العهد
“على أميركا إلغاء الحظر حقًّا وبشكل عملي وفعلي ومن دون شروط، حينها سنعود إلى تنفيذ التزاماتنا بالإتفاق النووي”، موقف أكّده المسؤولون الإيرانيون مراراً وتكراراً بشكل صريح وواضح منذ سنوات، فيما الخطوات الأميركية التي تعلنها الإدارة الجديدة بهذا الخصوص ما هي إلّا خطوات “فارغة المضمون” وليست مطلوبة إيرانيًا، وهذا ما يقود إلى وضع التصريحات الأميركية الأخيرة حول سحب طلب سابق لإعادة فرض العقوبات الأممية على طهران وقبولها دعوة أوروبية للمشاركة في اجتماع الدول 5+1 وإيران لبحث برنامجها النووي، في خانة المراوغة والمناورة في تحرّكاتها السياسية، لإيهام العالم بأنّ أمريكا تراجعت واتّخذت خطوات جديّة.
في ضوء تلك التّطورات، يُطرح السؤال عن أهداف أميركا من خطواتها الأخيرة، ليتبيّن أنّ أحد الأهداف هو سعيها لكي تتخلّى إيران عن الخطوات التي اتّخذتها في الآونة الأخيرة، خصوصاً ما يرتبط بتخصيب 20 بالمئة من اليورانيوم، بحسب ما أكّده الباحث في الشؤون الإيرانية الدكتور محمد حسين خليق.
وعن الوعود الأميركية بالعودة إلى الإتفاق النووي، يشير خليق إلى أزمة الثقة من الطرف الإيراني بعد تجربة خاضها مع أميركا، خالفت فيها الأخيرة وعودها، متّبعة سياسة الكذب والنّفاق، حتى فيما وقّعت عليه، وخرجت من الإتفاق خلافاً للعرفِ والقوانينِ الدولية.
وبالتالي فإنّ إيران كما أكّد الإمام السيد علي الخامنئي تريد أفعالاً تترجم في الواقع وليس أقوالاً، وأنّها لن تعود قبل التأكد من صحة خطوات الطرف المقابل وعندما تُرفع جميع أشكال الحظر عن إيران بشكل عملي، وأن إيران هي الطرف الوحيد في الاتفاق النووي التي يحق لها وضع الشروط، لأنها نفّذت جميع تعهداتها خلافًا للجانبين الأميركي والأوروبي.
خطوات غير عملية
عاملان في تقدير خليق يمنعان أميركا من القيام بخطوات عملية تجاه إيران هما:
– أوّلاً: أنّ أميركا تريد أن تبقي لنفسها “ماء الوجه” بعد أن فشلت في المنطقة، سياسياً عسكرياً واقتصاديًا، وهي تريد أن لا تعود إلى الإتّفاق إلّا بعد اكتساب المزيد من نقاط القوة.
وبمعنى آخر، إيران اليوم هي التي تفرض على خصومها الشروط، لكن أميركا تريد العكس أي تريد أن تفرض شروطها على إيران، وحتى الآن لم تتمكّن من ذلك.
– ثانياً: ما يرتبط بالعدو الصهيوني الذي يمارس الضغوطات على الولايات المتحدة، فالعدو يرى عودة أميركا إلى الملف النووي هو فشل آخر يُضاف إلى فشلهم مع الدول الخليجية المطبّعة في المنطقة.
إذاً، بحسب خليق، فإنّ الواقع يقول أنّ بايدن يستطيع قانونياً أن يتّخذ هذه الخطوات لكن سياسياً هناك ضغوطات هائلة عليه.
عودة حقيقة أم مناورة أميركية؟
يشير خليق هنا إلى الإنقسام والشّرخ في الداخل الأميركي، فهناك جبهة تريد العودة إلى الإتفاق النووي لأن بنظرهم أنّ الإنسحاب كان لصالح الجمهورية الإيرانية، وأنّ بايدن كان يَعِد في حملته الإنتخابية بهذه المسألة.
جبهة أخرى متمثّلة باللوبي الصهيوني في الكونغرس والبيت الأبيض، ترى أنّ عودة الإتفاق النووي يعني المزيد من القوة والمكانة الإقتصادية لإيران وحلفائها في المنطقة، وهذا يهدّد الأمن والوجود “الإسرائيلي”.
إذًا، ومهما دارت الاتجاهات والمواقف الغربية، فقد أثبت الموقف الإيراني دائماً ثباته وقدرته على كشف كلّ المؤامرات مهما اختلفت طبيعتها وشكلها سريّة أم علنيّة باطنيّة أم ظاهريّة. هو الموقف الذي حدّد المسار والإستراتيجية “يجب على الولايات المتحدة أن تتحرّك وأن ترفع جميع أنواع الحظر. ومن ثمّ نحن سنرد”، والقاعدة الأساس في هذا المسار “الإلتزام- التطبيق- الإجتماع”، وفق ما أكّده المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده.