بعيداً من إشاعة جوّ من التفاؤل الزائد عن حده، إلا أنه ووفق تصريح وزير الصناعة عماد حب الله بات من الممكن عقد الرهانات الإيجابية على “إمكان” صناعة لقاح كورونا في لبنان إذا ما اتيحت لبلدنا الفرصة واستحصل المصنع اللبناني المعني على الموافقات المطلوبة، مع كامل التأكيد أنه ومن الناحية التقنية فإن لبنان، اسوة بالدول المصنعة للأدوية، في أتم الجهوزية ولديه القدرة الكافية لتطبيق معايير التصنيع المطلوبة كـ”underlicensed” أي المرخص لهم بتصنيع اللقاح بناء على توجيهات الشركة الأساسية، وأنه من الممكن جدا أن يُصنع أحد أهم اللقاحات المطروحة عالمياً في لبنان ضمن قدرة انتاجية عالية الجودة والتي تتوافق حتماً مع معايير منظمة الصحة العالمية.
المصنع المرجح؟!
وعلى أمل أن تُدرج مصانع الأدوية على جدول اهتمامات الممسكين بزمام أمور “الموازنة” و”القروض الدولية” لا بد من الإشارة إلى أن في لبنان 11 مصنعاً للأدوية وهي “شركة مختبرات ألفا ش.م.ل. – شركة ألغوريتم للأدوية – شلهوب فارماسوتيكالس – شفا ش.م.ل. – مختبرات مدي فار – مفيكو ش.م.ل – شركة صناعة الأدوية للشرق الاوسط – فارما أم – شركة فارمادكس ش.م.ل. – فارمالاين – شركة الأمصال اللبنانية ش.م.م. بالإضافة إلى “مصنع بنتا للأدوية BPI” وأروان للصناعات الدوائية ش.م. ل. وهما أكثر المصانع اللبنانية ترجيحاً أن في إمكانهما تقنياً القيام بصناعة اللقاح بحسب استطلاع آراء عرضناه على صناعيين مخضرمين حول سؤال “من هو المصنع الذي ترجحون أن يكون جاهزاً لتصنيع اللقاح؟”.
وما يلفت أن غالبية الآراء كانت متشائمة، اذ اعتبرت أن إعطاء ترخيص لتصنيع اللقاح محلياً ممكن إلا أن السوق المحلي صغير جداً وأي تصنيع يجب أن يكون للتصدير ولذلك يتطلب وقتاً طويلاً للاعتماد من قبل الشركات الكبرى بخاصة لأنها تعطي أولوية التصنيع للبلدان ذات الأسواق الإستهلاكية الكبرى مثل الهند ومصر وأندونيسيا وتركيا.
كما أنه وقبل اعتماد أي تصنيع، على الأغلب ستحضر وفود عدة من منظمة الصحة العالمية ومن الشركة العالمية، تضم خبراء واستشاريين فى مجال تصنيع اللقاحات للقيام بزيارات ميدانية لتقييم ومراجعة القدرة الإنتاجية لخطوط الإنتاج اللبنانية بغض النظر عن قدرة الشركة المصنعة للأدوية تقنياً وذلك لتقويم قدرة لبنان كبلد على إنتاج لقاح كورونا على صعيد الإمكانية الصحيحة وفقاً للمعايير الطبية، ومراجعة معايير التصنيع، تمهيداً لاعتماد منشآت المصنع وهو ما حدث في عدة بلدان منذ عدة أشهر وحتى قبل ثبوت فعالية اللقاحات أي في مرحلة ما قبل التصنيع (السنة الماضية) إذ أن عملية الإنتاج تحتاج على الأقل من سنة إلى 20 شهراً في البلدان الصناعية فكيف سيكون الأمر في لبنان ناهيك عما يأتي من مراحل مراقبة وتسجيل للقاح ومطابقته. لذا، وبناء على ما سبق، لا بد من التفاؤل للمرحلة القادمة فقط بعد سنة على الأقل، ولكن أي تصنيع محلي لن يسند أبداً خطة وزير الصحة حمد حسن لمواجهة كورونا أو تأمين ما يحتاجه لبنان لتطعيم 80% من سكانه لاكتساب “مناعة القطيع”.
وهنا لا بد من الإشارة الى أنه بالفعل، كانت هناك مبادرات سابقة لجائحة كورونا تربط بين أحد المصانع الدوائية والسفارة الروسية لانتاج أدوية مهمة ولقاحات يعتمد بعضها على تقنية التجفيد (أو تحويل اللقاح إلى بودرة قابلة للاستخدام في الإبر مع السائل المحدد). وأنه، وبعد انتاج روسيا للقاح سبوتنيك V، الذي طوّره مركز نيكولاي غاماليا للأبحاث في علم الأوبئة وعلم الأحياء الدقيقة، بالتعاون مع وزارة الدفاع الروسية، تواصلت الشركة اللبنانية من خلال السفارة مع المنتج الأم للبحث في إمكانية تصنيع اللقاح بخاصة أنه تتوافر القدرة التقنية لإنتاج اللقاح الروسي، مؤكدين أنه تم تجيهز الملف التقني قبل أشهر من إعلان وزير الصناعة، إلا أن موضوع التصنيع إن أعطي الموافقة سيكون لمدة سنة، وهو موزع على خمس مراحل: مرحلتان منها يمكن لأي مصنع دوائي في لبنان انجازهما (وهنا من الممكن أن يحصل تعاون ما)، في ما تتعلق مرحلتان بالتكنولوجيا الحيوية المتمثلة في استخدام الخلايا الحية لإنتاج هذا اللقاح الذي هو بتكوينه عبارة عن ناقل فيروسي، إذ يستخدم كركيزة فيروس آخر تمّ تحويله وتكييفه لمحاربة كوفيد-19… أما المرحلة الأخيرة لمراقبة التصنيع وهي المرحلة الأهم لأن الأضرار الجانبية للقاح غير آمن وفعّال قد تفاقم مشاكلنا الحالية بشكل لا يمكن التغلّب عليها لاحقاً.
وزارة الصناعة:”4 شركات”!
ونظراً إلى ارتباط تصنيع اللقاحات بالسياسة والاقتصاد، باعتبارهما محددين لأسبقية اعطاء الدول تراخيص لانتاج اللقاح يقول مدير عام وزارة الصناعة داني جدعون لـ”نداء الوطن” إن هناك أكثر من مصنعين لبنانيين في طور التفاوض مع الشركات المنتجة للقاحات عالمية وأن الأمر لم يعد محصوراً بشركة واحدة أو اثنتين لذا وبالرغم من الأحاديث المتواترة عن توقيع مذكرة تفاهم مع أحد المصانع إلا أن 4 شركات فتحت خطوطاً مع الخارج بهدف الدخول إلى نادي المصنعين للقاحات، لذا “لا داعي للحزورة”. كما أنه يختار عدم البوح عن أسمائها خوفا من اطلاق وعود في الهواء بلا نتيجة بخاصة أن العوامل التي تدعم اعطاء التراخيص للمصانع ليست تقنية فحسب بل تدخل فيها عوامل سياسية واقتصادية وغيرها.
ويضيف جدعون “في هذه السنة أعطينا تراخيص لـ5 مصانع أدوية جديدة (2 في بعلبك، 2 في طرابلس، 1 في الجنوب) إذ يبدو أن الإقبال على صناعة الأدوية محلياً مهم جداً في هذه المرحلة بخاصة مع الأزمة الإقتصادية غير المسبوقة والحاجة الماسة لوجود مصانع أدوية إذ أن المصانع الحالية تغطي فقط ما نسبته 7% من احتياجات السوق المحلي إذ يوجد في لبنان نحو 5500 دواء كلها مُرخّصة ومُسجّل لدى وزارة الصحّة، من ضمنها 15% مُصنّعة محلّياً و85% مستوردة. بالإضافة إلى أن حجز المصارف اللبنانية للودائع دفعت بالبعض لشراء أراضٍ صناعية والتوجه فعلياً نحو الاستحصال على ترخيص إنشاء مصنع دوائي. كما أن المصانع اللبنانية قامت بجهد جبار لتغطية بعض من أدوية بروتوكول كورونا التي احتاجتها المستشفيات في ظل انقطاعها من السوق أو حتى وجودها في السوق السوداء”.
وهنا نشير إلى أن أهم الأدوية اللبنانية التي ساعدت في مواجهة وباء “كورونا” هي مثلاً، دواء “أسبيكوت” أو “أسبروثين” لتسييل الدم ، ودواء “أزيسين” و”زيفلين” الذي يستخدم لعلاج أنواع مختلفة من الالتهابات البكتيرية وهو مضاد حيوي من نوع الماكروليد. والدواء المحلي الصنع “كورفاكين” وهو بديل من “هيدروكسي كلوروكين” الذي تضاعف سعره بعد أن كان يُعتمد في السابق لعلاج المالاريا وبات يعتمد في التخفيف من وطأة فايروس كورونا. بالإضافة إلى دواء لبناني اسمه “بريديكور” وهو بديل “بريدنيزون” لعلاج اضطرابات الدم ومشاكل التنفس والحساسية الشديدة واضطرابات الجهاز المناعي. كما استطاعت المصانع اللبنانية تأمين بديل دواء “باراسيتامول” عبر ثلاثة أدوية هي “فيبرادول، باينول ودولوبان” بالإضافة إلى توفير جميع الأمصال المستخدمة في المستشفيات وهو ما يؤكد أن قطاع صناعة الأدوية في لبنان يحتاج إلى دعم فقط فهو أثبت نوعيته وجودته في السوق المحلي منذ مدة.
كما أوضح جدعون أن صناعة الأدوية في لبنان “صناعة متطورة تستطيع منافسة أهم الشركات العالمية بل تباع الأصناف اللبنانية إلى شركات عالمية ويتم تصديرها إلى بلدان أفريقية ودول عربية وأوروبية وحتى إلى أميركا اللاتينية إلا أنه يمكن أن يتم دعم القطاع بشكل أكبر على المستوى المادي وآلية التسجيل والتسعير والتسويق”. وهنا نسأل ما المانع من اقتطاع جزء من أموال البنك الدولي المخصصة لكورونا لدعم مصانع الأدوية المحلية والتي “تجاهد صناعياً” لتأمين أدوية بروتوكول كورونا البديلة عن تلك التي تحولت إلى السوق السوداء؟ وما المانع حتى من الدخول كدولة في استثمار مالي معها لتغطية قسم أكبر من 7% من السوق المحلي والذي يمكن أن يدر الأموال على الخزينة ويكسر بعضاً من الإحتكار؟ ولماذا لم نشهد حتى الساعة تدخلاً من وزير الصحة لدعم مسيرة المصنع اللبناني على الرغم من أنه قد التقى في خلال هذا الأسبوع السفير الروسي لاستقدام نفس اللقاح الروسي “سبوتنيك” إلى لبنان في ضوء قرار صندوق الاستثمار الروسي إتمام التعاون في هذا المجال؟