عريضة “قواتية” إلى الأمم المتحدة و”الاشتراكي” مع “الجنائية الدولية” “ارتياب مشروع” بالقاضي بيطار واتّساع المطالبة بتدويل التحقيق
عودٌ على بدء… في كل الملفات والاستحقاقات يستنسخ المشهد نفسه في البلد وتجترّ الوقائع نفسها في مقاربة الأحداث، ليبدو اللبناني أمامها وكأنه على مدرجات مباراة معادة، كراً وفراً، على ملعب قوى السلطة، حيث يلهث كل فريق وراء اقتناص أي فرصة تتيح له تسجيل هدف في مرمى الخصم.
هكذا كان الواقع في الاستحقاق الرئاسي الذي استغرق من عمر اللبنانيين سنتين ونصف السنة قبل أن يتمخض الشغور عن “صفر نتيجة” مع ولادة عهد تناسلت فيه الأزمات وتوالت النكبات فوق رؤوس اللبنانيين، وهكذا هو واقع الحال اليوم في كباش التكليف والتأليف الذي لا ينفك يتكرر بانعكاساته السلبية على مصير البلد وأبنائه عند كل استحقاق حكومي، وصولاً إلى الهجمات السياسية المتكررة على الجسم القضائي لتطويعه وتدجين استحقاقاته وملفاته… من “التشكيلات” المختومة بالشمع العوني الأحمر، إلى الهجمة العونية السابقة و”المرتدة” أمس على مجلس القضاء الأعلى في ملف تعيين المحقق العدلي في انفجار المرفأ، حيث صدّ المجلس نهاراً تسمية وزيرة العدل للقاضي سامر يونس المقرب من رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، ليعود ويوافق مساءً على تسميتها القاضي طارق البيطار محققاً عدلياً جديداً، وسط بروز حالة من “الارتياب المشروع” بالأهواء السياسية المحيطة به.
إذ فور شيوع خبر قبول تعيينه ودعوته ليلاً إلى وزارة العدل لتسلّم مهمته كمحقق عدلي في جريمة 4 آب، سرعان ما طفت على السطح شكوك متزايدة حول قدرة القاضي البيطار (الذي يشغل حالياً رئاسة محكمة جنايات بيروت) على التملّص من الضغوط السياسية والحزبية لقوى الثامن من آذار، لا سيما وأنه سليل عائلة ملتزمة في “الحزب السوري القومي”، مع إشارة مصادر معنية إلى أنه كان أيضاً مقرّباً في فترة من الفترات من وزير العدل الأسبق سليم جريصاتي. لكن وإذا كانت ثمة تقاطعات حول التنويه بكونه يحرص على إظهار هامش الاستقلالية في قراراته القضائية عن وصمة التبعية السياسية، لفتت المصادر الانتباه في الوقت عينه إلى أنّ استقلاليته هذه ستكون اليوم “على المحك” بشكل جدّي مع تسلمه ملفاً بحجم قضية انفجار مرفأ بيروت لا سيما وأنه “لم يعد خافياً أنّ قوى 8 آذار تحاول جاهدة طمس الحقيقة في القضية وحصرها بالشق “التقني – التأميني” لتعويض أهالي الضحايا، بعيداً عن الغوص في أي تحقيقات تستتبع تبعات جنائية على المسؤولين في السلطة، كما فُهم من كلام الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله” عشية قرار تنحية القاضي صوان”.
ومن هنا، تسأل المصادر: “هل سيجرؤ القاضي البيطار على استكمال التحقيقات من حيث انتهى القاضي صوان، بما يشمل المضي قدماً في الادعاءات والاستدعاءات للمسؤولين السياسيين والأمنيين المدعى عليهم؟ أم أنه سيعيد النظر فيها ويسلك مساراً مغايراً في التحقيق تجنباً لملاقاة المصير نفسه الذي لاقاه سلفه تحت وطأة الممانعة السياسية لمثول المدعى عليهم أمام المحقق العدلي؟”، وأضافت: “هناك جملة تحديات وامتحانات على طاولة المحقق العدلي الجديد، وأبرزها على الإطلاق كيفية مقاربته للاستدعاءات التي سطّرها صوان، وبنتيجة هذا الامتحان سيتبيّن هل التحقيق العدلي سيُكرم تحت مطرقة البيطار أو سيُهان بالخضوع لسطوة القوى الحاكمة”.
وبالانتظار، يواصل أهالي ضحايا 4 آب تحركاتهم الميدانية أمام قصر العدل رافعين صور الضحايا ولافتات منددة بأداء السلطة الممعنة في “إعدام الشهداء والعدالة”، وطالبوا بمحقق عدلي “يتصف بالنزاهة من دون أن يكون له أي أهواء سياسية”، متعهدين بإبقاء السلطتين السياسية والقضائية “تحت ضغط الشارع” كما توعد رئيس لجنة أهالي ضحايا إنفجار المرفأ، داعياً اللبنانيين إلى مواكبة خطوات الأهالي ميدانياً والإعراب عن التضامن معهم مساء غد عبر إضاءة الشموع على شرفات المنازل على وقع قرع أجراس الكنائس بالتزامن مع صوت أذان المغرب.
لكن، ومع ترسخ القناعة السائدة لدى الأغلبية الساحقة من اللبنانيين بأنّ “تماسيح” السلطة التي لم تذرف دمعة ولم يرف لها جفن أمام كارثة الرابع من آب، لن تسمح بتوصل التحقيق العدلي إلى أي مكان يلامس كشف الحقائق والوقائع المحيطة بتفاصيل استيراد وشحن وتفريغ ونهب شحنة نيترات الأمونيوم والجهات اللبنانية والسورية وغير السورية التي تقف خلفها، وصولاً إلى تبيان الأسباب الحقيقية وراء انفجارها. وعليه، بدأت مروحة المطالبة بتحقيق دولي في القضية تتسع لأنّ “أي تحقيق محلي لن يصل إلى أي نتيجة” كما رأى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أمس قياساً على واقعة “كف يد القاضي صوان بعد وضع العراقيل تباعاً على طريقه”، كاشفاً عن قيام تكتل “الجمهورية القوية” بتوقيع عريضة لتوجيهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة للمطالبة بتشكيل “لجنة تقصي حقائق دولية لكشف ملابسات جريمة المرفأ”.
وفي السياق نفسه، أتت دعوة “الحزب التقدمي الاشتراكي” وكلاء المتضررين في انفجار المرفأ إلى “التفكير الجدي بنقل الدعوى إلى المحكمة الجنائية الدولية لعدم إمكانية التوصل الى أي نتيجة تخدم العدالة والحقيقة في ظل وجود طغمة الفساد الحاكمة”.