منسوب الفيول يتناقص ووزير الطاقة بشّر اللبنانيين بالعتمة بعد نفاد المخزون نهاية آذار، أما عداد إصابات ووفيات كورونا فيعاود الارتفاع على وقع تلاشي مفاعيل الإقفال العام وتحت وطأة البطء الطاغي على عملية التلقيح والتخبط الحاصل في الآليات الرسمية المتبعة في إنجاز المهمة الصحية وفق جدول أولويات الفئات المستهدفة في العملية بجرعاتها الشحيحة الأولى.
ولأنّ “دود الخلّ منو وفيه”، لم توفر السلطة فرصة “جرصة” جديدة لاحت أمامها من نافذة لقاح “فايزر” فسارعت إلى مزاحمة الطواقم الطبية والمسنين والعجزة والدخول “خط عسكري” على منصة وزارة الصحة، مكشرةً عن “سواعدها” لتلقي أولى جرعات اللقاح، تعزيزاً لجهاز مناعتها ضد الإصلاح وتكريساً لذهنيتها الموبوءة بفيروس الفساد والمحسوبيات و”ذوي القربى”.
فبين قصر بعبدا وعين التينة ووزارة الصحة، ضجت فضيحة تجرّع رئيس الجمهورية ميشال عون وعقيلته وأعضاء الفريق اللصيق بعون ورئيس مجلس النواب نبيه بري مع عدد من النواب، الجرعة الأولى من لقاح فايزر بموافقة من وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن، من دون اعتماد معيار الأولوية المتبعة في منصة تسجيل الأسماء الرسمية ومن دون موافقة اللجنة الوطنية لإدارة ملف اللقاح، “وبلا تقديم أي تبرير واضح لما حصل”، حسبما أكد رئيس اللجنة الوطنية لإدارة ملف اللقاح الدكتور عبد الرحمن البزري خلال مؤتمر صحافي طارئ عقده أمس، على خلفية هذه الفضيحة التي كان بصدد الاستقالة من منصبه احتجاجاً عليها، باعتبارها “خرقاً لا يمكن السكوت عنه وإسفيناً تم دقه في مراحل خطة التلقيح، ما وضع اللجنة في موقف حرج” أمام البنك الدولي، الذي هدد بتعليق تمويل حملة اللقاحات في لبنان، مؤكداً على لسان المدير الإقليمي للبنك ساروج كومار جيها بأنّ ما جرى من تلقيح لبعض المسؤولين “يخرق الخطة الوطنية المتفق عليها للتطعيم العادل”، وأضاف: “أناشد الجميع، أعني الجميع، وبغض النظر عن منصبكم، أن تسجلوا أسماءكم وتنتظروا دوركم”.
وبينما آثرت وزارة الصحة التزام الصمت وعدم التعليق على الفضيحة المدموغة بموافقتها، خرج نقيب الأطباء شرف أبو شرف عن صمته فأكد وجود العديد من المخالفات في عملية التلقيح، كاشفاً أنّ “أناساً ليست لهم الأولوية أو لم يتم تسجيل أسمائهم على المنصة تلقوا اللقاحات، بينما لا يزال بعض العاملين في المجال الطبي وكبار السن ينتظرون”. وإزاء ذلك، دعت مصادر صحية إلى ضرورة “إجراء تحقيق فوري ذي مصداقية أمام المجتمع الدولي عموماً والبنك الدولي خصوصاً، بغية تحديد المسؤوليات تجاه عملية تجاوز الآليات الرسمية المتبعة في عملية التلقيح وكشف المسؤولين عن هذه “الزعبرة”، التي كادت تطيح بالتمويل الدولي لتلقيح اللبنانيين”، مع تشديدها على أهمية “عدم رهن هذا الملف بقنوات الدولة لما يشوبها من شوائب مشهودة في المحسوبية والفساد، وتشريع الباب أمام دخول القطاع الخاص على خط استيراد اللقاح، والعمل على تسريع الوتيرة البطيئة التي تعتمدها وزارة الصحة في توزيع اللقاح على المواطنين والمقيمين”.
أما على المقلب الآخر من المشهد، فبرزت أمس رسالة دعم أممية لطروحات البطريرك الماروني بشارة الراعي السيادية حملتها القائمة بأعمال مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان نجاة رشدي إلى بكركي، حيث تباحثت مع الراعي “في مستجدات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة وتأثيرها على الشعب اللبناني، واستمعت إلى طرحه وآرائه بشأن عقد مؤتمر دولي من أجل لبنان”، وفق ما جاء في بيان مركز الإعلام في الامم المتحدة. ونوّه البيان بأنّ رشدي جددت للبطريرك الماروني “دعم الأمم المتحدة الطويل الأمد والمستمر للبنان بالتعاون مع شركاء دوليين آخرين”، مشدداً على أنّ “الأمم المتحدة تأمل أن يعطي قادة لبنان الأولوية للمصلحة الوطنية اللبنانية وأن يتجاوزوا بسرعة خلافاتهم لتشكيل حكومة جديدة، لمعالجة التحديات العديدة في البلاد وتلبية تطلعات الشعب اللبناني وتطبيق الإصلاحات اللازمة”، مع التأكيد على “التزام الأمم المتحدة بدعم لبنان واستقراره واستقلاله السياسي وسيادته”.
وفي المقابل، يبدو رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل عازماً على رفع سقف التحدي في مواجهة طروحات بكركي الوطنية، التي لا تتقاطع مع تطلعات العهد العوني عموماً وتطلعات باسيل السياسية والشخصية. وفي هذا السياق، غداة تعمّده في إطلالته المتلفزة الأخيرة تهميش مبادرة البطريرك الراعي ونداءاته إلى الأمم المتحدة لرعاية عقد مؤتمر دولي، يرعى حلاً لبنانياً حافظاً للكيان والهوية والدستور في البلد، بادر باسيل أمس إلى إرسال “مذكرة” إلى البابا فرنسيس عبر السفير البابوي في لبنان المونسنيور جوزيف سپيتاري، حملها إليه النائب سيزار أبي خليل والوزير السابق منصور بطيش أمس.
وإذ تكتم الوفد الثنائي عن مضمون مذكرة باسيل إلى البابا واكتفى بالتطرق إلى عناوين بالعموميات تتعلق بالوجود المسيحي ودوره في الشرق، حاولت “نداء الوطن” تقصي ما تضمنته المذكرة، غير أنّ أوساط ميرنا الشالوحي رفضت الإفصاح عما حملته إلى الحبر الأعظم، مكتفيةً بالإشارة في معرض المزاح إلى أنّ الرسالة مكتوبة “بالحبر السري” ومحتواها أصبح في عهدة الحاضرة الفاتيكانية.