الديمقراطيّة الأمريكيّة على المحك.. هل ينجو محمد بن سلمان من العقاب؟

الوقت_ بعد أن حلت السعودية في المرتبة الأخيرة على مستوى الدول الخليجیة في مؤشر المشاركة السياسيّة في ظل حظر التنظيمات السياسيّة والحريات العامة، وفق نتائج المسح الذي أجراه مركز “البيت الخليجيّ للدراسات والنشر” كأول إصدار بحثيّ متخصص في هذا المجال، كشفت مصادر مطلعة لموقع ”ويكليكس السعودية بأنّ الملك السعوديّ، سلمان بن عبد العزيز، وجه رسالة سريّة إلى الرئيس الأمريكيّ، جو بايدن، يطلب فيها وقف نشر تقرير واشنطن السريّ عن جريمة قتل وتقطيع الصحافيّ السعوديّ المعروف جمال خاشقجي، وكشف الموقع أنّ الرسالة تم نقلها عبر سفيرة السعودية في واشنطن، ريما بنت بندر بن سلطان، رئيس استخبارات النظام السعوديّ السابق الذي أمضى ثلث حياته سفيراً لبلاده في العاصمة الأمريكيّة.

محاولة تنصل

مجدداً، تعود قضية الصحافيّ السعوديّ، جمال خاشقجي إلى الواجهة، بعد محاولات حثيثة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، التنصل من جريمة تقطيع الصحافيّ المشهور، الذي كان مقيماً في الولايات المتحدة ويكتب في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكيّة، حيث تعهدت المرشحة لمنصب رئاسة جهاز الاستخبارات الوطنيّة الأميركيّة، أفريل هاينس، في وقت سابق، بتقديم ملف التحقيق في جريمة قتل خاشقجي إلى الكونغرس ورفع السريّة عنه، عقب قيام الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب بحظر نشره لسنوات بهدف حماية الرياض.

وتشير المصادر إلى أنّ الملك سلمان أكّد للرئيس الأمريكيّ، استعداد بلاده للتباحث مع إدارته حول مختلف القضايا والمطالب الأمريكيّة، مقابل إيقاف نشر تقرير خاشقجي، عقب التصريحات الأمريكيّة الأخيرة التي أصابت ولي العهد السعوديّ بالذعر، وكانت المرشحة لمنصب رئاسة جهاز الاستخبارات الوطنيّة الأميركيّة، أكّدت أنّها ستوافق على رفع السريّة عن ملف التحقيق في القتل الوحشيّ لجمال خاشقجي وإبلاغ الكونغرس الأميركيّ عن المسؤولين عن قتله وفقا للقانون، وذلك خلال جلسة استماع تحضيرية للتصويت على الموافقة على ترشيحها للمنصب.

واستجابة لقرارات قضائيّة وادعاءات أمريكيّة بانتهاج الشفافية، توشك إدارة بايدن على الإفراج عن تقرير استخباراتيّ طال انتظاره، ويخلص إلى أنّ محمد بن سلمان أمر بقتل الصحافي جمال خاشقجي، في الوقت الذي بيّن فيه السيناتور الأمريكي، رون وايدن، قبل مدة، أن تعهد هاينز جاء بعد سنتين من القتال، من أجل الشفافيّة ومحاسبة المسؤولين عن الجريمة، ووصف ما حدث بـ “الأمر الكبير”، قائلاً: “أصبحنا أقرب ما يمكن إلى تحقيق العدالة لجمال خاشقجي”.

ويواجه ولي العهد السعوديّ حملة على نطاق عالميّ، واتهامات بالمسؤولية عن قتل الصحافيّ السعوديّ في قنصلية بلاده باسطنبول في تشرين الثاني عام 2018، في ظل معلومات سُربت من تقرير الاستخبارات المركزيّة الأمريكيّة تتحدث أنّ محمد بن سلمان مسؤول بشكل مباشر عن قتل خاشقجي، ومنذ ذلك الحين يحاول الكونغرس الأميركيّ، إجبار إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، على الكشف عن النتائج التي توصلت إليها أجهزة الاستخبارات الأمريكيّة، لكن محاولاته باءت بالفشل، فيما أظهر تحليل نشره موقع مجلة “فورين بوليسي”، أنّ نشر تقرير وكالة الاستخبارات المركزيّة من شأنه أن يفي بوعود جو بايدن حول مساءلة قتلة خاشقجي.

تراجع في العلاقات

تأتي محاولات الملك سلمان في منع الإفراج عن التقرير الأمريكيّ، مع تراجع العلاقات الأمريكيّة – السعودية إلى مستوى منخفض خلال الأسابيع الأخيرة، بالإضافة إلى إلغاء إدارة بايدن لمبيعات أسلحة كانت مخصصة للرياض، وانتقاد انتهاكات حقوق الإنسان ومضايقة المعارضين فيها، والتعهد بإعادة ضبط العلاقات معها.

وقالت الإدارة الأمريكيّ إنّها ستواصل تزويد السعودية (أكبر مشتر في العالم للأسلحة الأمريكية) بوسائل الدفاع عن نفسها ضد الخصوم الإقليميين، لكنها في الوقت ذاته أنّها ستضغط على مسؤولي السعودية من أجل وضع نهاية دبلوماسيّة لحربهم في اليمن، وتخفيف تطرفهم على عكس سابقتها، ولن تسمح للرياض بالتدخل في خططها لإعادة الانضمام للاتفاق النوويّ مع إيران، والذي تم التوصل إليه في عهد باراك أوباما.

ومن الجدير بالذكر أول رد فعل ملموس من إدارة ترامب على قضية خاشقجي، كان فرض وزارة الخزانة الأميركيّة عقوبات على 17 سعودياً لدورهم في قتل خاشقجي، لكن ذلك تمكنت إدارة ترامب من حماية ولي العهد، رغم أنّ العديد من أعضاء الكونغرس اعتبروا أنّ ولي العهد لابد وأنه كان على علم بعمليّة تقطيع خاشقجي، لكن إدارة ترامب امتنعت عن الإقرار بذلك، وقد طلب الكونغرس عام 2019، من مدير الاستخبارات الوطنيّة الأميركيّ تسمية مَن أمر بقتل الصحافيّ السعوديّ عام 2018، لكن مدير الاستخبارات زعم أنّ المعلومات يجب أن تبقى سريّة لعدم إلحاق الضرر بما أسماه “الأمن القوميّ الأمريكيّ”.

إضافة إلى أنّ الكونغرس الأمريكيّ مرر مشروعين في آذار وحزيران عام 2019، لمنع المساعدات العسكريّة الأميركية للسعودية، لكن ترامب استخدم حق النقض “الفيتو” دون سابق إنذار ضد كلا الإجراءين، مما حافظ على تدفق الأسلحة إلى النظام السعوديّ، وقد مرر الكونغرس في ديسمبر/ كانون الثاني 2019، أحكاماً تطالب الإدارة الأمريكيّة بتقديم تقرير علنيّ يحدد هوية الأفراد المتورطين في قتل خاشقجي، وقد لاقى مشروع القانون إجماعاً نادراً بين الحزبين الجمهوريّ والديمقراطيّ لمعرفة هوية القتلة، وهذا ما تجاهله ترامب.

كذلك، قدم عضو الكونغرس الأمريكيّ ورئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، قدم آدم شيف، مشروع قانون حمل اسم “جمال خاشقجي” في أكتوبر 2020، لضمان أن تحاسب واشنطن مرتكبي عمليات القتل خارج نطاق القضاء وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ضد الصحفيين، لكن وبالرغم من الجهود الكبيرة للكونغرس، رفض مكتب الدفاع الوطنيّ الأمريكيّ، رفع السرية عن تقرير قدمه مدير الاستخبارات يتضمن وفق تقارير إعلاميّة معلومات استخباراتيّة حول الدور المحوري لولي العهد في جريمة خاشقجي.

ازدراء كبير

اعتُبرت تصريحات المتحدثة باسم البيت الأبيض، جينيفر ساكي، بمثابة ازدراء كبير لولي العهد السعودي، حيث أوضحت أنّ بايدن الذي لم يتواصل مباشرة حتى الآن مع حكام السعودية، لن يتحدث مع محمد بن سلمان، باعتبار أنّ نظير الرئيس الأمريكيّ هو الملك سلمان، وتوقعت أن يجري بايدن محادثة معه في الوقت المناسب.

وتتصاعد التنبؤات بزيادة تدهور العلاقة بين الإدارة الأمريكيّة والرياض، في حال أعطى بايدن أوامر بنشر المعلومات السريّة حول تقطيع خاشقجي ، في ظل غضب واضح من واشنطن من تصرفات محمد بن سلمان التي أماطت اللثام عن حقيقة أمريكا خاصة في عهد دونالد ترامب، ففي رد على سؤال في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض نشرته شبكة cnn،  حول دلالة أنّ بايدن لا يخطط للاتصال بولي العهد السعودي ووزير الدفاع محمد بن سلمان، وما إذا كانت تلك الخطوة رمزيّة وكيف يمكن أن تتغير العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، أشارت المتحدثة باسم البيت الأبيض، أنّ الولايات المتحدة تقيم علاقاتها مع السعودية.

وفي الوقت الذي اعتبرت أنّه سيكون لدى بلادها اتصالات من نظير إلى نظير مع السعودية في تهميش علنيّ لولي العهد، أضافت: “نتوقع أن يجري بايدن محادثة مع الملك في الوقت المناسب”، مشيرة إلى وجدود مكونات أخرى للعلاقة بين البلدين، وبينها حقيقة أن جو بايدن على عكس الإدارة السابقة لن يتراجع أو يصمت عندما تكون لديه اعتراضات أو قلق بشأن قضايا مرتبطة بحقوق الإنسان وحرية التعبير أو أي شيء آخر، بحسب تعبيرها.

ارتباط وثيق

باعتبار أنّ الصحافيّ خاشقجيّ كان يقيم في الولايات المتحدة، فإنّ قضية تقطيعه ترتبط ارتباطاً وثيقاً بواشنطن، حيث تقدمت شركة “جينر آند بلوك” للمحاماة ومنظمة “DAWN” الأمريكيّة، قبل أشهر، بدعوى قضائيّة ضد ولي العهد السعودي و28 شخصاً آخرين، بالنيابة عن خطيبة خاشقجي، المواطنة التركيّة خديجة جنكيز، أمام القضاء الأمريكيّ،  وتتهم الأخيرة محمد بن سلمان، بإصدار أمر قتل خاشقجي وهي التهمة التي وجِّهت للسعوديّة من جهات حقوقيّة ودوليّة عدة، فيما تنفيها الرياض على المستوى الرسميّ.

وتدعى منظمة “الديمقراطية الآن في العالم العربي” التي أسسها خاشقجي قبل مقتله، على المتهمين بالتسبب في تعطيل نشاطاتها، وتوجه اتهامات لولي العهد بإصداره أوامر القتل بهدف وقف ترويج خاشقجي عبر منظمته للديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي، وتسعى الدعوى القضائيّة إلى تحميل ولي العهد السعوديّ المسؤولية المباشرة عن جريمة تقطيع خاشقجي، وتهدف إلى الحصول على وثائق تكشف حقيقة ما جرى.

وبناء على ذلك، ربما يواجه ولي عهد السعودية “خطراً محدقاً” في حال اعتمدت الدعوى القضائية على أدلة استخباراتيّة تثبت تورطه، بمعنى آخر فإنّ بن سلمان الذي أدخل نفسه بالكثير من الأزمات الداخليّة والقضايا الخارجيّة المعقدة، سيتحمل المسؤولية المباشرة عن اغتيال الصحافيّ جمال خاشقجي، رغم محاولته إغلاق ملف الجريمة عبر سلسة أحكام أصدرتها السعودية حول تلك القضيّة، لكنها لم تقنع السعوديين أنفسهم.

كذلك، قادت تركيا تحركات دوليّة مختلفة للحيلولة دون إغلاق القضية قبل تحقيق العدالة ومحاكمة المسؤولين عن تلك الجريمة التي نُفذت على أراضيها، ومطلع يوليو/ تموز الماضي، بدأت محكمة تركيّة في إسطنبول محاكمة غيابيّة لعشرين سعودياً متهماً باغتيال خاشقجي، بينهم النائب السابق لرئيس الاستخبارات، أحمد عسيري، والمستشار السابق في الديوان الملكيّ، سعود القحطاني، المقربان من ولي العهد.

وقد جاء تعليق المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة الأمم المتحدة لاذعاً، حول المحاكمة السعودية في قضيّة مقتل الصحفيّ جمال خاشقجي، حيث شدّدت على ضرورة مقاضاة المسؤولين عن مقتله ووجوب صدور أحكام تتناسب مع حجم الجريمة، وأوضحت أنّ المحاكمة التي أجرتها الرياض في تلك القضية، افتقرت للشرعيّة والمحاسبة، موضحة أنّ القضية شابها خلل في تحديد المسؤولين الحقيقيين عن الجريمة، واعتبرت مقررة الأمم المتحدة المعنيّة بحالات الإعدام خارج القضاء، أغنيس كالامار، أنّ الأحكام الصادرة عن السلطات السعودية، بلا شرعية قانونيّة أو أخلاقيّة، لأنّها جرت بعد عمليّة قضائيّة ليس فيها أيّ نزاهة أو عدالة أو شفافيّة.

وفي سلسلة تغريدات سابقة لها عبر تويتر، بيّنت كالامار أنّه تم الحكم بالسجن على 5 مغتالين مرتزقة مدة 20 عاماً، إلا أنّ المسؤولين رفيعي المستوى، الذين يقفون وراء إعدام خاشقجي لا يزالون أحراراً، منوهة أنّه لم يتم التطرق إلى اسم ولي العهد السعوديّ، الأمير محمد بن سلمان، وكانت المفوضية قد أعدت تقريراً خاصاً بطلب من الأمين العام للأمّم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قبل عام تقريباً، حول قضية اغتيال خاشقجي، و توصلت إلى استنتاج يقول أنّ هناك أدلة كافيّة على ارتباط وليّ العهد السعوديّ بتلك الجريمة البشعة، فيما تشير المعطيات إلى أنّ الأحكام النهائية للسلطات السعوديّة جاءت بعدما أعلن أبناء القتيل خاشقجي عن عفوهم عن قتلة والدهم في أيار المنصرم، بعد ضغوط أو إغراءات من قبل محمد بن سلمان، وفق مواقع إخباريّة.

Exit mobile version