مرسال الترس-سفير الشمال
تتزاحم علامات الإستفهام لدى العديد من المراجع المعنية حول الدور الذي آل إليه الحضور المسيحي في لبنان، والذي بات يهدّد ليس التركيبة اللبنانية فحسب، وإنما الحضور المسيحي في هذا المشرق حيث إنحدرت فيه النسب من مستويات عالية إلى نقاط تقترب من الصفر. والوقائع أقرب مثال ابتداء من العراق وصولاً إلى ليبيا مروراً بكل الدول المتوسطية التي عانت الأمرين من الحروب والصراعات منذ نشأة الكيان الصهيوني، والتي اكتمل نقلها بزعرور ″داعش″ ومتفرعاته.
أحد رؤساء الأديرة اللبنانية سمع مؤخراً كلاماً عالي النبرة في حاضرة الفاتيكان حول ما فعلته المراجع السياسية والدينية في ″بلد الرسالة″ الذي ذُكر أسمه سبعين مرة في الكتاب المقدس – العهد القديم. فهل أضاع المسيحيون البوصلة تجاه ذاك اللبنان؟
إذا أخذنا بالاعتبار ما كانت عليه المؤسسات الثقافية والصحية والتربوية التي كانت تُشرف عليها المرجعيات المسيحية في سبعينيات القرن الماضي، والتي كانت تعمل على ترسيخ الإمتيازات الموروثة منذ الاستقلال، نرى أن الصورة قد قُلبت راساً على عقب. فهل أن الفساد الذي عشعش في جميع المفاصل السياسية وشلّ حركتها، قد إمتد أخطبوطه إلى أطراف “الأثواب السوداء”؟
في الذاكرة البعيدة نسبياً أن البطريرك الياس الحويك كان الركن المحوري في تحقيق لبنان الكبير، والبطريرك انطون عريضة رهن صليبه عندما كان مطراناً لإطعام الفقراء في الحرب. وفي الذاكرة القريبة كان الأباتي شربل قسيس والرهبانيات أحد أركان الدفاع عن المناطق المسيحية إلى جانب القيادات السياسية!
في الوقائع القائمة، وفي حين تطوّق الازمات المالية والمعيشية والاجتماعية وأخيراً الصحية البلاد والعباد، والمواطنون يفتشون عن بلد يحتضنهم. يلاحظ المراقبون أن المذاهب المسيحية عالقة في شرانق ضيقة الأفق: فأحبار الروم الأرثوذكس يتجاذبون ويتنافسون على من يقود هذه المؤسسة الصحية أو تلك المؤسسة التربوية، ومن ستكون له الكلمة الفصل في تحديد المعالم المقبلة للأبرشيات، فيما السياسيون مشتتون بين الأحزاب والقيادات. وصراعات الروم الملكيين الكاثوليك ضجت بها وسائل الإعلام لمن سينال قصب السباق في المجلس الأعلى. أما في البيت الماروني اكثر من علامة استفهام حول التبدل الجذري في مواقف بكركي، وما يواكبها من عتب على تصرفات معظم الرهبانيات التي نُقل بعض مدبريها إلى جوار الفاتيكان، فيما يتصارع الآخرون على التركة الملتبسة، والخوف من أن تتجه كل “جبة” لتغني على ليلاها! فأين أصبح قرار المجمع الماروني باصلاح المؤسسات الدينية؟ في وقت يُتهم الأرمن بأن آذانهم تتجه في معظم الأوقات إلى الخارج، أما الآخرون فيُدرجون في خانة الأقليات!
حين كان الجميع في أوج “تألقهم” آلت البلاد إلى الإنهيار! فكيف سينتهي الحال مع مجموعات متناحرة وضعيفة ومتشرذمة وتنافس بعضها على أوهام؟ وعليهم أن يتذكروا دائماً أنه عندما كان أحدهم يسعى لإلغاء الآخرين، كان يسقط هو بالضربة القاضية، فيا ليتهم يتعظون قبل فوات الآوان!
ولكن ما يتخوف منه المتابعون هو أن يضيّع المسيحيون بوصلة لبنان، ويسعون للتفتيش عن وطن في خضم موجات من التناحر على أشبار من أرض، لن يجدوها الاّ شتات في أصقاع الأرض، فيما “خرائط الطرق” الدولية توزع ما تبقى على الطوائف والمذاهب التي تُعد نفسها للتصارع على وجودها دائماً وأبداً.