خلال أحد الاجتماعات المخصصة لمناقشة آلية تنفيذ اتفاقية قرض البنك الدولي، استعرض المجتمعون ما ورد في مشروع القرض لناحية الحاجة الى استخدام 18 موظفاً طلبهم البرنامج، وكيفية اختيار الاشخاص المؤهلين للقيام بالمهام المطلوبة. ودار نقاش حول امكانية الاستعانة بكفاءات من الخارج وتخصيص رواتب عالية على سبيل التشجيع. وانقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض على قاعدة ان الادارة اللبنانية فيها من الكفاءات ما يكفي، وما بين الرأيين عرض البعض الاستعانة بأشخاص من داخل وخارج لبنان. ونصح احد المشاركين بعدم تكرار تجربة الدفع بالعملة الاجنبية واشترط ان تكون الرواتب بالعملة الوطنية. لم يجرِ النقاش انطلاقاً من وضع البلد الصعب بحيث لم يتوانَ احد المشاركين عن تبرير طلبه الاستعانة بموظفين من الخارج والدفع بالعملة الصعبة.
نقطة اخرى أثيرت تتعلق بلوائح الأسر الأكثر فقراً وهذه كارثة الكوارث. لا لوائح موحدة وتعاني تلك الموجودة من ثغرات. إحداها تم وضعها قبل عشر سنوات غالبيتها لمحسوبيات السياسيين، تم تنقيحها عام 2018، الثانية هي تلك اللائحة الموجودة لدى الشؤون الاجتماعية ومراكزها، والثالثة اعدتها impact وموجودة لدى الشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية وتضم في عدادها 470 ألف اسرة. فلكل جهة بياناتها ولرئاسة الحكومة بياناتها والتي توزع على اساسها مساعدة الـ400 ألف ليرة.
وتعدد اللوائح مردّه الى كثرة بيانات الطلبات، فلدى كل جهة بيانات طلبات مقدمة على انها أسر فقيرة من دون تقييم علمي، ولا بيانات موحدة ما يصعب عملية البدء بالزيارات اللازمة للاسر لتقييم وضعها، ومثل هذا الموضوع لا يمكن حسمه الا من خلال تشكيل لجنة وزارية معنية لتحديد بيانات الطلبات، حتى تتم الزيارات للاسرة الفقيرة وهذه اللجنة لم تشكل بعد وليست واضحة آلية تشكيلها بعد.
المشكلة الاضافية تتعلق بالجهة التي ستتولى مسح العائلات الفقيرة وقد خصص المشروع مبلغاً ضخماً على سبيل هبة، مقابل الاستعانة بشركات خاصة لتنفيذ عمليات المسح على الارض. وعلم ان اربع شركات تقدمت للمناقصة إحداها بلجيكية انسحبت فبقيت ثلاث شركات. وهنا تنقسم الآراء بين من لا يؤيد الاستعانة بشركات اجنبية وافادة الاسر الفقيرة من المبالغ المخصصة لها، والاستعانة بالموظفين الاجتماعيين وعدد هؤلاء بالمئات ممن يتقاضون رواتبهم من دون عمل. لكن مصادر معنية بررت الاستعانة بشركات متخصصة بالقول إن الاتكال على موظفين غالبيتهم يتمتعون بحصانات سياسية وحزبية، يجعل عملهم مشكوكاً به لجهة تسجيل عائلات مؤيدة لحزبهم، مقابل استثناء آخرين ما يعني جمع بيانات غير صحيحة.
وتتخوف مصادر وزارية من فوضى قد يشهدها تنفيذ مشروع القرض، جراء الفوضى التي يتخبط فيها المسؤولون المولجون التنسيق مع الجهات الدولية حول هذا الامر. لكن وعلى ما يبدو فان الجهات اللبنانية لن تكون سوى جهات تؤتمر وبعيدة عن دائرة القرار، والا اتهمت بالتواطؤ خاصة وان هناك بعض المسؤولين يسعون الى تنفيذ كل ما يطلب منهم من دون ادنى اعتراض.
ولا يعني اقرار اللجان النيابية قرض البنك الدولي لدعم شبكة الامان الاجتماعي، سوى ان اتفاقية القرض ببنوده المبهمة قطعت المرحلة الاولى بسلاسة، لكن السؤال هل سينعقد مجلس الوزراء لاقرارها بعد نيل موافقة مجلس النواب؟ واذا كان سينعقد، فلمَ لم ينعقد قبل احالته الى مجلس النواب؟ هنا تكمن علة العلل في حكومة يعيش رئيسها اسير الاعتبارات السياسية، لا يجرؤ على اتخاذ القرارات والمواجهة فكيف والموضوع له علاقة بقرض دولي واتفاقية دخل في دهاليزها المستشارون. ألف علامة استفهام تخفيها سطور الاتفاقية وتفسيرها رهن الحسابات السياسية للمولجين بالتنفيذ والاشراف عليها. فعملية التنفيذ على ارض الواقع دونها علامات استفهام كما بقية عمليات احصاء الاسر الفقيرة والجهات المكلفة بذلك ولوائح البيانات المعدة ومدى صحتها، والأهم هو تلك الصلاحيات الواسعة لبرنامج الغذاء العالمي الذي سيقوم بنفسه بتوزيع البطاقات بعيداً من دور الوزارة المعنية. وليس مفهوماً بعد سبب اقتطاعه نسبة الواحد بالمئة قبل المباشرة بالعمل، والمبالغ التي سوف يتقاضاها للتشغيل وغيرها من المهام.
ويلاحظ ايضاً ان الاتفاقية تنص على التعاون مع وحدات في الوزارات المعنية مباشرة، بعيداً من التسلسل الاداري وقد حلت بعض المنظمات الدولية محل الوزارات ومؤسسات الدولة، كما منحت وحدات ليست في هيكليات الوزارات صلاحيات في ادارة وتنفيذ المشروع كالوحدة المركزية التابعة لرئاسة الحكومة، والتي لا تدخل ضمن هيكلية رئاسة الحكومة.
وتنص الاتفاقية على انشاء سجل اجتماعي يتمتع بصلاحيات واسعة يفترض ان تكون من صلاحيات الوزارات المعنية بتنفيذ المشروع، ولا سيما وزارة الشؤون الاجتماعية.
مجدداً ليست العلة في الاتفاقية وبنودها بقدر ما هي في ذهنية الفوضى والرضوخ وغياب الشفافية، إذ، هل يمكن في بلد تعمه الفوضى أن يكون تنفيذ اتفاقية القرض الدولي استثناء؟