مبلغ 1500 مليار ليرة المخصص لشراء الفيول، يساوي اليوم بحسب سعر الصرف 158 مليون دولار، في حين ان الحاجة الشهرية بلغت في السنوات الماضية 84 مليون دولار. وعليه فان كمية الفيول التي ستحصل عليها الكهرباء من هذه السلفة ستكفي لأقل من شهرين. وعندها نعود للعتمة من جديد، من دون أن يكون هناك أي دولار جديد نعوّل عليه. وإذا تخطينا هذه العقبة بقدرة سحرية، فهل سنتمكن من تأمين مجمل أكلاف الكهرباء التي تتراوح سنوياً بين 2.5 و3.3 مليارات دولار؟ وذلك بدليل ان عجز الكهرباء بلغ خلال السنوات العشر الأخيرة (2010-2019) ما يقارب 33.9 ملياراً. وهذه الفاتورة الباهظة التي كانت تمول بشكل مباشر من أموال المودعين في المصارف، لم يعد بالامكان تأمينها.
الحل بالطاقة الشمسية
يكلف كل كيلواط منتج على الطريقة التقليدية المعتمدة حالياً “حوالى 25 سنتاً، تنقسم بين 14.4 سنتاً كلفة إنتاج وسطية و10.6 سنتات كلفة الهدر في النقل والتوزيع والجباية”، يقول رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق د.باتريك مارديني. أما إذا أضفنا على هذه العملية الحسابية أكلاف المعامل والبواخر والتشغيل والنقل والتوزيع والصيانة والجباية تصبح الكلفة خيالية. ولا يمكن للدولة تحملها خصوصاً مع عجز مصرف لبنان عن تمويل هذه العملية من أموال المودعين، كما كان يحصل في السنوات الماضية”. وعليه يرى مارديني أن “الحل المستدام اليوم يتمثل بالانتقال فوراً نحو الطاقة المتجددة التي تتراوح كلفة انتاج الكيلواط/ ساعة منها على الطاقة الشمسية بين 5 و9 سنتات، تشمل ثمن الألواح الشمسية وبطاريات التخزين. كما ان هذا السعر المتدني يتضمن كلفة الاستثمار، وذلك على عكس ما تتكلفه الكهرباء حالياً بقيمة 25 سنتاً، لا تتضمن كلفة الاستثمار.
EDF تصر على الطاقة المتجددة
ما يقوله مارديني يعيدنا إلى الدراسة المفصلة التي قامت بها شركة كهرباء فرنسا بتكليف من البنك الدولي، عن “حاجة لبنان المستقبلية من الكهرباء، وطرق الإنتاج الأمثل التي من الممكن ان تُؤمن بأقل كلفة”. الدراسة التي سربت مسودتها الأولية في منتصف العام الماضي، خلصت إلى ضرورة الإعتماد على الطاقة المتجددة لإنتاج 40 في المئة من الكهرباء خلال الأعوام القادمة؛ 37 في المئة منها يجب أن ينتج خلال السنوات الخمس الاولى، أي لغاية العام 2025. خطة كهرباء فرنسا ( LEAST COST GENERATION PLAN) التي اعتمدت على برنامج PLEXOS المتطور، الذي يقيم جميع الاحتمالات التي تؤدي إلى إنتاج أكبر كمية بأقل كلفة، أتت مناقضة لطموحات وزارة الطاقة. حيث تهمش خطط الوزارة الإنتاج على الطاقة المتجددة وتحصره “نظرياً” بـ30 في المئة لغاية 2030 وتعطي الأفضلية لبناء المعامل، ومنها سلعاتا طبعاً، والانتقال إلى التغويز. فيما فعلياً، فان كل “همروجة” الطاقة المتجددة المنتجة في لبنان لم تصل لغاية سنة 2020 إلى أكثر من 56 ميغاواط، أي 2 في المئة فقط من مجمل الطاقة المنتجة.
تلزيم الطاقة لأصحاب المولدات
سياسات الطاقة الحالية لا يمكن أن تستمر. فعدا عن مساهمتها في إفلاس البلد وهدر الأموال العامة والخاصة ورفع نسب التلوث، فقد أصبح تمويلها مستحيلاً. وفي ظل صعوبة التوصل في الأمد القريب إلى حل سياسي يفضي إلى تشكيل حكومة مهمة، تعمل على إصلاح الكهرباء، فان الحل يبدأ بخصخصتها، “عبر تشريع مولدات الاشتراك”، يقول مارديني. و”لكن شرط تحويل الإنتاج من المولدات العاملة على المازوت إلى بطاريات تخزين الطاقة الشمسية”. وهذه العملية من الممكن ان تتم برأيه عبر “تركيب الألواح الشمسية على سطوح المشتركين مقابل تأمين الكهرباء بنصف السعر أو حتى أقل. ويجري تخزين الفائض في البطاريات المخصصة. وبذلك نكون قد حلينا مشكلة تأمين الكهرباء ونقلها من جهة، والجباية من الجهة الأخرى”. حيث ان أهمية تأمين الكهرباء على الطاقة الشمسية من القطاع الخاص تتمثل برأي مارديني بعدة مميزات أهمها: “لامركزيتها، سهولة النقل، نسبة جباية 100 في المئة، توفير أثمان “الفيول أويل” وحتى الغاز، اللذان يدفعان بـ”الفريش” دولار، تأمين التمويل الخاص وعدم تكبيد الدولة مصاريف إضافية، إذ يعمد أصحاب المولدات الخاصة إلى تحويل استثماراتهم إلى الطاقة الشمسية، وذلك بالتعاون مع الجهات المانحة، التي قد تؤمن التسهيلات الضرورية لتحقيق مثل هذه النقلة النوعية”.
المشكلة الوحيدة التي قد نواجهها في الإعتماد بنسبة كبيرة على الطاقة المتجددة هي رفض القوى المتحكمة بالقطاع. فهذه العملية التنموية المستدامة والبيئية، تعري هذه القوى من استعمال مرافق الكهرباء للتوظيف والتمويل السياسي، وتحرمهم من سمسرات بملايين الدولارات تذهب إلى جيوبهم بشكل مباشر. لكن في حال الإصرار على السياسات التقليدية، والتوسع في بناء المعامل، سواء كانت على الفيول أويل أو الغاز الطبيعي، فان النتيجة ستكون واحدة من اثنين: إما لا كهرباء، وإما كهرباء بكلفة باهظة يستحيل على 95 في المئة من الشعب اللبناني تحمل فاتورتها.