“ليبانون ديبايت” – روني ألفا
تلقيحُ عَددٍ من النوّاب منذُ يَومَين فضيحَة مدويَّة. هيَ مرآة وسِخَة لما آلَ إليه بلدُنا مِن تقهقرٍ أخلاقي وسياسي. بعضُ نوّاب الأمَّة المؤتَمَنينَ على حياةِ الناس ومصالِحِها أمّنوا على حياتِهِم أولاً. هم تلقّحوا فلمَ العَجَلة في تلقيح ناخبيهِم؟. تذكيرٌ بلغة الإقطاع نفسِها التي سادَت منذ ستينَ سنَة: إبني كامِل يتعلَّم نيابَةً عنكم “.
نوّاب يُشرِّعونَ. يَسنّون القوانين. يُراقبون عمل الحكومة. هم أنفسُهُم خارِجونَ عَن القانون. لَم يعد في بلدِنا أي تَعريف للعَيب والعار والخَجَل في قواميس اللغَة. بعض أصحاب السّعادَة النوّاب أعادوا تَعريف هذه الموبِقات لأنها تقمصَت فيهِم. العيبُ صارَ مرادِفاً لنائِب مُلقَّح.
أسوأ كان موقف وزير الصحّة الذي توسَّمَ فيهِ اللبنانيَون شيئاً مِن أمل لِنظافَةِ كفِّه وللصدق الذي عكسَهُ في تَعاطيه مع مسائل الصحَّة. هوَ ايضاً كانَ عذرُهُ أقبَح مِن ذنبِ وزارَتِه. يقول أنه اتَّخَذَ قراراً سياديّاً بِتلقيح النوّاب مكافأةً لهم بإنجاز قانون الإستِخدام الطارئ للقاح كورونا. بأي منطق يمنح الوَزير مكافأة لنائِب يَقوم بواجِبِه؟ وهَل يستدعي القيام بالواجِب مكافأة لمَن يقوم بِه؟
إنه إنقلاب في معايير الحوكمَة والحكم والأخلاق وفضيحَة مدوِّيَة وصَلَت أصداؤها إلى المجتَمَع الدولي الذي هدّد بوقف إمداد لبنان باللقاح لأنه خالَف المَعايير الملزِمَة. أطبّاء يا مَعالي الوزير نتقدّم بالتعازي لِعوائلهم كلّ يوم إضافَة إلى ممرضين وممرضات ينتظرون أن يُلَقَحوا قبلَ أن تطالَهم العَدوى فإذا ببعض نوّاب الأمَّة يتلقّحون قبلهم بعذر أنهم يجتَمِعون ويتخالطون من أجل لبنان.
يا خجلَة لبنان أمام العالَم. ليتك يا معالي الوزير أحجمَتَ عن التصريح. عيادة نقّالَة لمتابعَة التّلقيح؟ إمعانٌ في خرق المعايير وكأنَّ شيئاً لم يَكن.
أكثر مِن ذلك. تستمرّون في تَوفير اللقاح للمرجعيات الروحيَّة التي ستستفيد مِن عيادَة وزارَة الصحّة النّقالَة فيما ينتظرُ عشرات الآلاف من المسنّين والمصابين بالأمراض المزمِنَة دورَهم مُعَرِّضينَ حياتَهم للخَطَر كلَّ يَوم.
معالي الوزير. إنها سقطَة عَميقَة. نصدقُكَ القَول أنَّ كثيراً مِن الفولكلور والسينما رافَق هَمروجَة وصول اللقاح عبر مَطار بيروت. بدَوتم يَومَها كأنكم في استِقبال وزير خارجيَّة دولَة عظمى. جهل في البروتوكول لَدى فريقِكم ومستشاريكُم. إستِقبال رسمي لإثنَين وعشرين ألف لقاح ما يمثِّل صِفراً فاصِل ثلاثَة بالمِئَة مِن الشّعب اللبناني. مهزَلَة معالي الوَزير. لَم نعرف أنبكي أم نضحَك خلال متابَعتِنا لِمراسِم الإستِقبال. فَتّشنا عَن السجادَة الحَمراء فَلم نَجِدها. استَعَضتم عنها بِتصريح إستراتيجي حول أن لبنان صارَ على خطّ اللقاح. صِدقاً صَدَّقنا قبلَ أن نَرى إبرَ اللقاح تُغرَزُ في أكتافِ بعض النوّاب. ليتهم قَضوا حَوائِجَهم بالكتمان.
أوقِف هذه الجرصَة يا مَعالي وزير الصحّة. قليل من الرّصانَة في مواجَهَة بعض أهلِ الحَصانَة. خذ قراراً سياديّاً فوريّاً بحَلّ العيادَة النقّالَة. إنها منصّة موازيَة لمنصّة رقص سيتبارى تجار اللقاح في الرقص عليها. قريباً على هذا المِنوال سيصبِح اللقاح لِمَن يدفَع أكثَر. بالدولار الطّازَج سيصل اللقاح إلى القصور الفخمَة والمَكاتِب الوَثيرَة. ستلاحِقكم يا معالي الوزير هذه الفَضيحَة لأنكم كابَرتُم وأمعنتُم في تنفيذِها حتى خَواتيمِها. ما قرأناهُ في تصريحِكم ليسَ أنتم الذي مالَت إليكم ثقتَنا يَوماً وجَنَحت صَوبَكم آمالَنا.
ليتَ المجلس النيابي يأخذ قراراً سياديّاً برفض تَلقيح بقيّة النوّاب قبلَ أن يتلقّح الشّعب اللبناني كلّه. يستَعيدُ بذلكَ شيئاً مِن إحترام ونِذراً مِن تَقدير فقدُهما لألفِ سبب وسبب.
أنت الوزير الآدَمي. إن طالبناك بالإستقالَة ستكون مطالبتُنا مستَحيلَة. حكومتُك مستقيلَة أصلاً. نطالبُكَ بالعَودَة عَن الخَطأ والإعتذار لمئات الآلاف من الفقراء ومتوسّطي الحال وأنتَ منهم. تراجَع عن الخطأ مِن أجل المَرضى الذينَ انتَدبوكَ لرِعايَتِهم فأصابَهم تلقيحُ نوابِهِم وعيادتُكم النقّالَة في كرامَتِهم وصحّتِهم.
معالي الوَزير الآدَمي. حرِّر فَوراً إستيراد اللقاح للقِطاع الخاص واخرج من الدّوامَة. كلامُ نقيب الإطباء مخيف إذا صَحّ. منظمة الصحّة العالميَّة موقفها أكثر رعباً. ما ينتَظِرنا مَع إستمرار هذه المسخرَة سيكون أسوأ مِن إنفجار مرفأ بيروت. سَنكون أمام نيترات أخلاقي أشدُّ عَصفاً مِن عصفِ النيترات.
لا بأس أن تتراجَع مَعالي الوزير مع قليل من تأنيب الذات. جلدُ الذات مِن عوارِض توفّر الضّمير. مَع حزني العميق لِما آلَت إليه أحوال مسؤولينا. مَع خوفي الأعمق لِلغولِ الآتي إلينا بسرعةٍ تفوقُ سرعَةَ عيادَتِكُم النّقالَة.