الوقت – في حين أن الديوان الملكي السعودي في حالة اضطراب هذه الأيام مع إعلان بايدن عن سياسات أمريكية جديدة بشأن الحرب اليمنية واغتيال جمال خاشقجي، قرَّر السعوديون استضافة مسؤولين عراقيين في هذه الأيام المضطربة.
وفي هذا الصدد، ذكرت وزارة الخارجية العراقية، أن وزير الخارجية “فؤاد حسين” غادر إلى السعودية يوم الاثنين 26 مارس، بدعوة رسمية من وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان. في غضون ذلك، کان وزير الداخلية العراقي “عثمان الغانمي” قد وصل مساء الأحد الماضي إلى الرياض في زيارة رسمية غير معلنة.
وفي الأشهر الأخيرة، تزايد عدد زيارات المسؤولين في البلدين، وخلال هذه الاجتماعات تم التوقيع على اتفاقيات مختلفة في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية.
إلا أن الظروف الخاصة للحكومتين في الوقت الحاضر أوجدت أهدافاً مختلفةً للجانبين في استمرار اللقاءات الثنائية، وهي بالنسبة لبغداد متابعة الوعود الاقتصادية للسعوديين، وبالنسبة للرياض فهي استعراض إقليمي للقوة وبثّ الخلاف في الساحة السياسية الداخلية للعراق وعلاقاته الخارجية مع جمهورية إيران الإسلامية. ويبدو أن هذا الخلاف في الرأي سيتغلب تدريجياً على أجواء التفاؤل بتشكيل التعاون الثنائي في المستقبل.
صيغة الكاظمي للتغلب على التحديات
في حين أن العلاقات مع السعودية كانت دائمًا قضيةً خلافيةً في المشهد السياسي العراقي منذ عام 2003، وذلك بسبب استياء السعوديين من الإطاحة بالديكتاتورية البعثية وصعود الشيعة في بغداد، ما أدى إلى تدخل الرياض في العراق وخلق الأزمات فيه بعد عام 2003، لكن حكومة مصطفى الكاظمي سجلت أعلى مستوى من الاتصال والتعاون مع السعودية في السياسة الخارجية للحكومات العراقية منذ عام 2003، خلال فترة ولايته القصيرة كرئيس للوزراء.
والسبب الرئيس لذلك كان استراتيجية كاظمي لخلق التوازن الإيجابي في علاقات العراق الخارجية، ولا سيما في التنافس بين قوتين مهمتين ومؤثرتين في المنطقة والعالم الإسلامي، ألا وهما إيران والسعودية، واستغلال هذه الأجواء لمصلحة العراق الاقتصادية.
وقد تعززت وجهة نظر حكومة الكاظمي هذه، ولا سيما من خلال ملاحظة رغبة السعوديين في زيادة الشراكات الاقتصادية مع العراق، لمواجهة نفوذ إيران الناعم في هذا البلد.
لقد فتحت السعودية معبر “عرعر” الحدودي للتجارة مع العراق في نوفمبر تشرين الثاني من العام الماضي بعد ثلاثة عقود. وکان المعبر قد أغلق بعد قطع العلاقات بين البلدين عقب غزو صدام حسين للكويت عام 1990.
وفي تشرين الثاني(نوفمبر) أيضًا، سافر وفد سعودي ضمّ وزراء التجارة والصناعة والزراعة إلى بغداد، كجزء من مجلس التنسيق السعودي العراقي.
العراق، الذي لديه اقتصاد نفطي وغير منتج، يواجه أزمةً ماليةً كبيرةً في السنوات الأخيرة، بسبب هبوط أسعار النفط والأضرار الناجمة عن تصاعد الإرهاب وانتشار كورونا، وقد أدى ذلك إلى احتجاجات شعبية في هذا البلد بين حين وآخر.
في غضون ذلك، وضعت حكومة الكاظمي المؤقتة، التي فشلت في إيجاد حل فعال لمشاكلها الاقتصادية، معظم بيضها في سلة السعودية علی أمل الوفاء بوعودها الاقتصادية المتكررة، لعلها تستطيع تسجيل إنجاز كبير باسمها في الوقت المتبقي حتى موعد الانتخابات النيابية بعد ستة أشهر، وتحويل ذلك إلى جسر لنجاحها في الانتخابات.
ولذلك، فإن متابعة تنفيذ وثائق التعاون الاقتصادي المتفق عليها في المفاوضات السابقة، هي أحد الأهداف الرئيسية لإرسال وزيري الخارجية والداخلية إلى السعودية.
اللعبة السياسية السعودية مع العراق
كما ورد في المقدمة، إن الأهداف الرئيسية للسعودية في التظاهر بالتقارب مع العراق، هي سياسية ورمزية ودعائية بشكل أساسي.
في صيغة عامة(كما تظهر التجربة اللبنانية)، يعارض السعوديون نجاح الدول العربية التي يمتلك فيها الشيعة حصةً كبيرةً من السلطة السياسية، ويأملون في تغيير المعادلة في العراق من خلال استمرار الأزمة الاقتصادية والاحتجاجات الشعبية. وقد مهدت هذه الأزمة الطريق أمام السعودية للعب الدور والتدخل.
لقد تكررت وعود السعودية الاقتصادية منذ عهد عادل عبد المهدي، ولکنها لم تبصر النور قط. لكن الرياض تعتقد أنها بإلهاء بغداد في سراب المساعدات الاقتصادية، يمكنها أن تُظهر طهران في الدعاية والإعلام طرفاً منعزلاً في التطورات الإقليمية، باستضافة مسؤولين عراقيين، وذلك بعد هزيمتها في قضية حصار قطر وحرب اليمن.
من ناحية أخرى، فإن وجود وزير الداخلية العراقي في السعودية يسلط الضوء على وجود قضايا أمنية في المباحثات بين الجانبين خلال هذه الزيارة.
على عكس التوقعات، لم تتفاعل السعودية كثيرًا مع الضربة التي شنتها طائرة بدون طيار في الشهر الماضي(26 فبراير) علی الرياض، والتي زعمت جماعة عراقية مسؤوليتها عنها.
ولذلك، فإن وجود وزير الداخلية العراقي في الرياض قد يأتي في سياق طلب الضمانات الأمنية والضغط على فصائل المقاومة في الحشد الشعبي.