دخل لبنان دائرة التدخّلات الدولية الواضحة، فلم يعد بالإمكان حلّ الأزمة الحكومية من دون ضغط خارجي وتسوية يتّفق عليها أطراف القرار.
تُعتبر المبادرات الداخلية في حكم المنتهية لأن أطراف السلطة تستدعي التدخلات الخارجية بينما تُردّد أنها لا ترغب بالتدويل، في حين أن التدويل واقع لا محال.
ويدرس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطواته بجديّة تامة ويضع أمامه الحلول الممكنة، ولم تُبلّغ باريس رسمياً الأطراف الفاعلة في الداخل أن الولايات المتحدة الأميركية سلّمتها نهائياً الملف اللبناني.
ويدخل العاملان الروسي والفرنسي بقوّة على الخطّ اللبناني، في وقت تبقى العين شاخصة إلى المملكة العربية السعودية والخطوات التي يمكن أن تتّخذها في المستقبل.
وأمام كل الكلام عن تنحّي الرياض عن الملف اللبناني، تؤكّد مصادر ديبلوماسية أن السعودية لم تترك الساحة اللبنانية ولا تزال تتحرّك من الخلف لكن من دون الدخول مباشرة في اللعبة والإنغماس في الوحول اللبنانية.
وتلفت المصادر إلى أن خصوم المملكة باتوا معروفين وهم “حزب الله” وفريق العهد بكل أجنحته، وبالتالي فإن سلوك الرياض لا يوحي بالاصطدام بأي قوة في الداخل، لكن في عمق الأمور فإن المواجهة واضحة.
وتفنّد المصادر ما يحصل، وتشير إلى أن السياسة السعودية في لبنان لم تتغيّر حتى لو لم تسجّل تقدماً، وفي طليعة النقاط المساندة للرياض في تعاطيها مع الشان اللبناني يأتي عدم وجود أي تغير في السياسة الأميركية تجاه لبنان حتى لو حصل ذلك في اليمن مع الحوثيين.
وتُصرّ الإدارة الأميركية على تصنيف “حزب الله” ضمن لائحة الإرهاب على رغم شطب الحوثيين منها، فحسابات اليمن لا تنطبق على لبنان، وبالتالي فإن “الحزب” سيبقى تحت مرمى العقوبات الأميركية.
أما النقطة الثانية فهي التأكيدات الأميركية بأن الإدارة الجديدة لن ترفع العقوبات عن الشخصيات السياسية اللبنانية وعلى رأسهم رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل، حليف “حزب الله” الأول في لبنان، في وقت يكثر الكلام عن موجة ثانية من العقوبات يمكن أن تشمل حلفاء جدداً لـ”الحزب”.
ومن جهة ثانية، إن عهد ميشال عون لا يزال يعيش عزلة تامة، فأبواب الخليج ودول الغرب لم تفتح في وجهه، وهذا العهد يُصنّف في السعودية على أنّه المدافع الأول عن دويلة “حزب الله”.
ولا يزال الرئيس المكلّف سعد الحريري يرفض تأليف حكومة خاضعة لشروط “حزب الله” والعهد، وهو لا يزال على رفضه إعطاء أي فريق ومن ضمنه باسيل الثلث المعطّل، وبالتالي فإن “الحزب” وعلى رغم إمتلاكه الأغلبية البرلمانية غير قادر على تأليف حكومة كما يحلو له.
وأمام كل هذه الوقائع، إن “حنفية” المساعدات الخليجية والغربية لن تُفتح للبنان طالما أن هذه الدول تعتبر أن “حزب الله” هو الذي يُمسك بزمام الحكم في لبنان ويتحكّم بكل مفاصل الدولة، وهذا الأمر سيدفع فريق “الحزب” والعهد إلى العيش في عزلة أكبر، مما يرفع من منسوب الغضب الشعبي.
وتبقى العين الخليجية على لبنان حتى لو لم يصل ذلك إلى حدّ تدفق المساعدات، فالرعاية الخليجية تتجلّى عبر مساعدة الشعب مباشرةً وليس عبر الدولة، في حين أن التأكيدات تصب في إتجاه أن السياسة السعودية تجاه لبنان لن تتغيّر طالما أن فريق “حزب الله” ممسك بالسلطة ويخطف قرار لبنان، بحسب توصيف الرياض.