بين يهود أميركا وإسرائيل


محمد السماك-اللواء
بمناسبة عيد «هانوكا» – وهو أحد المناسبات الدينية اليهودية – دعا الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الزعماء اليهود الى لقاء تكريمي في البيت الأبيض. وخطب فيهم قائلاً: «ان نائب الرئيس مايكل بنس يكنّ حباً قوياً لبلدكم اسرائيل».
فوجئ المدعوون اليهود بمخاطبتهم كمواطنين اسرائيليين وليس كأميركيين، كما فوجئوا بالتوجه اليهم على اساس ان بلدهم هو اسرائيل وليس الولايات المتحدة.
لم تكن تلك ذلّة لسان. فما قاله الرئيس ترامب يعبّر عن ثقافة العنصريين البيض في الولايات المتحدة تجاه اليهود. أما تأييد نائب الرئيس نفسه لاسرائيل فانه يعكس إيمان هذه الحركة الدينية المسيحانية – وهو أحد كبار قادتها – بأنه لا بد من قيام اسرائيل ومن بناء الهيكل اليهودي في القدس حتى تتحقق النبوءة التوراتية – سفر حزقيال – بالعودة الثانية للمسيح المنتظر. ولأن هذه العودة لن تتم إلا الى مجتمع يهودي، ولن يُعلن عنها إلا من داخل الهيكل، كما حدث لدى الظهور الأول للمسيح.. وهذا يعني ان تأييد نائب الرئيس بنس وأن حبّه الجارف لاسرائيل الذي تحدث عنه الرئيس ترامب ليس تأييداً لسياستها، ولا حبّاً بقيادتها، ولكنه تعبير عن الرغبة الدينية الجامحة لإنجاح المشروع الذي يتطلّب تجميع اليهود، والذي يجعل من إقامة اسرائيل، القاعدة والمدخل الاساس للعودة الثانية للمسيح.
تعكس هذه الحالة التباين الكبير في موقف الرئيس ترامب من يهود الولايات المتحدة، ومن اسرائيل. ففي الولايات المتحدة كان 75 بالمائة من اليهود قد أدلوا بأصواتهم لمصلحة مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون. وتراجعت هذه النسبة قليلاً في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز بها الرئيس جو بايدن. وهذا يعني ان يهود أميركا صوّتوا بأكثريتهم ضد الرئيس ترامب وضد الحزب الجمهوري.

فالحلف الذي قام بين ترامب ونائبه بنس، قام على قاعدة الاستغلال المتبادل. أراد ترامب من الحلف استقطاب القوى الانتخابية لحركة المسيحانية الصهيونية الواسعة الانتشار خاصة في الولايات الجنوبية، وأراد بنس استغلال الرئيس ترامب ليكون في سياسته في الشرق الأوسط أداة تنفيذية في مشروع تسريع اجراءات العودة الثانية للمسيح. حصل كل منهما على ما أراد. ولكن لا ترامب جدّد ولايته، ولا المسيح عاد. وحده نتنياهو يمني النفس بتمديد رئاسته في الانتخابات العامة المقبلة.
تؤكد الدراسات الإحصائية التي قامت بها مؤسسة «بيو» Pew الأميركية، ان 69 بالمائة من اليهود الاسرائيليين ينظرون بتقدير عال للرئيس ترامب. وهي أعلى نسبة تأييد له في أي مكان من العالم. وكانت هذه النسبة تبلغ 45 بالمائة فقط في عام 2015. والأمر الملفت هو انه لا توجد أي دراسة تشير الى تحسن شعبية الرئيس ترامب في أي دولة أخرى في العالم، سوى اسرائيل. وتبين الدراسات الإحصائية الأميركية ايضاً ان جرائم الكراهية في الولايات المتحدة ارتفعت بنسبة 17 بالمائة منذ عام 2017. كما تبيّن هذه الإحصاءات أيضاً ان 37 بالمائة من هذه الزيادة كان اليهود الأميركيون ضحاياها، وكانت المؤسسات اليهودية الأميركية هدفها. ومن مؤشرات ذلك، الحادث الارهابي المروع الذي استهدف كنيساً في مدينة بيتسبورغ وأدى الى مقتل 11 مصلٍ والى إصابة العشرات بجروح خطيرة. وقد قام المسلمون في المدينة بجمع مبلغ كبير من المال وتبرعوا به لمساعدة العائلات اليهودية المنكوبة بالجريمة التي لحقت بأبنائهم.
يعرف يهود الولايات المتحدة ان الخطاب العنصري ليس موجهاً ضد المسلمين والمتحدرين من اصول افريقية فقط، ولكنه يستهدفهم أيضاً وفي الدرجة الأولى. وما الاعتداء على الكنيس في بيترسبورغ سوى أحد مظاهر هذا الاستهداف.
وهم يعرفون ايضاً ان قادة الحركة المسيحانية الصهيونية في الولايات المتحدة التي يقودها الأسقفان روبرت جيفرسون Robert Jefferson وجون هاجي John Hagee، والتي كان يمثلها في الدولة نائب الرئيس بنس، تكره اليهود، ولكنها تعتبرهم أداة لتحقيق نبوءة العودة الثانية للمسيح. وفي عقيدتهم ان من مستلزمات هذه الأداة تأييد اسرائيل ودعمها ليس حباً بها أو باليهود، ولكن استجابة لمتطلبات تحقيق هذه الاداة. فالغاية هي عودة المسيح، والأداة هي اسرائيل اليهودية. والغاية تبرر الوسيلة. ذلك انه بموجب عقيدتهم، فانه بعد عودة المسيح لن يبقى على وجه الكرة الأرضية سوى المؤمنين به. أما الآخرون – جميع الآخرين – فسوف يتم سحقهم وإبادتهم في معركة يسمونها « هرمجيدون»، نسبة الى اسم سهل يُدعى «مجيدو» يقع بين القدس وعسقلان على المتوسط. والمسلمون – وليس اليهود فقط – هم من هؤلاء الآخرين.
يرحب يهود اسرائيل (6،5 مليون) بالدعم الذي قدمته لهم ادارة الرئيس ترامب رغم انه تأييد قائم في عمقه على خلفية كراهية. ولكن يهود الولايات المتحدة (5،7 مليون) يدفعون ثمن هذه الكراهية. وبكلام آخر، فان يهود اسرائيل يأكلون «حصرم» المسيحانية الصهيونية، ويهود أميركا يضرسون.

 

Exit mobile version