غسان ريفي-سفير الشمال
يُدرك الرئيس نجيب ميقاتي أن لبنان لا يدار بالعصبيات سواء كانت سياسية أو طائفية أو مذهبية أو مناطقية، بل هو أحوج ما يكون اليوم الى التلاقي على الثوابت الوطنية، والى التوافق على قواسم مشتركة تخرجه من أزماته تمهيدا للبدء بعملية الانقاذ، خصوصا أن اللبنانيين الغارقين بهمومهم المعيشية لم يعودوا يعيرون أي إهتمام للخلافات السياسية التي تبقى صغيرة أمام الأزمات الوجودية التي بدأت تهدد البلاد والعباد.
لذلك، في إطلالته الاعلامية على قناة الحرة ضمن برنامج “المشهد اللبناني” مع الزميلة الاعلامية ليال الاختيار، تحدث ميقاتي كمؤتمن على وحدة البلاد وعلى إستمرار السلم الأهلي وعلى العيش الواحد المشترك، وهو بالرغم مما يمثل من شريحة سياسية وطائفية ومناطقية وازنة، إلا أنه كعادته خاطب اللبنانيين من موقع وطني يحرص على التوازن بين كل المكونات السياسية الضامنة للاستقرار.
حرص ميقاتي على التمسك بعدة ثوابت من شأنها أن ترسم خارطة طريق للحل هي:
أولا: الحفاظ على إتفاق الطائف الذي ما يزال يشكل النموذج الأمثل للحكم في لبنان، والسعي الى الاستفادة من الارادات اللبنانية والعربية الدولية لحمايته والابقاء عليه، والكف عن الافتراء على الطائف وفرض أعراف جديدة وإدخال بنود عليه لا تمت بصلة اليه.
ثانيا: الاصرار على تأليف حكومة “مهمة” في أسرع وقت ممكن وفقا للمبادرة الفرنسية التي ما تزال قائمة.
ثالثا: التأكيد على أن لا ثلث معطلا لأي تيار سياسي حفاظا على التوازن المطلوب ضمن الحكومة التي من المفترض أن تنتج الحلول للأزمات لا أن تتلهى بخلافات وبصراع نفوذ بين مكوناتها، والتأكيد أيضا على أن رئيس الجمهورية له الحكومة بكاملها ولا يجوز أن يكون له حصة وزارية لأن أي إسقاط للحكومة في مجلس النواب يكون بمثابة إسقاط لرئيس الجمهورية، مذكرا كيف أن العماد ميشال عون رفض أن يكون لرئيس الجمهورية آنذاك ميشال سليمان حصة من ثلاثة وزراء.
رابعا: رفض أي صراع سني ـ شيعي، أو مسيحي ـ مسلم أو أي صراع لبناني ـ لبناني وإعتبار أن هذه الصراعات أصبحت من الماضي وفق قاعدة “تنذكر وما تنعاد”.
وإنطلاقا من هذه الثوابت، فقد نصح ميقاتي رئيس الجمهورية ميشال عون باستقالته من الزاوية التي وضع نفسه فيها، وهي الزاوية الحزبية والطائفية وأن يعود أبا لجميع اللبنانيين، وبوضع حد للازدواجية الرئاسية الواضحة بينه وبين جبران باسيل الذي يمسك بالمفاتيح الأساسية في قصر بعبدا وبالقرار السياسي، ما يجعل رئيس الجمهورية يتصرف كرئيس للتيار الوطني الحر، فيما رئيس التيار يتصرف كرئيس للجمهورية، فهل يعمل عون بنصيحة ميقاتي؟
كما ذكر ميقاتي باسيل أن الاصلاحات يجب أن تتم بمعزل عن الحكومة، ولا يجوز ان تكون رهينة المشاركة في الحكومة او عدمها، لافتا إنتباهه الى أنه مضى من عهد الرئيس عون 4 سنوات فلماذا لم تجر الاصلاحات؟.
وجه ميقاتي رسالة شديدة اللهجة حول أحداث طرابلس، فأكد أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، وأي فراغ أمني من شأنه أن يملأه الناس لتدافع عن نفسها، وأن سرعة القوى الأمنية في إستعادة حضورها في المدينة أعاد الأمور الى نصابها، لافتا الى أن ما حصل ناتج عن إستغلال خارجي على القضاء أن يكشف تفاصيله، نافيا كل ما يروج عن وجود داعش في طرابلس، أو وجود تدخل تركي فيها، لكنه أشار الى أن العاطفة الطرابلسية تتناغم بطريقة أو بأخرى مع تركيا نتيجة غياب الأطراف السنية الأساسية في المنطقة عن طرابلس.
تستوطن طرابلس وجدان الرئيس نجيب ميقاتي، وهي بالنسبة له قضية يومية يتواصل مع أهلها على مدار الساعة عبر إتصالات كثيرة ورسائل “واتساب” لا تعد ولا تحصى، لذلك فإنه يبقى على تماس مباشر مع أهلها ومع كل أزماتها ويعطي توجيهاته لمؤسسات العزم لتقديم المساعدات وتلبية المطالب والحاجات وفقا للامكانات المتاحة، لذلك عندما سألته الزميلة ليال الاختيار عن حضوره في طرابلس رد بشكل سريع وعفوي بـ”أنني أقدم في طرابلس عشرات أضعاف ما تقدمه الدولة وأشعر بأنني ما أزال مقصرا”.