فضيحة “لا على البال ولا على الخاطر” شغلت الرأي العام اللبناني أمس، بعد تغريدة نشرها ممثل البنك الدولي في لبنان ساروج كومار، اشار فيها الى أنّ “بناءً على تأكيد الخروقات، البنك الدولي قد يجمّد تمويله لدعم اللقاحات في لبنان”. وناشد كومار “الجميع، بغض النظر عن منصبكم، التسجيل عبر المنصة وانتظار الدور”. وتبين ان هذا الموقف اعلن بعدما وصلت معلومات الى ممثل البنك الدولي ان 16 نائبا تلقوا اللقاح في مجلس النواب الى أربعة مديرين عامين خارج اطار الآلية المعتمدة. ليتبين لاحقاً أن رئيس الجمهورية وعقيلته ومجموعة من العاملين معه قد تلقوا اللقاح أيضاً.
واعتبرت صحيفة “النهار” ان ما لم يذهب كثيرون الى توقعه حصل امس في فضيحة مدوية لعلها الأسوأ اطلاقاً في ابراز صورة مهينة لدولة “تهرب” اللقاحات من امام مواطنيها بطريق انتهاك الالية التي يفترض انها حاميتها والساهرة على تنفيذها، فاذا بالمفارقة الأشد سلبية على الاطلاق ان تتظهر امام الرأي العام الداخلي وعيون الجهات المالية والصحية الدولية صورة الخرق الأكبر للآلية في مجلس النواب وقصر بعبدا! والانكى من ذلك ان الفضيحة انكشفت أولا لدى البنك الدولي نفسه الذي كان اول من تبلغ المعلومات عن تلقيح نحو 16 نائبا في مجلس النواب الذي “استدعوا” اليه خلافا لكل معايير وإجراءات الآلية الرسمية ومن ثم تكشف الجزء الثاني عبر تسرب المعلومات عن عملية تلقيح جرت في قصر بعبدا، وشكلت فريقاً واسعا الى جانب رئيس الجمهورية وزوجته. اخطر ما أدى اليه انكشاف هذه الفضيحة انها هددت عمليات التلقيح بعد عشرة أيام فقط من انطلاقتها من خلال تهديد البنك الدولي بشكل جدي بوقف تمويل اللقاحات. واذا كان رئيس اللجنة الوطنية للقاح ضد كورونا الدكتور عبد الرحمن البزري أرجأ استقالته الى مساء اليوم راهنا موقفه بموقف توضيحي حاسم يفصل الأمور بدقائقها، فيمكن القول ان هذه الفضيحة جاءت “لتتوج” سمعة أسوأ سلطة بإحدى اخطر ما اقترفته الجهات المتورطة في فضيحة من شأنها ان تهدد بحرمان اللبنانيين او الكثيرين منهم من اللقاح وتفاقم كارثة الانتشار الوبائي الذي لا يزال على مستويات عالية جدا من الخطورة.
وبينما آثرت وزارة الصحة التزام الصمت وعدم التعليق على الفضيحة المدموغة بموافقتها، خرج نقيب الأطباء شرف أبو شرف عن صمته فأكد وجود العديد من المخالفات في عملية التلقيح، كاشفاً أنّ “أناساً ليست لهم الأولوية أو لم يتم تسجيل أسمائهم على المنصة تلقوا اللقاحات، بينما لا يزال بعض العاملين في المجال الطبي وكبار السن ينتظرون”. وإزاء ذلك، دعت مصادر صحية إلى ضرورة “إجراء تحقيق فوري ذي مصداقية أمام المجتمع الدولي عموماً والبنك الدولي خصوصاً، بغية تحديد المسؤوليات تجاه عملية تجاوز الآليات الرسمية المتبعة في عملية التلقيح وكشف المسؤولين عن هذه “الزعبرة”، التي كادت تطيح بالتمويل الدولي لتلقيح اللبنانيين”، مع تشديدها على أهمية “عدم رهن هذا الملف بقنوات الدولة لما يشوبها من شوائب مشهودة في المحسوبية والفساد، وتشريع الباب أمام دخول القطاع الخاص على خط استيراد اللقاح، والعمل على تسريع الوتيرة البطيئة التي تعتمدها وزارة الصحة في توزيع اللقاح على المواطنين والمقيمين”.
وبحسب “الأخبار” فان الوقاحة تصل إلى حد الجريمة إذا ما عُطفت على الخلاصة التي توصّل إليها “مرصد الأزمة، في الجامعة الأميركية، واستناداً إلى معطيات الأسبوع الأول من التلقيح، وفيها نحو 50% ممن حصلوا على اللقاح حتى الآن لم يمرّوا عبر المنصّة! المُشرف على “المرصد”، الدكتور ناصر ياسين، حذّر في اتصال مع “الأخبار” من “التداعيات الخطيرة الناجمة عن غياب الشفافية على الهدف المرجو بالحصول على المناعة المُجتمعية بنسبة 80%”. إذ وفقاً لتقديرات “المرصد”، وفي حال استمرّت الوتيرة على ما هي عليه، “لن يصل لبنان إلى الغاية المرجوة قبل سنة 2025، وهو أمر في غاية الخطورة خصوصاً لجهة التحورات التي تطرأ على الفيروس والتي قد تستدعي تصنيع لقاحات جديدة”.
تحرك دولي مستمر
وبالرغم من ان فضيحة النواب و”كورونا” طغت على المشهد، الا انه كان لافتا بالأمس الحركة والمواقف الدبلوماسية الدافعة لتشكيل سريع للحكومة اللبنانية. وقالت مصادر مطلعة لـ”الديار” ان هناك “دفعا دوليا غير مسبوق لحل الازمة الحكومية”، لافتة الى “مجموعة مخارج يتم التداول بها لانزال رئيس الجمهورية كما رئيس الحكومة المكلف عن الشجرة بعدما رفعا في الآونة الاخيرة كثيرا السقف فبات اي طرح يصور على انه تنازل يقوم به احدهما”. وأضافت المصادر:”المخارج الاساسية التي يتم التداول بها هي رفع عدد وزراء الحكومة الى 22 مقابل تخلي عون عن الثلث المعطل”، لافتة الى انه “وبالرغم من ان الطرفين المعنيين يصران على نفي التوصل الى اي اتفاق او تفاهم في ها المجال، لكن يبدو ان هناك جوا دوليا يدفع في هذا الاتجاه من المفترض ان يتبلور بعد الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى السعودية”.
و لم تسجل أمس اي تحركات أو اتصالات باتجاه حلحلة ازمة تشكيل الحكومة الجديدة بعد عودة الرئيس المكلف سعد الحريري إلى بيروت، فيما لوحظ حسب مصادر متابعة لعملية التشكيل ان المواقف التي أعلنها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، زادت في تعقيد مسار عملية تشكيل الحكومة في حين بدا واضحا إن التزام حزب الله سياسة الحياد بين بعبدا وبيت الوسط، يؤشر بوضوح الى ان استمرار تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة يتقاطع مع مصلحة الحزب بارجاء ولادة الحكومة العتيدة حاليا وتوظيفها في اطار الصفقه الجاري التفاوض حولها بين ايران والولايات المتحدة الأميركية حول الملف النووي. وفي هذا الاطار، وقالت اوساط سياسية لـ”اللواء” أن أي موقف دولي جديد من الملف الحكومي لم يتظهر وهناك تمن فقط بالإسراع في التأليف.واشارت إلى أنه في الداخل لم يبرز معطى فوق العادة وكله معلق إلى حين دخول عامل جديد يحدث الخرق. وفهم من هذه الأوساط أنه حتى لو حصل لقاء جديد بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف فأنه سيكون كما غيره لجهة أن التقدم لن يتحقق موضحة أن الأفكار لا تزال متباعدة.
الدعم مستمر للبطريرك
فبرزت أمس رسالة دعم أممية لطروحات البطريرك الماروني بشارة الراعي السيادية حملتها القائمة بأعمال مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان نجاة رشدي إلى بكركي، حيث تباحثت مع الراعي “في مستجدات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة وتأثيرها على الشعب اللبناني، واستمعت إلى طرحه وآرائه بشأن عقد مؤتمر دولي من أجل لبنان”، وفق ما جاء في بيان مركز الإعلام في الامم المتحدة. ونوّه البيان بأنّ رشدي جددت للبطريرك الماروني “دعم الأمم المتحدة الطويل الأمد والمستمر للبنان بالتعاون مع شركاء دوليين آخرين”، مشدداً على أنّ “الأمم المتحدة تأمل أن يعطي قادة لبنان الأولوية للمصلحة الوطنية اللبنانية وأن يتجاوزوا بسرعة خلافاتهم لتشكيل حكومة جديدة، لمعالجة التحديات العديدة في البلاد وتلبية تطلعات الشعب اللبناني وتطبيق الإصلاحات اللازمة”، مع التأكيد على “التزام الأمم المتحدة بدعم لبنان واستقراره واستقلاله السياسي وسيادته”.
باسيل يتحدى
وفي المقابل، يبدو رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل عازماً على رفع سقف التحدي في مواجهة طروحات بكركي الوطنية، التي لا تتقاطع مع تطلعات العهد العوني عموماً وتطلعات باسيل السياسية والشخصية. وفي هذا السياق، بادر باسيل أمس إلى إرسال “مذكرة” إلى البابا فرنسيس عبر السفير البابوي في لبنان المونسنيور جوزيف سپيتاري، حملها إليه النائب سيزار أبي خليل والوزير السابق منصور بطيش أمس.
وإذ تكتم الوفد الثنائي عن مضمون مذكرة باسيل إلى البابا واكتفى بالتطرق إلى عناوين بالعموميات تتعلق بالوجود المسيحي ودوره في الشرق، حاولت “نداء الوطن” تقصي ما تضمنته المذكرة، غير أنّ أوساط ميرنا الشالوحي رفضت الإفصاح عما حملته إلى الحبر الأعظم، مكتفيةً بالإشارة في معرض المزاح إلى أنّ الرسالة مكتوبة “بالحبر السري” ومحتواها أصبح في عهدة الحاضرة الفاتيكانية.