خاص “لبنان 24”
لم تنتهِ تداعيات دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى “تدويل” الملف اللبنانيّ، لفكّ “الجمود” المسيطر على الوضع الداخليّ، والردود التي اصطدمت بها، ولا سيما من الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، فصولاً بعد، بعدما أفرزت انقسامًا جديدًا في الداخل بين مؤيّدين ومعارضين لطرح بكركي.
ويُرجَّح أن يشهد هذا الانقسام فصلاً جديدًا من فصوله، السبت المقبل، في ضوء الدعوات التي تنتشر على وسائل التواصل للحشد والتجمّع في بكركي، لمساندة البطريرك الراعي، في “المواجهة” المستجدّة مع “حزب الله”، في ظلّ مخاوف من احتمال “انزلاق” الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، في حال “فلتت” من السيطرة.
ويرى العارفون أنّ هذه المواجهة ليست وليدة اليوم، وإنما تعود إلى العام الماضي، حين تبنّى البطريرك نظرية “الحياد”، التي رأى فيها الحزب “استهدافًا مباشرًا” لدوره، إلا أنّها بقيت “صامتة” إلى حدّ بعيد، مع تسجيل “حراك” لافت، خصوصًا في الساحة المسيحيّة، أنبأ باحتمال “إحياء” لقاء “قرنة شهوان” بشكلٍ جديد.
الظروف مشابهة؟
على مدى سنوات، حافظ لقاء “قرنة شهوان” الذي تراجع وهجه في السنوات القليلة الماضية، على حيثيّة مهمّة في المشهد الداخليّ، هو الذي انبثق من “التفاف” حول بكركي انتهجته شخصيات وقيادات مسيحية في العام 2001، اختارت معارضة رئيس الجمهورية آنذاك إميل لحود، قبل أن تشارك في “ثورة الأرز” في العام 2005.
يرى البعض أنّ الظروف اليوم قد تكون مشابهة إلى حدّ بعيد، من باب المواجهة مع “حزب الله” بالدرجة الأولى، باعتبار أنّ دور “السَّنَد” الذي كان يمثله “العهد” آنذاك بقيادة الرئيس لحود، يلعبه “العهد الحاليّ” اليوم، ولو بصورةٍ نسبيّة، خصوصًا بعدما خسر الرئيس ميشال عون، و”التيار الوطني الحر”، كلّ حلفائه، ولم يبقَ له عمليًا سوى “حزب الله”، وهو بالتالي حريص على علاقته به، وفق معادلة “رابح-رابح”.
ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى القول إنّ الظروف مشابهة أيضًا لجهة رفع البطريرك الماروني لسقف الخصومة مع “حزب الله”، فرغم حرص الجانبين على “التهدئة” في معظم المحطات، واحتفاظهما بقنوات تواصل مفتوحة، لا تبدو العلاقة بينهما في أفضل أحوالها، وهو ما بدا واضحًا في الخطاب الأخير للسيد حسن نصر الله، الذي لم يَخلُ من “التصويب” على “سيد بكركي” بشكلٍ مباشر، ولو حرص على عدم تسميته.
الفكرة غير واردة
ومع أنّ البطريرك الماروني لم يردّ بصورةٍ مباشرة على كلام السيد نصر الله، رغم الاتهامات “المبطنة” التي وجهها إليه، بـ”استدعاء الحرب” من خلال المطالبة بـ”التدويل”، فإنّ بعض الشخصيات القريبة منه، إضافة إلى الدوائر المحسوبة عليه، بدت “كافية ووافية”، حيث تركت انطباعًا راسخًا بأنّ مثل هذا الكلام “لا يُوجَّه” لبطريرك الموارنة، وأنّ “لغة التخوين” لا يمكن أن تجدي في هذه الحالة.
ولا يخفي القريبون من بكركي والمدافعون عن مواقف سيّدها، وجود “امتعاضٍ” شبه مُعلَن من موقف “العهد”، ولا سيما رئيس الجمهورية، الذي لم يقابل “حرص” البطريرك الراعي على عدم التعرّض له، وعدم المطالبة باستقالته، منذ أيام “الثورة”، بحرصٍ مماثل، بل بدا في الكثير من التفاصيل، “متناغمًا” مع “حزب الله” في الموقف من “التدويل”، رغم أنّ دعوة الراعي لم تتجاوز المطالبة بمؤتمر دوليّ، “بارك” رئيس الجمهورية الكثير من أمثاله سابقًا.
لكن، رغم ما سبق، لا تبدو فكرة إنشاء تكتّل سياسيّ محسوب على بكركي، أو مدافع عنها، على طريقة لقاء “قرنة شهوان” سابقًا، واردة لدى أيّ من المعنيّين، فالبطريرك الماروني لا يستسيغ مثل هذه الفكرة، هو الذي يرى أنّ “المصلحة” تقتضي بقاءه على مسافة واحدة من جميع الأطياف، كما أنّ القوى التي يمكن أن تشكّل نواة مثل هذا التكتل غير متحمّسة له، فضلاً عن كونها منقسمة على نفسها أصلاً، وهو ما أثبتته التجارب والمحطات.
ليست المرّة الأولى التي تُطرح فيها فكرة إقامة “جبهة معارضة للعهد”، فهي وُجِدت منذ وُجِد العهد، إن جاز التعبير، أو بالحدّ الأدنى منذ بدأت التشقّقات تظهر على خطّه، وانشقاقات “الحلفاء” تتوالى. إلا أنّها لم تنجح بالمُطلَق، لأنّ “الانقسامات” بين “الحلفاء المفترضين” كانت أقوى منها، “انقسامات” لا يُعتقد أنّ “رمزيّة” الالتفاف حول بكركي قادرة على “الإطاحة” بها…