يبدو أن التاريخ يُعيد نفسه في بلد يزدحم بالأزمات، ويشبه الوضع إلى حدّ بعيد مرحلة ما بعد توقيع “اتفاق الطائف” حين قاد البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير المسيحيين واللبنانيين نحو تحقيق السيادة والإستقلال، فأُطلق عليه لقب “بطريرك الإستقلال الثاني”.
تعود الذاكرة الوطنية اليوم ثلاثين عاماً إلى الوراء، فبعد نفي العماد ميشال عون وسجن الدكتور سمير جعجع وتطبيق “الطائف” على الطريقة السورية، كانت بكركي في المرصاد، وتسلّمت زمام المبادرة، وتحوّل الصرح البطريركي إلى صوت الضمير الوطني وملجأ كل وطني مظلوم.
في تلك المرحلة، حمل البطريرك صفير قضية سجن الدكتور جعجع واضطهاد المسيحيين، فشكّلت “القوات” المُنحلّة بقرار من سلطات الإحتلال السوري الركيزة الشعبية التي حضنت بكركي مثلما حضن البطريرك قضيتها.
ويتكرّر المشهد نفسه اليوم لكن بظروف أفضل على “القوات” وأصعب على الوطن، ويقود البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي معركة تحييد لبنان وتحريره من كل التدخلات الخارجية وعلى رأسها الوصاية الإيرانية.
وأمام صعوبة المعركة التي تخوضها بكركي إختارت “القوات” أن تكون، بشبابها وشيبها، إلى جانب البطريركيّة التي تعمل على استعادة حقوق جميع اللبنانيين ولا تعمل ضمن إطار فئوي أو طائفي.
ولم يتّخذ حزب “القوات” قراراً حزبياً بالمشاركة في تحرّك السبت الداعم لمواقف البطريرك وترك الحرية لمناصريه مثلما حصل في انتفاضة 17 تشرين، لكن القيادة القواتية تؤكّد أن المشاركة لا تحتاج إلى قرار حزبي فالساحة مفتوحة أمام الجميع، وبالتالي من الطبيعي والمنطقي أن يكون شباب الحزب في ساحة بكركي يوم السبت.
لا تعتبر “القوات” أن لقاء السبت يحتاج إلى تجييش أو جهد على الأرض، فالناس سئمت كل السياسات المتبعة من الأكثرية الحاكمة وجاء البطريرك الراعي بطرح يُنقذ لبنان ويُعطي أملاً بالمستقبل ليس فقط في وقتنا بل للأجيال القادمة، وبالتالي فمن الطبيعي أن يلتفّ الجميع حول سيّد الصرح ويدعموه في مسيرة تحرير الوطن، وبذلك يكون التعبير على الأرض.
تؤكّد “القوات” أن المواكبة السياسية لطروحات الراعي، من الحياد إلى المؤتمر الدولي، توازي التحركات على الأرض، لذلك يجب مساعدة البطريرك عبر عقد لقاءات مع جهات داخلية والتواصل مع الأمم المتحدة والدول الفاعلة لتحويل حلم الحياد إلى حقيقة تُنقذ الشعب اللبناني.
وتأكيداً على الدعم الكبير لمواقف الراعي، برزت زيارة وفد قواتي رفيع إلى الصرح البطريركي حيث تناول الإجتماع كل المواضيع المطروحة على الساحة، وكان تشديد من الراعي على أن بكركي لا تطرح المواقف من أجل أن تكون “بالون” اختبار أو للتراجع عنها، بل إن التمسّك بمبدأ الحياد والمؤتمر الدولي يزداد لذلك لا تراجع في مواقف البطريركية والبطريرك.
نائب كسروان شوقي الدكاش الذي كان ضمن عداد الوفد أكّد لـ”نداء الوطن” أنه من الطبيعي أن نزور بكركي لأن ما يفعله البطريرك هو بمثابة رسم خريطة طريق لخلاصنا.
ويشدّد الدكاش على أن الراعي متمسّك بالحياد والمؤتمر الدولي ولن يخضع للتهويل والتهديد ولن يدخل في سجالات مع أحد مهما اشتدّت عليه الحملات لأنه يرى أن لبنان بات في مكان غير مقبول ووضعه يتدهور على كل الصعد، من هنا يجب تحييده عن أزمات المنطقة، لا أن يكون ساحة حرب ودمار وتصفية حسابات سياسية.
وتحدّث الدكاش عن أهمية الوقوف بجانب البطريرك خصوصاً من حزب يعرف أهمية هذا الصرح في المراحل التاريخية الحرجة، وثانياً كنائب عن كسروان “عاصمة الموارنة” والحاضنة لبكركي، لذلك فإن كل الخطوات تُدرس إن كان على صعيد التحرّك السبت كسروانياً أو قواتياً.
إنتهى الإجتماع بين الراعي والوفد القواتي على أفضل ما يكون، وسينتقل البحث في المرحلة المقبلة إلى كيفية إنجاح مساعي البطريرك والمشاركة في صنع أجواء توصل إلى الحياد ومؤتمر دولي خاص بلبنان، لأن القضية باتت تحتاج إلى قرار كبير لكي يستعيد البلد توازنه وحضوره واستقلاله وعودة الدولة إلى ربوعه وإنهاء كل التدخلات والوصايات وعلى رأسها الوصاية الإيرانية.