من لعنة السلطة – الطغمة الحاكمة على اللبنانيين انها لا ترعوي، وتمعن في إغراق العباد والبلاد في مستنقع الدماء والنفاق والشعارات الفارغة، وتجهز على ما تبقى من ركام مؤسسات على رأسها العدل لكون أكثرها تشظياً السلطة القضائية.
من مقتلة المرفأ التي “تجهد” المنظومة الحاكمة لتجهيل الفاعل والتلهي بالقشور ودم الشهداء الذي لم يبرد بعد، الى ملحمة لقمان وإشاحة الأنظار بشكل خارج المنطق للتغطية على السفاح الحقيقي، وجريمة “تشليح” الناس والفساد المقيم، وما بينهما وقبلهما، كان الرهان دوماً على القضاء: القضاء بخير، لبنان بخير.. إلى أن تحول إلى القضاء ليس بخير ولبنان ليس بخير. والشهداء والشواهد تنضح بما فيها، حتى بات الشعب اللبناني المقهور يراوده حلم وطن ويصرخ… “تصبحون على وطن”!
ما أحاط بقضية انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 وصولاً الى نقل ملف القضية من المحقق العدلي القاضي فادي صوان، عزز في وعي اللبنانيين ووجدانهم انهم امام انتكاسة كبرى في مسار استعادة الدولة ولو بشروطها الدنيا، فالعدالة التي ينشدها اهالي الضحايا واللبنانيون عموماً في هذه القضية باتت الضحية، بل الجريمة المستمرة والمتمادية، التي تتفوق في درجة الجرم المقتلة الرهيبة التي وقعت على رؤوس ابناء العاصمة ولبنان.
وعلى هذا المنوال من الجرائم التي تستهدف الناس والدولة جرت جرائم أخرى لم تزل مستمرة، من دون توقف او تهيّب القاتل من الضحية، فالتوحش الذي يعاني منه اللبنانيون من سلوك السلطة الميليشيوية لن يتوقف، بل يوغل هؤلاء المصنفون قادة في ابتداع المزيد من وسائل القتل المادي والمعنوي، لكل ما يمكن ان يبعث على تفاؤل بامكان صلاحهم، بل بامكان القبول العام بأقل من ازاحتهم واسقاطهم في الشارع وفي مزابل التاريخ.
سلطة نهبت وغطت أكبر عملية سطو على اموال المودعين في المصارف، سلطة مستمرة في نهب جزء كبير من اموال الدعم من خلال شركات محمية تحظى بحماية اطراف السلطة والميليشيا، سلطة تتمادى في تجويف المؤسسات الدستورية والقانونية، سلطة تستقوي على القضاء وتحوله الى اداة لممارسة بطشها على المواطنين من المعترضين على سلوكها التدميري للدولة، ليس هذا فحسب، بل هذه السلطة التي يديرها “حزب الله” ويوزع المغانم بين اطرافها، “يبشر” نائب امين عام حزبها الحاكم الشيخ نعيم قاسم بأنه يهدف الى تحرير القدس وفلسطين، ويدعو الى انضواء لبنان في المحور الايراني، وكأن لبنان ليس تحت سطوة هذا المحور، وتحت قيادته التي تدفع لبنان نحو مزيد من الانحدار والانهيارات، ويريد ان يصدق الجميع ان لبنان والمحور الذي ينتمي اليه سيحرران القدس، في الوقت الذي يستجدي احد رموز هذا المحور بشار الأسد لقاح الكورونا ممن يفترض انه عدو هذا المحور.
من المفارقات في منطق الممانعة وخطابها، ان اسرائيل قتلت لقمان سليم من دون ان تدفع هذه الجريمة “حزب الله” الى التنبه الى قدرة اسرائيل على تسجيل خرق أمني فاضح في قلعته في الجنوب، كما ان لا يجد الاسد الا اسرائيل لأخذ اللقاح لمن تبقى من الشعب السوري، ومن دون ان يهب لعونه اركان المحور ولو بلقاح ايراني.
وأمام الزعم ان كل ما يجري هو لتحرير فلسطين والقدس، يخرج السؤال اللبناني الكبير: هل تدمير لبنان بأيادي هذه المنظومة مقدمة لتحرير فلسطين؟ السؤال مفجع اكثر من الاجابة اياً كانت، طالما ان اللبناني اليوم لا يرى احتلالاً او ظلماً اشد واقسى على وجوده كمثل احتلال هذه المنظومة الحاكمة، تلك التي تتفنن في ضرب اي حلم للبناني، بدولة تضمن له الحدّ الادنى من العيش الكريم، فيها قضاء منصف، دولة لا دويلة، دولة تتوافر فيها فرص العمل وحياة سياسية يحكمها الدستور والقانون، لا السلاح وسطوة الأمن من خارج مؤسساتها، هكذا مطالب باتت بمثابة حلم اللبناني، اما فلسطين التي يلوحون بها فليست الا تجارة خاسرة، وسبيلاً للقضاء على ما تبقى من حلم بتحريرها لدى أي لبناني، فضلاً عن الفلسطينيين في محور الممانعة الذين بات قصارى ما يطمحون اليه البحث عن اماكن لجوء جديدة خارج هذا المحور، الذي تفنن في سحقهم على امتداد مخيمات اللجوء من العراق الى سوريا ولبنان.
جريمة مرفأ بيروت تختصر كل هذا المشهد، هي جريمة المنظومة ضد كل ما يرمز الى الدولة والعدل والحياة، استفادت منها اسرائيل في العمق، بضرب اهم المرافئ المنافسة، وهي جريمة فضحت وتفضح كل يوم كيف تدار مصالح الدولة والناس وكيف ان المواطن هو ضحيتها والذبيحة على مذبح الفساد والشعارات الكاذبة. بهذا المعنى جريمة المرفأ تختصر مأساة لبنان، وهي مؤشر نهوض الدولة او طمر ما تبقى منها، ليس اقل من ذلك، هي امتحان للقضاء في مواجهة المنظومة ، وقبل ذلك اختبار لنبض الثورة وأفقه، كشف الحقيقة وتحقيق العدالة فرصة لنهضة لبنان، وعدم الوصول الى الحقيقة والعدالة سيعني استمرار احتلال المنظومة القاتل والخبيث.
من هنا لبنان يتجه في أفضل الاحوال الى التدويل الايجابي اي تحييد لبنان واحتضانه ولجم الانهيار العام، وفي أسوأ حالاتها الى التدويل السلبي، اي مزيد من الانهيار والبؤس والموت… ماذا بعد؟!