سبوتنيك v “ممنوع” في بيروت؟
“ليبانون ديبايت” – عبد الله قمح
تسود ظلالٌ من الشكوك حول نيّة إستقدام اللقاح الروسي Sputnik V إلى لبنان لضمه إلى برنامج التلقيح الوطني الذي بوشر العمل به قبل عدة أيّام، وحتى الساعة تم تلقيح أكثر من 8000 مواطن، ويخطط لاستقدام ما يربو عن 6 مليون لَقاح متعدّد الجنسيات سعياً وراء تأمين “مناعة القطيع” على المستوى اللبناني.
تبلغ الحصة الروسية من اللقاح المفترض استقدامه إلى لبنان (وفق ما اعلن عنه) نحو 2 مليون جرعة، بحسب المعلومات، اتفقَ بدايةً على إيكال مهمة تأمينه إلى شركات خاصة ليُصار بعد توفره إلى الحصول عليه من الصيدليات او عبر آلية أخرى يجري الاتفاق عليها بين الدولة ممثلة بوزارة الصحة والقطاع الخاص، على أن يقدم كل مندوب شركة لائحة بالأسعار المتوقعة ليصار بعدها إلى الاتفاق على سعر موحد. هذا في المبدأ، لكن في آلية التنفيذ ثمة شياطين دخلت في التفاصيل.
قبل مدة، أجاز البرلمان اللبناني إستقدام اللقاحات من الخارج عبر مرسوم تشريعي ولأسباب طارئة، وكما بات معلوماً، يجري تأمين اللقاحات عبر مصادر مختلفة يطغى عليها عامل القروض ومصدرها “البنك الدولي”.
من ضمن الالية، ثمة من وجدَ ضرورةً في إستقدام اللقاح الروسي، بناءً على التجارب العلمية التي اعطت سبوتنيك v موقعاً متميزاً على سلم اللقاحات الخاصة بمكافحة جائحة “كوفيد – 19″، مع ذلك، فإن الدولة بإطارها الرسمي، أظهرت سابقاً عدم نية للتعاون بشكل مباشر مع صندوق الاستثمار الروسي المشرف على اللقاحات، وذلك إنطلاقاً من عدة أسباب:
1. الأموال المستخدمة لشراء اللقاحات في لبنان مصدرها “البنك الدولي” الذي لديه قائمة من الشروط والمعايير بطبيعة الحال لادارة استقدام اللقاحات لا تتناسب مع المعايير الموضوعة روسياً، بمعنى أوضح، إن القرض الذي حاز لبنان عليه عبر منصّة covax التابعة لوزارة الصحّة العالميّة لا يغطي إمكانية إستقدام لقاحات من روسيا.
2. القلق اللبناني من العقوبات الاميركية، في ظل وجود قرار أميركي بمنع التعاون مع اي قطاع حيوي روسي، وبهذا المعنى يصبح من الصعوبة تأمين لقاح روسي بإستخدام أموال مصدرها “البنك الدولي” الذي تُعد الولايات المتحدة أكبر مساهم فيه.
وعطفاً على ما ورد، وجد المعنيون في وزارة الصحة اللبنانية أن الطريقة الأسهل لتأمين اللقاح تأتي عبر تكليف “القطاع الخاص” التفاوض مع “الصندوق الروسي للاستثمار”، ولذلك صدر التكليف، وبوشر التفاوض منذ شهر تقريبًا، مع العلم أن شركات استقدام دواء محلية لبنانية، كانت قد باشرت بالتفاوض مع الجانب الروسي منذ ما يقارب 5 اشهر.
وبحسب معلومات “ليبانون ديبايت”، وصل التفاوض إلى نتائج ملموسة وشبه نهائية، ويبقى حاجزٌ وحيدٌ أمام تحقيق هدف استقدام اللقاح، وهو صدور القرار بالإجازة من قبل وزارة الصحة، للسماح بالبدء بعملية الاستيراد.
هنا، ثمّة شيء ما قد حدث وقاد إلى تغيير سلوكيات الوزارة، من المسارعة نحو تأمين كميات من اللقاح الروسي إلى التريّث، بحيث فوجئ اللبنانيون بإعلانٍ جديد يضرب بعرض الحائط كل المفاوضات السابقة والنتائج التي تم التوصل إليها بين شركات القطاع الخاص اللبنانية والجهة الروسية، ما أعاد المفاوضات إلى نقطة الصفر، بذريعة نية الدولة التفاوض المباشر مع الجهة الروسية المعنية، وهو ما سيؤدي حكماً إلى تأخير وصول دفعات “سبوتنيك”، ما يتعارض مع المرسوم التشريعي الصادر عن مجلس النواب وقرارات وزير الصحة السابقة ذات الصلة، و تندرج ضمن إطار الخشية من احتمال صدور أي قرارات احادية من جانب “البنك الدولي”.
ذريعة الدولة في تأخير البحث مع الجانب الروسي وقلب معايير المفاوضات، تسعى إلى تأمين اللقاح الروسي بطريقة التفاوض المباشر من دولة إلى دولة، رغم أن الجميع يعلم، بمن فيهم الدولة اللبنانية، أنها لا تمتلك الأموال الكافية لتأمين الحصول على اللقاح، بدليل اللجوء إلى برنامج “البنك الدولي”، وهو ما يفتح الباب أمام التكهنات حول الأسباب المباشرة وغير المباشرة لتأخير البحث في إستقدام اللقاح الروسي.
وثمة جانب آخر، فأوساط وزارة الصحة تطلق حججاً “تقنية” للتذرّع بها لتبرير عملية تأخير إستقدام اللقاح الروسي المنشأ، ولعل مسألة “ِشروط النقل والتخزين والتوزيع” تتقدم سلَّم الأسباب المعلنة، فالوزارة تقول أن النقل والتخزين والتوزيع يحتاج إلى درجة حرارة -18 وبالتالي ثمة حاجة إلى إعتماد تقنيات تبريد محدّدة، وهو ما تدحضه بيانات البروتوكول الروسي الخاص بـ”سبوتنيك”.
ويَرِدُ في البروتوكول أن جرعات “سبوتنيك” تنقسم بين “جرعات صلبة (بودرة)” و”جرعات سائلة”. النوع الأول مخصص للاستخدام داخل روسيا ويجب ان يتوفّر من اجل تصنيعه وتخزينه درجة حرارة -18، بينما الجرعات “السائلة” المخصصة للتصدير والاستخدام خارج روسيا لا ينطبق عليها هذا الشرط، إذا تكفي درجة حرارة تتراوح بين 2 إلى 8 درجات لتأمين سلامة المنتج، وهو ما يستطيع القطاع الخاص اللبناني تأمينه بسهولة.
ثم أنه، وبحسب خبراء لـ”ليبانون ديبايت”، التفاوض من دولة إلى دولة يحتاج إلى آليات خاصة ويأخذ وقتاً أطول من المعتاد، سيما في هذا الظرف الاستثنائي وفي ظل إرتفاع الطلب على اللقاح الروسي، وهذا يعاكس إعلان الدولة اللبنانية حاجتها إلى كميات عاجلة من اللقاحات، بالاضافة إلى أن ثمة عاملاً روسياً غير مشجع، يتصل بالضغط الذي تعانيه المصانع ومن ورائها الجهة الروسية الرسمية المكلفة أعمال التفاوض، وهنا تكشف المعلومات أن دولاً كبرى صديقة لروسيا حجزت كمياتها منذ شهور وما زالت حتى اليوم غارقة بتفاصيل المفاوضات على مستوى رؤساء وحكومات، ما يحول دون إنجاز عمليات التسليم.
السؤال الآن: هل فُرِضَ على المستوى اللبناني المعني، الرزوح تحت “سكين” شروط ومعايير الخارج والجهات المقرضة والمانحة، كنتيجة للضغوطات التي مارسها ويمارسها أقطاب “الدولة العميقة” مؤخراً؟ هذا يقود عملياً إلى اعتبار أن الاموال التي تتدفق إلى لبنان تحت عنوان “تأمين اللقاح للبنانيين”، ذات مصلحة في تعزيز وضعية منتج على آخر.