الوقت – بعد إعلان البيت الأبيض الأسبوع الماضي أنه سيخرج ولي العهد السعودي الحالي محمد بن سلمان عن دائرة الاتصال بالحكومة السعودية ويتحدث مباشرةً مع الملك سلمان لتعزيز العلاقات الثنائية، هناك الآن شائعات بأن إدارة بايدن قد تقدم تقريرًا سريًا إلى الكونغرس بشأن المسؤولية المباشرة لمحمد بن سلمان عن اغتيال جمال خاشقجي عام 2018.
السؤال المطروح الآن هو، هل مثل هذا الإجراء هو مجرد خطوة رمزية أم أكثر أهميةً، ويظهر أن أمريكا تحاول الضغط على الملك لتغيير خط الخلافة وإسقاط محمد بن سلمان؟
الضغوط الداخلية على بايدن
لا شك أن جانباً مهماً من تركيز بايدن على مواجهة بن سلمان في قضية اغتيال جمال خاشقجي، يعود إلى وعوده الانتخابية والضغوط الداخلية.
مع دخول بايدن البيت الأبيض، لم يتوقف ضغط الصحف (وخاصةً واشنطن بوست) وكذلك بعض المنظمات غير الحكومية علی البيت الأبيض للكشف العلني عن الوثائق المتعلقة بقتل خاشقجي.
وفي شباط، قبلت المحكمة طلب “مبادرة عدالة المجتمع المفتوح” مطالبة محامي الحكومة الأمريكية بالمرافعة في لائحتي اتهام منفصلتين فيما يتعلق بقضية خاشقجي، بموجب قانون حرية المعلومات.
ومع ذلك، رفض محامو البيت الأبيض في إدارة ترامب الكشف عن المعلومات ذات الصلة، بحجة أنها ترتبط بمسألة الأمن القومي.
وفي هذا الصدد قال “أمريت سينغ” مدير قسم المساءلة في “المجتمع المفتوح”: “يمكن لبايدن إثبات التزام إدارته بالقيم الديمقراطية من خلال الإفراج السريع عن تقارير الاستخبارات الأمريكية، إضافة إلى السجلات الرئيسة الأخرى التي تم حجبها عن الجمهور بموجب هذا التقاضي. وستكون هذه خطوةً حيويةً نحو ضمان المساءلة عن جريمة القتل والتستر عليها من قبل إدارة ترامب”.
وفي عام 2019، من ناحية أخرى، أقر الكونغرس قانونًا يطالب مدير وكالة المخابرات المركزية بتقديم تقرير غير سري عن أسماء الأفراد الذين تعتقد وكالات الاستخبارات الأمريكية أنهم متورطون في مقتل خاشقجي.
ولکن تحت ضغط من البيت الأبيض، أصدر مدير وكالة المخابرات المركزية بدلاً من ذلك تقريراً سرياً إلى الكونغرس، وأخفى المعلومات من الرأي العام. ولذلك، كان أحد أهم وعود بايدن في الانتخابات، الشفافية في قضية مقتل خاشقجي.
وبناءً على ذلك، يمکن القول إنه في الوضع الحالي، يضطر بايدن إلى الاختيار بسرعة بين الوفاء بوعده بإعادة النظر في العلاقات مع السعودية وبناءً على القيم الديمقراطية والوعود الانتخابية، أو الاستمرار في التستر على عقوبة محمد بن سلمان وشركائه.
استعادة صورة أمريكا
إن دور إدارة ترامب في التستر على دور بن سلمان في الاغتيال الوحشي لخاشقجي لحلب السعوديين بشکل أکثر، والحفاظ على تدفق مبيعات الأسلحة بمليارات الدولارات إلى البلاد، شكَّل ضربةً خطيرةً لهيبة أمريكا الدولية وفعالية سياستها في استخدام أداة حقوق الإنسان، لخدمة مصالح السياسة الخارجية وضد الحكومات المتنافسة.
ومع ذلك، فإن إدارة بايدن جعلت الآن أحد شعارات سياستها الخارجية الرئيسة، استعادة مصداقية البيت الأبيض الدولية في المنظمات الدولية. وفي هذا الصدد، أعلنت أمريكا الأسبوع الماضي أنها ستعود للانضمام إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
من ناحية أخرى، لطالما اتُهم البيت الأبيض بممارسة معايير مزدوجة لحقوق الإنسان فيما يتعلق بالحلفاء والحكومات المتنافسة، لدرجة أن واشنطن اتخذت نهجًا صامتًا ومتضامنًا في مواجهة الأعمال القمعية التي تمارسها الديكتاتوريات المتحالفة معها حول العالم.
وفي هذا السياق، يبدو أن انتخاب محمد بن سلمان بسبب تهوره وقسوة أفعاله الطموحة للوصول إلى العرش، سيكون الخيار الأنسب والأکثر دعايةً لإعلان التزام بايدن بحقوق الإنسان في السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة.
إبرام صفقة على حساب اليمن
يثير اتهام ابن سلمان بالأمر باغتيال جمال خاشقجي بطبيعة الحال التساؤل حول ما إذا كانت عواقب هذا الاتهام ستؤدي إلى ضغط البيت الأبيض على الملك السعودي لإزاحة محمد بن سلمان من منصب ولي العهد أم لا؟
قال المتحدث باسم البيت الأبيض في بيان إن “الرئيس بايدن إنه ينتظر ليرى كيف تعتزم السعودية تغيير نهجها في العمل مع الإدارة الأمريكية الجديدة”.
تشير هذه التصريحات إلى أن بايدن يسعى إلى مواءمة نهج الحكومة السعودية في التعاون مع الإدارة الأمريكية الجديدة في السياسة الخارجية، بدلاً من اتخاذ إجراءات ضد بن سلمان.
في الأسابيع الأخيرة، كانت الحرب اليمنية إحدى أولويات السياسة الإقليمية لإدارة بايدن في غرب آسيا، وبينما أعلن البيت الأبيض أنه لا يدعم استمرار الحرب اليمنية، قام أيضًا بإزالة أنصار الله من قائمة الجماعات الإرهابية، لإجبار الرياض على اتباع الدبلوماسية لإنهاء الحرب.
ومع ذلك، فإن محمد بن سلمان المسؤول الرئيس عن الملف اليمني، لم يمتثل بعد لمطالب البيت الأبيض بسبب التبعات الداخلية والخارجية الجسيمة لقبول الهزيمة في الحرب اليمنية وعدم استخلاص النتائج من حرب السنوات الخمس المكلفة في هذا البلد.
وفي ظل هذه الظروف، يبدو أن ابن سلمان يعتبر الحرب اليمنية خياراً أقل تكلفةً بين فتح قضية اغتيال خاشقجي وإنهاء الحرب اليمنية.