نبيه البرجي-الديار
ما هي «القرارات الصعبة» التي هدد بها داني دانون, مندوب «اسرائيل» السابق في الأمم المتحدة وأحد نجوم «الدولة العميقة», اذا ما عادت ادارة جون بايدن الى الاتفاق النووي؟
هو الذي اعتبر أن القنبلة في ضاحية بيروت لا في ضاحية طهران, ولا في ضاحية أصفهان. قال «كيف لنا أن ننام وصواريخ نصرالله تحت ثيابنا؟»
كلام دانون أثار سخرية المعلق في «هآرتس» آري شابيط الذي سأل ما كانت «اسرائيل» ستقطع علاقاتها مع الولايات المتحدة أم أنها ستطردها من الشرق الأوسط, أم اذا كانت ستضرب ايران دون علم الجنرال كينيث ماكينزي (قائد القيادة المركزية) ؟
اعتبر أن «اسرائيل» أمام مأزق وجودي بعدما بات جلياً أن السياسات الاسبارطية لم تعد تجدي في زمن «…الصواريخ المجنونة». لكأنه يدعو, على خطى ناحوم غولدمان, لتحويل اسرائيل الى «فاتيكان يهودي».
أكثر من باحث يهودي يتفق مع شابيط في أن دونالد ترامب «قادنا الى الهاوية حين فتح أمامنا أبواباً كثيرة, كما وعدنا بأن يفتح أمامنا أبواب دمشق, وأبواب بيروت, في حين أن البوابة الفلسطينية, حيث علة بقائنا أو لا بقائنا, لا تزال موصدة. كمن يرقص الروك اند رول وهو يحمل كيساً من الفحم على ظهره».
ربما الذي يثير قلق حاخامات اليمين أن هناك من يرى أن «اسرائيل» فقدت دورها كذراع حديدية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. هاجس أي ادارة, باستثاء ادارة ترامب التي افتقدت أي رؤية استراتيجية, بات, فعلاً, كيفية حماية «اسرائيل», بالتالي وقف الجنوح السيزيفي نحو اليمين الراديكالي, أو اليمين الايديولوجي, وحيث «الرؤوس الفارغة» بحسب السناتور بيرني ساندرز.
أهل اليمين في «اسرائيل» لا يثقون بجو بايدن. يعتبرون أن مواقفه في مؤتمر ميونيخ للأمن نوع ما من «بروباغندا الغباء», وسواء كلامه عن ايران التي تزعزع الاستقرار في المنطقة, أو كلامه عن المحاولات الأميركية ثني بعض الدول عن بيع الأسلحة اليها.
هؤلاء يلاحقون قنوات التواصل «الشغالة» بين واشنطن وطهران, وعبر وسطاء محترفين, ويعتبرون أن رفع العقوبات يعني أن ايران, بمواردها الطبيعية الهائلة, وبكثافتها الديموغرافية, فضلاً عن موقعها الجغرافي ونظامها الحديدي, لا بد أن تتحول الى قوة مركزية مع ما يمكن أن يكون لذلك من تداعيات جيوستراتيجية, من ضفاف الخليج الى ضفاف المتوسط. ربما الى الأبعد…
أصحاب الرؤوس العفنة في «اسرائيل», الذين يعتبرهم شلومو صاند (صاحب كيف تم اختراع الشعب اليهودي؟) «كهنة الكهوف», يعتبرون أن تكريس «الحضور الأبدي للدولة اليهودية» لا يتحقق بمعاهدات الصلح فحسب, وانما بالتظاهرات العسكرية الصاعقة (والدورية), التي تهز عظام العرب لسنوات وسنوات. التقاطع بين ايديولوجيا الارهاب وايديولوجيا الكراهية. هنا القاعدة الفلسفية, والتاريخية, لجماعات اليمين.
هذا كان قبل أن تظهر الصواريخ التي باتت خارج أي معادلة كلاسيكية. لا القاذفات التي طالما اختالت في سماء العرب, ولا الدبابات, كقلاع فولاذية, يمكن أن تحمي «اسرائيل» أو أن تؤمن لها الانتصارات الصاعقة, دون أن يسقط حجر, مجرد حجر, على أرضها.
كما لو أن أميركا كانت تدار من الهيكل ابان عهد دونالد ترامب. الآن, يقول ريتشارد هاس, «أميركا التي أبدلت الطناجر الفارغة بالرؤوس الممتلئة» باتت تدار من البيت الأبيض. ثمة رجل آت من تلة الكابيتول, ومن عمق الاستبلشمانت, لا من الكازينوات, ويدرك أين هي المصالح الاستراتيجية لبلاده.
الخطر في مكان آخر. مؤتمر الأمن في ميونيخ أضاء المشهد. الصراع المستقبلي مع روسيا والصين اللتين ذهبتا بعيداً في التكنولوجيا العسكرية. التنين يبدو وكأنه يجعل من أسواق نيويورك كلها Chinatown, وقد يقترب من وول ستريت حيث تدار الكرة الأرضية بتلك الأوراق السحرية الخضراء.
«بروباغندا الغباء». جو بايدن أم بنيامين نتياهو ؟!