دوللي بشعلاني-الديار
ماكرون ينتظر أيضاً التسويات لمعرفة حجم دوره المستقبلي في لبنان والمنطقة
لا تزال المبادرة الفرنسية هي الوحيدة الموضوعة اليوم على الطاولة لحلّ الأزمة اللبنانية من خلال تشكيل الحكومة ووقف الإنهيار الحاصل في البلاد. وصحيح بأنّه يجري تأييدها من قبل جميع الأطراف والقادة السياسيين الذين اجتمعوا بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الصنوبر في الأول من أيلول الفائت، غير أنّ السؤال المطروح: لماذا لا يجري تطبيقها ما دام الجميع قد تعهّد بالإلتزام ببنودها ويُطالب بضرورة تنفيذها كونها السبيل الوحيد لحصول لبنان على مساعدات وقروض المجتمع الدولي التي تُساعده على الخروج من أزمته الإقتصادية والمالية؟!
منذ أن وُضعت خارطة الطريق المنبثقة عن المبادرة الفرنسية وأعطيت المهل لتشكيل «حكومة المهمّة» التي عليها تطبيقها، وضاع الوقت سدى، تحدّثت المعلومات عن أنّ فرنسا لا تقف طرفاً مع أحد ضدّ الأطراف اللبنانية الأخرى، بل تسعى لمساعدة لبنان وإنقاذه من الإنهيار. غير أنّ عدم تشكيل الحكومة بعد أشهر من إطلاق هذه المبادرة، التي نعاها البعض في فترة سابقة، ويُحاول الرئيس المكلّف سعد الحريري اليوم إنعاشها لا سيما من خلال زياراته الخارجية، أظهر أنّها تقف الى جانب الحريري وتحالفاته ضدّ طرف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و»التيّار الوطني الحرّ»، على ما أكّدت أوساط سياسية مراقبة، وإلاّ لكانت طلبت من الحريري الذي تدعم وصوله الى السراي الحكومي مجدّداً الموافقة على اقتراحات عون واعتماد المعيار الواحد في التشكيل مع جميع الأطراف.
وعقّبت الاوساط، بأنّه أصبح جليّاً بأنّ التوازنات السياسية في لبنان قد اختلّت بعد المبادرة الفرنسية، خصوصاً بعد أن دعمت فرنسا الطرف المعني بتشكيل الحكومة على حساب رئيس الجمهورية، ما أحدث خَللاً فاضحاً أدّى بالتالي الى التشنّج السياسي الذي نشهده حالياً والى تجميد تشكيل الحكومة. كما أنّنا لم نرَ، على ما لفتت الاوساط، أنّ الرئيس ماكرون قد وضع مهلاً جازمة للتأليف، رغم حديثه عن ضرورة تشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن، ورغم علمه بأنّ ثغرة عدم تحديد المهل في الدستور اللبناني هي التي تؤدّي في كلّ مرّة الى حدوث نوع من الشلل السياسي في البلاد لفترة طويلة. الأمر الذي يدلّ على أنّ ماكرون ينتظر أيضاً التسويات الإقليمية والدولية، إذ لا يبدو مستعجلاً في حلّ الأزمة الحكومية، ويريد معرفة ما سيكون عليه الدور الذي ستلعبه فرنسا مستقبلاً في كلّ من لبنان ودول المنطقة.
إذاً، ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أنّ المبادرة الفرنسية أوجدت التوازنات بين جميع القوى السياسية في البلاد إذ جمعها الرئيس الفرنسي على طاولة مستديرة في قصر الصنوبر، مظهراً أنّ المسافة بين بلاده وبين كلّ طرف منها هي واحدة، أشارت الأوساط نفسها الى أنّ هذا الأمر ليس صحيحاً. فقد وافقت فرنسا على أن يُجري الحريري توافقاً مع جميع الأطراف اللبنانية باستثناء الفريق الرئاسي، وبعد أن أنهى جميع توافقاته السياسية قدّم تشكيلته للرئيس عون الذي أعطاه ملاحظاته عليها، فما كان منه إلاّ أن أكّد على إصراره على هذه التشكيلة، وعلى شروطه واضعاً «نقطة عالسطر».
وتقول الاوساط، بأنّه كما أنّ الحريري ليس «باش كاتب» عند عون، كذلك عون ليس «ساعي بريد» عند الحريري بل شريك في عملية تأليف الحكومة، على ما ينصّ عليه الدستور، والتي عليها، بطبيعة الحال، إنقاذ لبنان وجميع اللبنانيين من مختلف الطوائف والأحزاب والإنتماءات. فيما الواقع هو أنّ المبادرة الفرنسية تسعى لإقصاء الرئيس عون و»التيّار الوطني الحرّ» من خلال تهميش الدور المسيحي وتقوية الأدوار الأخرى على حسابه، وذلك من خلال احترامها وقبولها بمطالب الأطراف كافة من دون فرض أي أمر عليها، فيما وافقت على تهميش دور رئيس الجمهورية فيما يتعلّق بمسألة الشراكة في التأليف مع الرئيس المكلّف، وجعلت هذا الأخير يُسمّي الوزراء المسيحيين ويفرض على عون وفريقه السياسي الحقائب التي لا يريدها هو والاطراف الأخرى. علماً بأنّ التجارب السابقة قد أثبتت بأنّ أي طرف في لبنان لا يُمكنه اختزال أي طرف آخر، ولا حتى أن يلغيه أو يقصيه، وإلاّ فإنّ البلد لا يُمكنه الإستمرار.
وأشارت الأوساط نفسها الى أنّ الكثيرين كانوا يعتقدون، بأنّ فرنسا كونها دولة مسيحية ستقف الى جانب تقوية الدور المسيحي في لبنان وتعيد اليه بعض الصلاحيات التي أفقده ايّاها «اتفاق الطائف»، غير أنّ العكس هو ما حدث. فيما يجد البعض أنّ أحد أسباب تهميش الدور المسيحي، ليس المبادرة الفرنسية أو سواها، إنّما انقسام الأطراف المسيحية وعدم توحّدها فيما بينها على موقف واحد. فعندما توافق «التيّار الوطني» وحزب «القوّات اللبنانية» ونتج عنه «تفاهم معراب»، توصّلا الى إجراء الإنتخابات البلدية، ثمّ الى التوافق على وضع قانون إنتخابي جديد أعطاهما أفضل نتائج في البرلمان النيابي. أمّا اليوم فيظهر بوضوح كيف أنّ الإنقسام فيما بينهما أضعف الدور المسيحي ككلّ. رغم ذلك، فما وصل الدور المسيحي إليه، لا يعني عدم الإعتراف بدور رئيس الجمهورية في عملية تشكيل الحكومة واحترام حجمه السياسي فيها.
وعن سبب إضعاف فرنسا للدور المسيحي، شدّدت الاوساط، على أنّها كأي طرف إقليمي ودولي يهتمّ لمصالحه أولاً، وفرنسا لديها مصالح إقتصادية في لبنان والمنطقة، وتريد العودة الى الشواطىء اللبنانية عن طريق شركة «توتال»، سيما بعد أن أصبحت محاصرة، وتودّ بالتالي استعادة دورها بين لبنان وسوريا وإيران من خلال البوّابة اللبناني. وأكّدت الاوساط، بأنّ هذا لا يعني بأنّ الرئيس ماكرون لا يريد فعلاً المساعدة على إيجاد الحلّ للأزمة اللبنانية، إلاّ أنّه يهتمّ لمصالحه في لبنان والمنطقة أوّلاً، ولهذا لا يستعجل الأمر رغم وصول لبنان الى الإنهيار.
أمّا وقد «حرّر» رئيس «تكتّل لبنان القوي» النائب جبران باسيل الرئيس المكلّف من عقدة تمثيله في الحكومة المرتقبة من خلال دعوته له خلال مؤتمره الصحافي الأخير بتشكيل الحكومة «من دون مشاركتنا». فهذه العقدة التي كانت تقف حائلاً أمام التشكيل، من وجهة نظر، الحريري وبعض الحلفاء، بات بإمكانه تخطّيها اليوم، والذهاب الى تشكيل حكومة من كلّ الأطراف الأخرى التي أصبحت حليفة له بعد أنّ فكّ «التسوية الرئاسية» مع عون.
فهل سيتمكّن الحريري من تشكيل الحكومة المرتقبة، من دون «التيّار الوطني الحرّ»، أم سيلجأ الى حكومة تكون كلّ الأحزاب والقوى السياسية خارجها فيُسمّي، على ما يرغب، إختصاصيين مستقلّين غير حزبيين لا من قريب ولا من بعيد؟!