المجلس الأعلى للكاثوليك: البطريرك غاضب على «العلمانيين»
للمرة الأولى منذ أكثر من 50 عاماً يحصل أن يرفع رئيس المجلس الأعلى للروم الكاثوليك، وهو البطريرك نفسه، الغطاء الكنسي عن «العلمانيين»، الأمر الذي تسبب في تعطيل المجلس الى حين حَسم البطريرك يوسف العبسي قراره: تطوير نظامه الداخلي ودوره أم تحويله الى مجرد ناد لمتقاعدي الطائفة من السياسيين؟
وقد لاقى البطريرك تفهّماً من المطارنة الذين اعتبروا أن هذا المجلس «وجعة راس»، وأن تأثير الكنيسة يتراجع لمصلحة «العلمانيين» (أي أتباع الكنيسة، من غير رجال الدين)، خصوصاً بعد التراشق الإعلامي الذي جرى أخيراً بين أعضاء المجلس حول انتخابات نائب الرئيس التي كانت مقررة في بداية آذار. على هذا الأساس، سيكون مصير المجلس الأعلى للروم الكاثوليك على طاولة المطارنة برئاسة البطريرك، وما يعنيه المضيّ قدماً في رفع الغطاء الكنسي عنه وتحويله الى مجرد جمعية أخرى من بين مئات الجمعيات القائمة في البلد، والتي لا تحوز أيّ نفوذ. في اجتماع الأربعاء الفائت، وبعدما ضرب البطريرك بيده على الطاولة، تمنّى بعض الحاضرين عليه التروّي للبحث في إمكان وضع صيغة جدية بشروط وقوانين وضوابط جديدة، وهو ما سيبحثه العبسي أيضاً اليوم. فلطالما كان المجلس سند البطاركة المتعاقبين ونقطة قوة لهم، لكنه – على ما سمعه زوار العبسي – بات مجلساً ملّياً يساند فريقاً سياسياً ضد آخر، وباسم الطائفة جمعاء.
ما سبق استرعى انتباه الفاتيكان والسفير البابوي في لبنان، ولا سيما أن الطلاق بين الكنيسة و«العلمانيين» سيكون أمراً مستجدّاً ومسيئاً للطائفة، في وقت تسعى فيه الفاتيكان الى تمتين علاقة أتباع الكنيسة بها، لا خروجهم منها. وهناك من يؤكد وصول عدة شكاوى في هذا الشأن الى مكتب السفير البابوي الذي رفعها الى دوائر القرار، خصوصاً أن ثمة انزعاجاً سابقاً من العبسي يتعلق بمكوثه في سوريا وغيابه عن لبنان، وعدم تعيينه نائباً بطريركياً له لينوب عنه، وتزايد المشكلات في زحلة، ولا سيما بعد التمديد منذ سنة للمطران عصام درويش وما رافقه من احتجاجات. ويضاف اليوم إلى ما سبق إخراج «العلمانيين» من الكنيسة. في النقطة الأخيرة، صار واضحاً لجميع الأطراف أن دور المجلس معطل حتى إشعار آخر. لا انتخابات قريبة في الأفق، والنظام الحالي الذي كان ينتج مجلساً دوره إصدار بيانات شهرية توالي موقفاً سياسياً على آخر لم يعد مجدياً. لذلك سيشكل البطريرك، على ما تقول المصادر، لجنة للبحث في تطوير النظام، وكذلك ستفعل اللجنة القانونية التي تشكلت من بعض أعضاء الهيئة التنفيذية يوم الأربعاء الماضي.
أما داخل المجلس، فينقل الأعضاء روايتين لما جرى. رواية أولى تشبه الى حدّ بعيد ما يقوله البطريرك العبسي عن تسييس المجلس وإلغاء دوره ومواقفه غير المتوازنة بين القضايا، خصوصاً «سكوته المريب عن محاولة توقيف المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، وانقضاضه على حسان دياب يوم تشكيل الحكومة من باب عدم التمثيل العادل للكاثوليك، لكنه يلتزم الصمت اليوم لأن سعد الحريري هو المُكلّف، وصولاً الى السكوت عن فرض الحزب التقدمي الاشتراكي لأجندته في إدارة تلفزيون لبنان فيما علت الصرخة يوم أراد رئيس الجمهورية تعيين رئيس مجلس ادارة للتلفزيون، الى أن قرر هذا المجلس، عبر نائب رئيسه الوزير السابق ميشال فرعون، تأييد حياد البطريرك بشارة الراعي». وبالتالي، يشير هؤلاء الى «ضرورة مراجعة شاملة لوظيفة المجلس ومهماته التي يفترض حصرها بشؤون أولاد الطائفة في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المنهارة، بعيداً عن السياسة ودهاليزها». أما أصحاب الرواية الثانية، فينسبون كل هذه «الانتفاضة» الى عدم إمكانية إيصال الوزير الأسبق سليم جريصاتي الى موقع نائب الرئيس بعد اعتراض العديد من الفعاليات الزحلية عليه، وعدم تبنّي التيار الوطني الحرّ له. وكل محاولات الوصول الى مرشح تسوية، بين جريصاتي والمرشح المنافس الوزير السابق سليم وردة، أو التزكية، باءت بالفشل، لأن جريصاتي يضغط على البطريرك بواسطة «قوى خارجية» حتى يجري الانتخابات ويؤمن أصوات المطارنة له. ومعادلة جريصاتي هنا، وفقاً للمصادر: «أنا أو حلّ المجلس»، ولما لم ينجح في فرض نفسه، كان القرار بتعطيل المجلس وسحب الغطاء عنه. فالمرشح المقابل لجريصاتي، أي وردة، قبِل بالانسحاب لصالح مرشح يتم التوافق عليه، خلافاً لجريصاتي الذي أُجبر على الانسحاب المرة السابقة بعد التوصل الى تسوية في منزل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل» لصالح التجديد لفرعون. في الخلاصة، المجلس الأعلى للروم الكاثوليك الذي لعب على مدى 50 عاماً دور اللجنة الاستشارية لبطريرك الطائفة، معطّل ومصيره معلّق بقرار من البطريرك نفسه.