أكد المحلل السياسي التركي، “يوسف بهادر كسكين” في تقرير له نشره على موقع الأناضول أن الرياض تتجه لاستئناف العلاقة مع أنقرة على خلفية تطورات عديدة، بينها خسارة “دونالد ترامب” للانتخابات الرئاسية الأمريكية، مشيرا إلى أن ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، والكاتب الصحفي السعودي الراحل “جمال خاشقجي” قد يعيدان هذا الاتجاه إلى نقطة الصفر مجددا.
وذكر باحث الدكتوراه في معهد دراسات الشرق الأوسط والدول الإسلامية في جامعة مرمرة والمحاضر بجامعة أماسيا, أن النهج الذي اتبعته الرياض بعد العام 2015 تخطى المساعي العقلانية، ووصل في بعض الأحيان إلى حد الاستعداء، فكان الإضرار بالعلاقات الثنائية بين البلدين أمرا محتوما.
وأضاف أن المستجدات التي وقعت خلال الأشهر الأخيرة شكلت مناخا إيجابيا بين البلدين، ودفعت الحكومة السعودية إلى التوقف عن السعي وراء مزيد من المغامرات، وتغليب “عقل الدولة” قبل كل شيء.
وكمثال على هذه المغامرات، أشار “كسكين” إلى النهج الذي اتبعه “ابن سلمان”، الذي صعد لمنصب ولي العهد بالسعودية بعد عامين من تولي والده الملك “سلمان بن عبدالعزيز” مقاليد العرش في 2015، حيث اتبع سياسات لترسيخ سلطته، وانتهج أساليب المغامرة عبر انجراره وراء دولة الإمارات.
وفي عام الصعود لولاية العهد (2017) اشتعلت الأزمة الخليجية، لتعلن السعودية قطع علاقاتها مع قطر، ما انعكس بتوتر في العلاقات التركية السعودية، بعد دعوة أنقرة إلى رفع الإجراءات المتخذة بحق قطر والجلوس على طاولة الحوار.
ومن أبرز أسباب توتر علاقات أنقرة والرياض على صعيد الأزمة الخليجية، اشتراط الدول المقاطعة للدوحة “إغلاق القاعدة التركية في قطر”.
وفي السياق، يشير “كسكين” إلى فتح صفحة جديدة من الأزمات بين تركيا والسعودية مع حلول أكتوبر/تشرين الأول 2018، إثر مقتل الصحفي “جمال خاشقجي” بوحشية على يد فريق إعدام جاء من السعودية داخل قنصلية الرياض العامة بمدينة إسطنبول.
فبعد هذه الجريمة، أكد المسؤولون الأتراك استعدادهم الدائم للتعاون في الكشف عن خيوط الجريمة، وأطلعوا الرأي العام عن كافة المستجدات المتعلقة بالجريمة؛ لكن عدم تعاون الجانب السعودي في التحقيقات أدى إلى تعميق التوتر بين البلدين.
وفي هذه الأثناء، تضمنت تقارير نشرتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “CIA” معلومات تفيد بضلوع مسؤولين سعوديين كبار في جريمة القتل، بينهم “ابن سلمان” شخصيا.
وإزاء ذلك، اتبعت الرياض سياسات مناهضة لتركيا حيال العديد من الملفات بينها المستجدات في سوريا وليبيا وشرق البحر المتوسط والقضية الفلسطينية والعلاقات مع إيران، وصولا إلى الحرب بإقليم قره باغ الأذربيجاني.
كما حاولت السعودية تصعيد التوتر السياسي مع تركيا ليشمل الجانب الاقتصادي، عبر دعم حملات مقاطعة المنتجات التركية، وممارسة ضغوط بحق التجار الأتراك على أراضيها، والضغط على المستثمرين السعوديين في تركيا.
لكن تصريحات “بايدن” الأخيرة وتحركاته تجاه السعودية في العديد من القضايا كمقتل “خاشقجي” وحرب اليمن، بجانب احتمال قيام إدارته بإجراء حوار مع إيران، عززت من اضطرار السعودية لتغليب صوت العقل مؤخرا، حسبما يرى ويتمنى المحلل التركي، خاصة في ظل المشاكل والصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها، حيث ارتفع الدين العام في البلاد 21 ضعفا في السنوات الست الماضية وانخفضت الاحتياطيات إلى 450 مليار دولار.
وخلال المحادثة الهاتفية بين الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، والملك “سلمان”، قبيل استضافة السعودية لقمة مجموعة العشرين العام الماضي، اتفق الجانبان على إبقاء قنوات الحوار مفتوحة، تلاها تصريحات إيجابية متبادلة من البلدين، كانت هي البوادر الأولى لتحسن العلاقات.
ويرى “كسكين” أن مراجعة السعودية لسياستها الخارجية وتبنيها سياسات بناءة قد يلعب دورا في ذوبان الجليد في العلاقات مع تركيا، إذ لن تحقق الرياض أية مكاسب من تمويل الجماعات المناوئة لأنقرة في سوريا وليبيا، وتأييد الأطروحة اليونانية المعادية لتركيا في شرقي المتوسط، كما يمكن لتركيا أن تلعب الدور الوسيط في الحوار بين السعودية وجماعة “الإخوان المسلمون”.
لكن من ناحية أخرى، يلفت المحلل التركي إلى وجود خلافات صعبة بين البلدين، يأتي في مقدمتها قضية محاسبة قتلة “خاشقجي”، حيث يُرى ولي العهد أنه المسؤول عن هذه الجريمة، لكن يبدو أن إصدار القضاء السعودي حكما واضحا بهذا الخصوص غير ممكن، في حين لن تتخل تركيا عن موقفها الإنساني من القضية، ولن تستغل الملف كورقة مساومة سياسية حسب زعمه.
ويخلص “كسكين” إلى أن حل المشكلات بين السعودية وتركيا سيكون أكثر صعوبة إذا تولى “ابن سلمان” الحكم خلفا لأبيه البالغ من العمر 85 عاما.
لكن تعيين ولي عهد جديد أكثر خبرة من “ابن سلمان”، قد يتيح المجال أمام تغيرات كبيرة في السياسة الخارجية السعودية، خاصة مع وجود عدد من الأسماء المناسبة لهذا المنصب من أبناء الملك “سلمان”، وأبناء أشقائه، بحسب المحلل التركي.
غير أن تحقق هذا الاحتمال في المدى القريب يبدو صعبا مع مساعي “ابن سلمان” لترسيخ مكانته في الإدارة السعودية، ما يعني أن قنبلة موقوتة ستظل تهدد استئناف العلاقة السعودية التركية.
المصدر: الأناضول