الوقت – توفي المناضل اللبناني المعروف “أنيس النقاش” اليوم(22 شباط 2021) في مستشفى بدمشق بسبب مرض کورونا. شخصٌ قضى كل حياته في النضال ضد الكيان الصهيوني في مختلف المجالات.
ولد أنيس النقاش في بيروت عام 1951، ودرس في مدرسة “المقاصد الإسلامية” في بيروت. وعندما كان طفلاً، شارك في مظاهرات مؤيدة للمناضلة الجزائرية البارزة “جميلة بوحيرد” ضد الاستعمار الفرنسي.
وفي عام 1964، انضم سراً إلى حركة فتح وأسس جماعة “خليّة المقاصد”. وبعد سنوات قليلة، في عام 1969، أضرب عن الطعام احتجاجًا على صمت الحكومة اللبنانية والدول العربية على هجوم الكوماندوز الإسرائيلي على مطار بيروت، حتى تم نقله إلى المستشفى. وفي نفس العام بدأ نشاطه العسكري ضد الكيان الصهيوني.
وكتب عنه موقع “الميادين” على الانترنت: “کان يشارك في مظاهرات طلابية نهاراً، ويعمل في الجيش ليلاً رغم نقص السلاح. وفي حرب عام 1973(حرب رمضان)، انضم إلى المجموعات الأولى التي أطلقت الصواريخ على المستوطنات الصهيونية”.
ومع ذلك، لم يتدخل في الحرب الأهلية اللبنانية في نيسان 1975، وحذر في رسالة إلى قادة حركة فتح من كوارث هذه الحرب. وقال في مقابلة مع موقع “ساجد” في عام 2008: “في ذلك الوقت کانت الحرب الأهلية اللبنانية في ذروتها، لكنني لم أشارك فيها. حينذاك کان الهدوء يسود جنوب لبنان. وكان ذلك بسبب الحرب الأهلية التي شغلت اللبنانيين. خططت لنفسي لأركز كفاحي وحربي في الجنوب. شكلت هناك مجموعةً مع بعض الإخوة، وبمجرد أن هدأت الحرب الأهلية اللبنانية، توجهت مجموعتنا إلى الجنوب واتخذت إجراءات ضد إسرائيل…”.
بالتزامن مع الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1978، اتجه جنوبًا وقرر الانفصال عن حركة فتح وتشكيل جماعته الخاصة(على الرغم من أن الحركة اعتبرته دائمًا واحداً منهم، واليوم صدر أول بيان تعزية بوفاته عن حركة فتح). شكل أنيس النقاش على الفور كتيبتين لبنانيتين في “كفر شوما” و”بنت جبيل”، وأحد الأعضاء کان الشهيد عماد مغنية. وأصبح کل أعضاء الكتيبتين فيما بعد قادة جبهة المقاومة اللبنانية.
محاربة الکيان الإسرائيلي…محور أنشطة أنيس
كان التركيز الرئيس لأنشطة النقاش، هو النضال ضد الكيان الصهيوني وتحرير فلسطين. ولهذا السبب ذهب إلى فلسطين من لبنان، وارتبط بالثورة الإسلامية للشعب الإيراني.
وجاءت عضويته في فتح تماشياً مع النضال ضد الكيان الصهيوني والدفاع عن فلسطين، وفي هذا الصدد التقى بالإمام موسى الصدر مرتين، وعندما هاجم الکيان الصهيوني جنوب لبنان سعى إلى تشكيل مقاومة لبنانية ضد الصهاينة. ومع تشكيل حزب الله في لبنان، أقام أيضًا علاقات وثيقة مع هذا التنظيم.
قال النقاش في مقابلة عن وجوده في حركة فتح: “أنا لبناني لكنني تشبثت بقضية فلسطين وبدأت العمل مع الفتح. وقبل ثلاث أو أربع سنوات من انتصار الثورة، كتبت خطةً استراتيجيةً للفتح، بأن الإمبريالية لها خطة عملية للعالم كله …”.
كان النقاش معاديًا للکيان الإسرائيلي منذ الأيام الأولى من حياته، وکان غاضبًا من بعض الدول العربية لمسايرتها للكيان الصهيوني. وكان يعتقد أن نهاية “إسرائيل” وشيكة وأن الکيان سينهار، ليس بسلاح المقاومة وإنما من الداخل.
تدريب عماد مغنية في فتح
كان أنيس النقاش من الذين لعبوا دورًا مهمًا في استقطاب الشباب اللبناني وتثقيفه لمحاربة الکيان الصهيوني، رغم أن دائرة تجنيده كانت واسعةً جدًا ولم يقم بتدريب القوى الإسلامية والشيعية فقط.
ووفق قوله، تم تدريب العديد من الجماعات مثل الماركسيين والماويين والقوميين ومجموعة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، في معسكرات التدريب في جنوب لبنان. وكان من بين الشباب الذين تدربوا في هذه المعسكرات شبان لبنانيون شيعة، ومنهم الشهيد عماد مغنية الذي انضم فيما بعد إلى حزب الله اللبناني.
التقى النقاش بعماد مغنية منذ صغره، وكان مدرِّب مغنية وعلَّمه التدريب العسكري وحرب العصابات في معسكره. واستمرت علاقته بمغنية حتى اغتيال هذا القائد البارز لحزب الله في دمشق. وكانت لقاءاته مع عماد تارةً في طهران وأخری في دمشق وبيروت.
يقول النقاش عن تعرفه على مغنية: “جاء إليّ عام 1975 عندما كان صغيراً جداً وكنت عضواً في فتح، وأخبرني أنني شاب مؤمن وأريد أن أتعلم الأمور العسكرية وإن شاء الله أحارب إسرائيل، لكنه لم يرد أن يكون عضواً في فتح. قال: هل يمكنك أن تعلمني دون أن أكون عضواً في فتح؟ فقلت له لم لا، سأدربك وسأدرب كل من يريد محاربة إسرائيل. في تلك الثكنة التقيت الشهيد عماد مغنية، وفي ذلك الوقت لاحظت أن هذا الفتى البالغ من العمر 16 عاماً كان جاداً جداً. أراد البعض فقط تعلم الرماية، ولکن ظل الشهيد عماد مغنية يسألني الأسئلة ويكتب الملاحظات، وأدركت أن هذا الشاب لديه مستقبل مهم”.
وقال أنيس في مقابلة: “إذا طلب مني أحد أن أبذل حياتي كلها لمدة ساعة من حياته، فلن أفعل ذلك من أجل أي شخص سوى عماد”.
لکن نضالات أنيس النقاش لم تقتصر على القطاع العسكري، حيث كتب العديد من المقالات دفاعاً عن جبهة المقاومة، وظهر كمحلل سياسي في العديد من البرامج التلفزيونية الإقليمية والعالمية، وفي عام 2009 أسس “شبكة أمان للبحوث والدراسات الاستراتيجية”.
العلاقة بالثورة الإسلامية الإيرانية
بانتصار الثورة الإسلامية في إيران، رأى تطلعاته ومطالبه في هذه الثورة وفي شخص الإمام الخميني (قدس سره)، وتولى دور المنسق بين القادة الفلسطينيين والمسؤولين الإيرانيين. كما أجرى اتصالات مكثفة مع شخصيات ثورية وعزز التنسيق والتدريب والأمن والتعاون العسكري بين جمهورية إيران الإسلامية والمناضلين الفلسطينيين. وقالت قناة “الميادين” عنه إن أنيس النقاش وجد ضالته في الثورة الإسلامية الإيرانية.
إلا أن ارتباط أنيس النقاش بالثوار الإيرانيين لم يقتصر على ما بعد انتصار الثورة، بل قبل انتصار الثورة تدربت بعض الشخصيات الإيرانية في لبنان تحت إمرته.
قال أنيس النقاش في مقابلة: “كنت مسؤولاً عن علاقة الفلسطينيين بالإيرانيين. جميع المقاتلين الذين کانوا يأتون من إيران جاؤوا إلى معسكر تدريب في جنوب بيروت يسمى “مخيم الدامور”، حيث كان الحاج عماد حاضراً أيضاً؛ على طريق خلدة – بيروت. وكان هناك مخيم آخر في مدينة “صور” جاء إليه كثير من الإيرانيين. وخاصةً من تنظيمات جلال الدين فارسي ومحمد منتظري، الذين أتوا للتدرب علی الأسلحة والقتال والمتفجرات. كانت فتح منفتحةً جداً في اتصالاتها؛ أي کانت تساعد كل من کان يأتي…”.
دور أنيس في عمليتين
قرر أنيس النقاش في الستينيات اتخاذ إجراءات ضد “شابور بختيار” آخر رئيس وزراء إيراني قاد “انقلاب نوجة” ضد الجمهورية الإسلامية، والذي كان قد دعم صدام في فرض الحرب على إيران، وخطط لمجموعة “طوفان” والعديد من الجماعات العسكرية للقيام بعمل عسكري ضد إيران. لكن محاولة الاغتيال قد فشلت، فاعتقلت شرطة الحكومة الفرنسية النقاش وسجنته. وتم إطلاق سراحه في النهاية في تبادل مع الفرنسيين الموجودين في لبنان.
وكتب هاشمي رفسنجاني في مذكراته عام 1988: “أخبرت وزير الخارجية الفرنسي الذي جاء إلى طهران، أنه إذا لم يُطلق سراح أنيس النقاش، فقد ينتقم اللبنانيون، إذ أطلقوا تهديدات”.
شارك النقاش أيضًا في احتجاز رهائن وزراء مجموعة “أوبك” في عام 1975. وقعت هذه العملية رداً على “اتفاقية فصل القوات” الثانية بين مصر و”الکيان الصهيوني” المسماة “اتفاقية سيناء 2″، والتي بموجبها قدَّمت مصر، باعتبارها من أقوى الدول العربية، تنازلات خاصة للکيان الإسرائيلي مقابل استعادة جزء من سيناء من الصهاينة.
الوزراء الرهائن الحاضرون في اجتماع أوبك بقيادة رجل يدعی “إلييتش راميريز سانشيز”(من أصل فنزويلي)، وفي إعلان مكون من 8 بنود تضمَّن جميع تطلعات العرب في تلك الأيام، طالبوا بشعار “اللاءات الثلاث”(لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل)، الصادر عن القمة العربية في الخرطوم(1967)، وإدانة أي عمل يشرعن احتلال أي جزء من الأراضي الفلسطينية.
نُشرت مذكرات أنيس النقاش العام الماضي، في حديث مع غسان شربل وصقر أبو فخر، والتي ترجمها “وحيد خضاب” إلى الفارسية، في كتاب بعنوان “أسرار الصندوق الأسود” من قبل منشورات “نارکل”.
تحدث النقاش في مذكراته عن تقلبات حياته، والکفاح إلى جانب الجماعات القومية واليسارية، وأنشطته الإسلامية، وأدواره الأمنية البارزة في الثورة الفلسطينية، وتعاونه الوثيق مع الثوار الإيرانيين، وجهوده لضمان استمرار الثورة، وسنوات أسره في السجون الفرنسية.