهو لا يبتغي “مكاسرتها” في الداخل.
رغم ذلك، ثمة على الضفة المقابلة من يرجّح أن حكومة من 18 باتت في عداد الساقطة “عسكرياً”، والأمور ذاهبة إلى مستوى الـ22 لا محال. وهنا، يستشهد بقول “حزب الله”، أن صفحة الـ18 قد طُويت إلى أجلٍ غير مسمى، والحارة لم تعد معنية بوجودها إطلاقاً. خلاصة القول: لا حكومة عمّا قريب.