الأخبار- يحيى دبوق
يدرك رأس المؤسّسة السياسية الحالي، والمقبل على ما يبدو، بنيامين نتنياهو، أن شركاءه في الائتلاف الحكومي المقبل، المُقدَّر أن يكون يمينياً بين متطرّف وأكثر تطرّفاً، لن يسمحوا له بأن «يتنازل» وإن شكلياً للجانب الفلسطيني، بل يرفضون العملية السياسية نفسها والتفاوض وفقاً لها، وإن كان الهدف لدى نتنياهو، الذي يعرفونه جيداً، هو التفاوض لذاته. وإلى جانب ذلك التحدّي الذي لن يكون سهلاً وإن بدا قابلاً للتحديد النسبي والتسويف، أمام إسرائيل تحدٍّ من نوع آخر، وهو أكثر جدّية من الأوّل، إذ إن مشاركة حركة «حماس» في الانتخابات، وأيضاً إمكانية مشاركة آخرين من حركة «فتح» مِمَّن ينافسون عباس على رئاسة السلطة، مسألة لا تقتصر على الجانبين السياسي والدعائي فقط، بل ترتبط بهوية السلطة نفسها، واحتمال عودة غلبة «حماس» على المجلس التشريعي الفلسطيني، والتشويش على توجُّهات السلطة والعلاقة مع الاحتلال والترتيبات الأمنية القائمة بين الجانبين، كما كانت عليه الأمور في الماضي، قبل الانقسام.
بناءً على ما تَقدّم، لا يوجد في إسرائيل الرسمية اليوم من هو معنيّ بإجراء الانتخابات الفلسطينية. وأن تكون تل أبيب غير معنيّة بصيرورة فلسطينية، فإن ذلك يعني تلقائياً العمل على الحؤول دون أن تتحقّق. ومن هنا، يصبح مفهوماً استباق موعد الانتخابات عبر التقدير بأنها لن تجرى، وأن عباس غير معنيّ بإجرائها. ويُعدّ هذا التقدير مؤشّراً إلى ما سيلي، بغضّ النظر عن الجهة التي تعمل على إلغاء الانتخابات، ومن بينها إسرائيل. في تسريبات الإعلام العبري، التي تبدو أنها مُوجّهة، رجّحت مصادر أمنية إسرائيلية، لموقع «واللا» الإخباري، أن تكون قضية الانتخابات مجرّد «عرض مسرحي» من قِبَل السلطة، مبديةً شكوكها في ما إذا كان «أبو مازن» سيفي بما ألزم به نفسه، إذ إنه سيكون محكوماً بما تشير إليه استطلاعات الرأي والخشية من خسارة «فتح» أمام «حماس». وتسأل المصادر نفسها: «إذا كان الأمر كذلك، فما الذي يدفع أبو مازن (84 عاماً) إلى الحديث عن انتخابات؟»، لتجيب بـ»أنها محاولة منه لتخفيف ضغط كبار المسؤولين الفلسطينيين الذين يريدون تحسين وضعهم في السباق المستقبلي بعد رحيله». وذكر الموقع أن لدى الجيش الإسرائيلي تقديراً بأن الشارع الفلسطيني غير مهتمّ بإجراء انتخابات، وهو مشغول بتحصيل قوته اليومي ومحاربة فيروس «كورونا»، و»الإعلان عن انتخابات موُجَّهة للإدارة في واشنطن، إذ يعتقد أبو مازن أنه بهذه الطريقة سيكون قادراً على تمهيد الطريق للحوار مع البيت الأبيض، بعد سنوات من الجمود مع الرئيس السابق دونالد ترامب، بل وربّما أيضاً استئناف التفاوض مع إسرائيل عبر وساطة أميركية».
في السياق نفسه، تشير مصادر أمنية إسرائيلية إلى أنه على رغم أن عباس غير مهتمّ بالانتخابات الرئاسية للسلطة كونه غير محبوب ويفقد التأييد الشعبي، فيما لا تزال انتخابات المجلس التشريعي موضع شكّ، فهو «يرى الدعوة (إلى انتخابات) فرصة تُمكّنه من جمع المال من الدول الغربية والعربية، واستعادة التمويل للمشاريع والبنية التحتية التي تَوقّف تمويلها» في زمن الإدارة الأميركية السابقة. لكن ماذا إن جرت الانتخابات فعلاً؟ وفقاً لمداولات الجيش الإسرائيلي وتقديراته، ثمّة خشية من أن تفوز «حماس»، الأمر الذي يستدعي العمل على منع القيادي الأسير من حركة «فتح»، مروان البرغوثي، من الترشُّح للرئاسة ومنافسة «أبو مازن» كي لا يتسبّب ذلك بانقسام كبير لدى «فتح»، من شأنه أن يصبّ في مصلحة «حماس» في الانتخابات في الضفة الغربية، ويمكّنها من السيطرة على مؤسّسات السلطة، وهي نتيجة خطيرة بالنسبة إلى إسرائيل من الناحيتين الأمنية والسياسية.
بالنتيجة، يبدو التحدّي أمام الجانب الفلسطيني مركّباً، وهو يستدعي اليقظة السياسية وتجاوز الخلافات والاتحاد وراء ما أمكن من مشتركات، إذ لا مصلحة لإسرائيل في انتخابات من شأنها إنهاء الانقسام الذي تسعى إلى إدامته، فيما تبدو الانتخابات نفسها فرصة لأكثر من جهة فلسطينية وكيانات داخل الكيانات الحالية، فضلاً عن شخصيات، قَدّمت من الآن أوراق اعتمادها و»إغراءاتها» لإسرائيل وحلفاء الكيان الجدد مِمَّن طبعوا معه، عبر برامج انتخابية تَعِد بتأمين شرعية رسمية للتطبيع، من خلال إنهاء الرفض الفلسطيني الرسمي له.