قالت صحيفة “التايمز” البريطانية، إن الرئيس الأمريكي، “جوزيف بايدن”، العائد بعقليه الرئيس الأسبق “بارك أوباما”، سيحذر ملك السعودية “سلمان بن عبدالعزيز” من أنه يعتزم “إعادة تعيين” العلاقات الأمريكية مع المملكة، في وقت يُحضر فيه للكشف عن تقرير يتعلق بجريمة قتل الصحفي “جمال خاشقجي”.
واعتبرت الصحيفة البريطانية، في تقرير أعده “ريتشارد سبنسر” و”ديفيد تشارتر”، أن الرئيس الأمريكي الجديد يقامر أنه سيتمكن من “تطويع” ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” من خلال اتباع نهج “التوبيخ العلني” له، لكنه في النهاية سيدعمه ملكا كما فعلت واشنطن مع كل الحكام السابقين للمملكة.
وأضاف التقرير أن “بايدن” سيتحدث مع الملك “سلمان” في وقت قريب، ولا يُتوقع أن يكون ابنه “محمد” حاضرا أثناء المكالمة، كما أشارت المتحدثة باسم البيت الأبيض “جين ساكي”.
ويتوقع المراقبون أن يشير تقرير المخابرات الأمريكية إلى دور ولي العهد في الجريمة التي حدثت في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018 بالقنصلية السعودية في إسطنبول, وكان الرئيس السابق “دونالد ترامب” عمل على حماية “ابن سلمان”، الذي استقبله في البيت الأبيض في مارس/آذار 2018، من المساءلة عن تلك الجريمة.
وقالت “ساكي”، في مؤتمر صحفي مؤخرا، إن الرئيس “بايدن” لم يغير رأيه الذي أعلن عنه أثناء الحملة الانتخابية بأن السعودية “منبوذة” وقال إن المملكة ستدفع الثمن من خلال وقف صفقات السلاح بسبب الحرب على اليمن, وعندما سُئلت إن كان المسؤولون الذي وردت أسماؤهم في تقرير المخابرات الأمريكية سيتم الترحيب بهم في الولايات المتحدة أو سيواجهون اتهامات في محاكمها، ردت بأنها لا تريد استباق العملية السياسية أو الحديث قبل صدور التقرير.
وحسب وثائق محاكم قُدمت في كندا، فإن الطائرتين الخاصتين اللتين استخدمهما فريق قتل “خاشقجي” تعودان إلى شركة سيطر عليها “ابن سلمان” قبل عام من الجريمة, ونشرت شبكة “سي إن إن” الأمريكية الوثائق التي تشير إلى أن وزيرا سعوديا مرر أوامر من ولي العهد لتحويل ملكية الشركة إلى هيئة الاستثمارات العامة التي يترأسها “ابن سلمان”.
وجاءت الوثائق التي تربط ملكية الطائرتين ضمن وثائق قدمتها مجموعة من الشركات السعودية كجزء من قضية اختلاس ضد مسؤول الاستخبارات السابق “سعد الجبري” الذي يعيش في كندا.
ومن أهم أولويات الرئيس “بايدن” إنهاء الحرب على اليمن التي تستخدم فيها الأسلحة الأمريكية والبريطانية وتلحق خسائر بالمدنيين.
وقالت “التايمز”، في تقريرها، إن التحول في سياسة “بايدن” من المؤكد أنه سيجلب السعودية قريبا من “إسرائيل” التي تقيم معها علاقات سرية منذ سنوات. ويخطط الكيانان، لعمل مشترك يهدف لمواجهة جهود “بايدن” في حال قرر العودة إلى التفاوض مع إيران بشأن برامجها النووية.
وحسب الصحيفة البريطانية، فإن مؤسسة السياسة الخارجية في الولايات المتحدة عندما تعرب عن ضيقها من السعودية تصفها كـ”شريك” وليس “حليفا”.
وتقاربت مصالح السعودية والولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية،. وفي السعودية لا ينظرون إلى العلاقة بهذه الطريقة؛ فمنذ السماح للشركات الأمريكية بالتنقيب عن النفط في الثلاثينات من القرن الماضي، فإن حكامها ظلوا يتطلعون لمساعدة أمريكا لهم.
وتزين جدار السفارة السعودية في واشنطن صورة للملك “عبدالعزيز آل سعود” مع “فرانكلين دي روزفلت” على متن البارجة الأمريكية “كوينسي” في البحيرات المرّة المصرية عام 1945, وهي تأكيد على الوعد الذي قطعه الملك على نفسه وهو “النفط مقابل الأمن”، وهي إشارة من السعوديين على أن العلاقة تمت بطريقة شخصية بين زعيمي البلدين, ويعرف “بايدن” المخضرم كل هذا، وعندما تحدثت الناطقة باسمه عن “إعادة ضبط ” العلاقات مع السعودية، والتأكيد على أن خط الاتصال بين الملك والرئيس بدون ولي العهد، كانت تريد إحداث صدمة.
وترى “التايمز” أن هذا الأمر يمثل عودة لسنوات “أوباما”، الذي لم يكن راضيا عن سجل السعودية في مجال حقوق الإنسان، ودعمها لما وصفه بـ”الإسلام المتشدد”، الذي جعلها غير محبوبة في الغرب وداخل “الحزب الديمقراطي”.
واختار “أوباما” في عام 2009 مصر لتكون مكان خطابه الذي أعلن فيه عن بداية جديدة مع العالم الإسلامي وتم إقناعه في اللحظة الأخيرة بزيارة قصيرة إلى الرياض.
وبعد هذا التجاهل، بات يُنظر للسعودية على أنها غير متعاونة، في وقت بدأت سياسات “أوباما” الشرق أوسطية بالتداعي وكان السعوديون غير داعمين لإرثه في الاتفاق النووي الذي وقعه مع إيران.
ويأمل “بايدن” بأن تكون سياسته مختلفة، وسيقول إنه لا يطرح خطة عظيمة للمنطقة مقارنة مع استراتيجية الديمقراطية والحرية التي قدمها “أوباما” في خطابه أمام جامعة القاهرة، ويريد التركيز كما يقول مستشاروه على الصين وروسيا وأوروبا.
والمشكلة في هذا التفكير هو أنه نفسه الذي دعا إليه “أوباما”، فقراءة متمعنة لخطاب “أوباما”، تؤكد قوله إن دعم الولايات المتحدة للحكومات المستبدة مثل الرياض كان عقبة أمام السلام والديمقراطية، ومغادرة المنطقة وتركها لشأنها سيدفع نحو التقدم، ونعرف ماذا حدث.
لكن الأوقات مختلفة الآن، ولا ينكر أي سعودي حتى غير الحساس منهم أن مقتل “خاشقجي” أضعف “ابن سلمان”، الذي اتخذ عدة خطوات وأفرج عن معارضين سياسيين له لاحقا, لكن “بايدن” يريد أكثر من السعوديين في مجال حقوق الإنسان والصراع الإسرائيلي الفلسطيني والملف الإيراني, ويقيم حساباته على أن التوبيخ العلني قد يُطوع “ابن سلمان”، وهذه مقامرة.
وسيصبح ولي العهد ملكا بعد رحيل والده البالغ من العمر 85 عاما، كما أن عدم استلطاف “بايدن” لولي العهد لم يذهب بعيدا للمطالبة بتغييره, وعند هذه النقطة، ستقرر الولايات المتحدة بالتأكيد دعم الحاكم الجديد كما فعلت مع الحكام السابقين, وستكتشف أنها بحاجة لبيع السلاح للمملكة، والتعاون في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، ومنع سيطرة الصين وروسيا على المنطقة, وعند هذه النقطة، لن يهم وصف السعودية بالحليف أو الشريك.
المصدر: التايمز