حسن الطاهر
لا شك أن الحراك الذي احتضنته القطيف والأحساء قبل عقد من الزمن لايزال مستمراً ولكن بأساليب مختلفة، ولعل استمراره الذي يؤرق راحة النظام يجعله يمارس الكثير من عمليات الانتقام والجور والطغيان بحق أهالي المنطقة، تارة عبر الاعتقالات وأخرى عبر الهجمات والاقتحامات العسكرية وعمليات الدهم وتارة ثالثة عبر المحاكمات الجائرة التي ترتبط بنشطاء الحراك، وتغليظ الأحكام بحقهم بصورة تعكس همجية النظام وقمعه وجوره واستبداده، ومواصلة نهجه القائم على تكميم الأفواه والتخلص من كل صوت مطلبي، إلا أنه لم يأخذ العظة من استمرار نهج قائد الحراك السلمي الشيخ الشهيد نمر باقر النمر الذي أعدمه سيف النظام الجائر بغية الانتقام من دوره وتعاليمه وصوته وفي محاولة للقضاء على نهجه، إلا أنه وبعد سنوات من الشهادة يتأكد أن النهج السلمي للشيخ الشهيد قائم وحي في نفوس المريدين والأتباع الذين يروون الحق والباطل ويميزون بينهما، ويسيرون على خطى الشيخ الشهيد لنيل المطالب بكل ما أوتوا من وسيلة.
على امتداد أعوام العقد الأول من الانتفاضة المجيدة، حفلت الساحة بالإعدامات الجائرة انتقاما من أصوات النشطاء ودورهم مشاركاتهم في الحراك السلمي، فكانت إعدامات يناير 2016 وأبريل 2019، حفلتي إعدام راح خلالهما عدد كبير من النشطاء الذين قررت السلطة إعدامهم بسبب مشاركاتهم في الحراك السلمي عام 2011م، وكان بينهم أطفال، فتية بينهم مجبتى السويكت ومنير آل آدم. وتحمل الأروقة القضائية في طياتها الكثير من المحاكمات الجائرة انتقاما من الدور السلمي في رفع الصرخات المطلبية أو القبضات التي حملت رايات ولافتات خطت المطالب الأساسية للمتظاهرين، ولا تزال هذه المحاكمات والقضاء المسيس يتخذ من الأحكام الجائرة والتي تصل حد الإعدام سلاحاً للانتقام من الحراك وبذوره وامتداده، ولعل الإعدامات التي تهدد حياة العشرات بينهم أطفال دليل واضح على حجم الحقد السلطوي والخوف في آن، من صوت ودور هؤلاء في عدم الصمت على سلب حقوق وكرامتهم.
ولاريب في أن إصدار أحكام مغلّظة من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة ضد خمسة نشطاء، بأحكام متفاوتة قضت بالسجن لمدة تراوحت بين 8 و17 عاما، بعد أن طالب الإدعاء العام بالإعدام لهؤلاء النشطاء المعتقلين انتقاما من دورهم في الحراك إلا نقطة ضمن سجل الانتقام السياسي السلطوي، إذ أن تشديد الحكم على المعتقلة إسراء الغمغام بالسجن 8 سنوات وزوجها موسى الهاشم 17 عاما، وإصدار حكم ضد الناشط علي عويشير بالسجن 10 أعوام، وحكم بالسجن 13 سنة ضد خالد الغانم و15 سنة بحق أحمد المطرود إضافة إلى الحكم بحق مجتبى المزين 8 سنوات، جميعها أحكام مغلّظة بحق مجموعة نشطاء تتشابه اتهاماتهم بالمشاركة في تشييع الشهداء وتنظيم مظاهرات في حراك القطيف، وما الأحكام سوى دليل قاطع على ريب النظام من دور النشطاء السلميين وأصواتهم المطلبية، وممارسة الانتقام السياسي السلطوي بحقهم.
إصرار النظام السعودي على سياسة الانتقام والترهيب بحق النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان من خلال المحاكمات غير العادلة والأحكام التعسفية والقاسية، وعمليات الاقتحام والقتل خارج إطار القانون والجرائم وسط الشارع العام، وملاحقة النشطاء وتغييهم وعمليات الاخفاء القسري، والقضاء على رمز الحراك السلمي، في ثقافة الأرض والتراث والانقضاض على الموروث الثقافي والنضالي الممتد منذ عام 1400 للهجرة، وما قبل إلى الانتفاضة الثانية، وما بعدها، يجزم بصيغة أو بأخرى، باستمرار الحراك ونبضه ولو بصورة مغايرة لشاكلة الانطلاق عبر ميادين التظاهر السلمي، ويؤكد أن نهج الثورة السلمية والانتفاض على الظلم والطغيان والاستبداد والحرمان الاجتماعي والاقتصادي والتهميش وممارسة التمييز الطائفي، مستمر باستمرار النظام القمعي، الذي لا ريب أن أرقه متصاعد من أي تحرك سلمي يمكن أن تحتضنه المنطقة وأهلها، لذا يعمد إلى استخدام جميع أدوات البطش والسطوة القمعية للإمسك بالأمن، ويعمد إلى أرهبة المنطقة لمنع انتفاضها من جديد.
المصدر: حسن الطاهر