من هو “الفدائي” الذي سيخلف القاضي صوّان بعد تنحيته؟

 

ملاك عقيل -أساس ميديا

مع قرار محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضي جمال الحجّار، نقلَ الدعوى في ملفّ التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت، من يد المحقّق العدلي القاضي فادي صوّان الى قاضٍ آخر، تدخل “قضية المرفأ” في متاهة التفتيش عن محقّق عدلي جديد، تطلّب “التوافق” عليه سابقًا جولات من الأخذ والردّ و”التنتيع” بين وزيرة العدل ماري كلود نجم، ومجلس القضاء الأعلى.

اليوم يَجزم قضاة كبار بأنّ القاضي الذي سيتسلّم التحقيقات سيكون “فدائيًّا”. والمُهمّة لن تكون نُزهة ولا “دعاية” تقوّي أسهم القاضي المكلّف، بسبب حساسية الملفّ وخطورته. فرئيس محكمة جنايات بيروت القاضي طارق بيطار مثلًا، كان من الذين رفضوا سابقًا التكليف بقرارٍ شخصيّ منه.

الملفّ “يَحرق”، عبارة تُسمع على لسان كثيرين. ووفق متابعين فقد يرفض قضاة متابعة التحقيقات لسببٍ أساس، يكمن ربما في قناعة هؤلاء بأنّ “العدالة كي تتحقّق، يجب أن  تجرّ رؤوسًا سياسية وأمنية وقضائية  كبيرة إلى قوس المحكمة،  بتُهمة الإهمال والتقصير. ولأنّ تطبيق القانون، إذا انتهى الأمر بتهمة الإهمال الوظيفي، لن يشفيَ غليل الشهداء في قبورهم ولا أهالي الضحايا”.

الخطوة الأولى ستبدأ من وزيرة العدل، التي تقترح الاسم، على أن يحظى بموافقة مجلس القضاء الأعلى. وقد كان هذا الموضوع محطّ نقاش أمس خلال لقاء نجم رئيس الجمهورية في بعبدا.

ومن الأسماء المطروحة لخلافة صوّان القاضي كلود غانم الذي لمّح إلى عدم رغبته بتولّي هذا الملفّ بعدما جسّ البعض نبضه، والقاضية سمرندا نصّار التي تدور في فلك “التيار الوطني الحر” دون تورية، والعضو الأسبق في مجلس القضاء الأعلى القاضي جون القزّي، وهو الأقرب إلى الحياد في تولّي هذا الملف.

وبالأمس تبلّغ القاضي صوّان قرار الغرفة السادسة في محكمة التمييز تنحيته بناءً على دعوى الارتياب المشروع. وهذا يعني كفّ يده فورًا عن الملفّ، ما يعلّق التحقيقات في جريمة المرفأ حتّى تعيين محقق عدلي جديد.

واقعٌ يُدخِل الحقيقة المنشودة في نفق المماطلة والتمييع، وأيضًا يؤخّر بتّ أوضاع عددٍ من الموقوفين الأبرياء الذين لا يزالون قيد التوقيف منذ أشهر.

وصدر القرار بالأكثرية بموافقة الرئيس الحجّار والعضو إيفون بو لحود، ومخالفة القاضي فادي العريضي له. وتزامن ذلك مع موافقة النيابة العامة التمييزية بشخص النائب العام عماد قبلان، على طلب تخلية سبيل رئيس اللجنة الموقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت حسن قريطم، ورئيس مصلحة الأمن والسلامة في المرفأ محمد زياد العوف، المُدّعى عليهما في القضية. دون أسبب مفهومة للقرار وللتوقيت ولماذا قريطم وعوف من دون غيرهم من الموقوفين.

وقد أتت هذه الخطوة بعد أكثر من شهرٍ ونصف الشهر على ردّ محكمة التمييز الجزائية طلب وقف السير في إجراءات التحقيق،  وإعادة الملفّ إلى القاضي صوّان لاستكمال تحقيقاته، والتي كان قد جمّدها في 17 كانون الأول الماضي، إثر تقديم النائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل طلب تنحيته بدعوى الارتياب المشروع.

وبعد استئناف صوّان تحقيقاته في 11 الجاري بالاستماع الى إفادة قائد الجيش السابق جان قهوجي كشاهد، ثم استدعاء المدير العام بالتكليف لإدارة واستثمار مرفأ بيروت باسم القيسي، صدر قرار تنحيته في اليوم نفسه الذي كان يُفترض أن يستمع إلى إفادة وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس كمدّعًى عليه في القضية.

الأخير أعلن رفضه المثول أمام المحقّق العدلي، على اعتبار أنّ طريقة الاستدعاء مخالفة للقانون. كما رفض سابقًا كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والنائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر المثول أمامه.

واستندت محكمة التمييز في قرارها الذي يقع في 50 صفحة (يتضمّن ردود كل أفرقاء الدعوى المتضرّرين ونقابة المحامين وردّ القاصي صوّان) على أنّ “المحقق العدلي أقرّ في جوابه للمحكمة، بواقعة تضرّر منزله نتيجة الجرائم موضوع الدعوى التي يحقق فيها، حيث أكّد أنّ الأضرار اقتصرت على الماديات، وأنّه قام بإصلاحها وتابع عمله كمحقّق عدلي في القضية بصورة طبيعية ومن دون أيّ انحياز”.

ووفق القرار فإنّ “المحقّق العدلي، وإن لم يتّخذ صفة الإدعاء الشخصي، يُعتبر متضرّرًا شخصيًّا لثبوت حصول أضرار مادية مباشرة في منزله، ما قد يشكّل سببًا يبرّر الارتياب بحياده”.

ورأى القرار  أنّ “هذا الوضع وبسبب الطبيعة البشرية، سيصعّب على المحقّق العدلي اتّخاذ القرارات في الدعوى مع المحافظة على تجرّده، من دون أيّ ميل، ما يجعل ارتياب المستدعيَيْن المدّعي عليهما في حياد المحقق مشروعًا”.

واستندت محكمة التمييز في قرار نقل الدعوى بشكل أساس، على مخالفة القاضي صوان الصريحة وغير المبرّرة  لنصّ المادة 40 من الدستور، والمادة 79 من قانون تنظيم مهنة المحاماة: فالمادة 40 من الدستور تنصّ على عدم جواز مباشرة أيّ إجراءات جزائية في حق النائب ضمن دور الانعقاد العادي لمجلس النواب، إلا بإذن من المجلس. وصوّان تجاوز واقع أنّه حين ادّعى على النائبين زعيتر وعلي حسن خليل كان المجلس في عقدٍ عادي، وبالتالي لا يجوز له تحريك دعوى الحقّ العام في حقّ النائب إلا بعد إذنٍ من المجلس.

ولحظ القرار مخالفة صوان نصَّ المادة 79 من قانون تنظيم المحاماة. فالنائبان هما محاميان والمادة المذكورة تمنع الملاحقة الجزائية قبل الاستحصال على إذن بالملاحقة من نقيب المحامين. وهذا الإذن لم يؤخذ.

والحيثيات التي استندت إليها محكمة التمييز لطلب نقل الدعوى إلى قاضٍ آخر، هي غيض من فيض من سلسلة اتهامات وُجهّت إلى القاضي صوّان بُعَيد تعيينه محققًا عدليًّا في 13 آب الماضي.

وفيما ثبّتت المحكمة مخالفته الدستور والقوانين بشكل يصعب معه تبرير سقطات كهذه لقاضٍ مشهود له بكفاءته، فإنّ أداء صوّان بشكل عام، خضع لمحاكمة علنية، بسبب تخبّطه وعدم اعتماده استراتيجية منطقية كان يمكن أقلّه أن تدفع أهالي ضحايا المرفأ إلى مساندته ودعمه، لكنه في الواقع لم يكسب  ثقة أحد في “مهمّته الانتحارية”. مع العلم أنّ من تظاهروا بالأمس أمام قصر العدل اعتراضًا على كفّ يده، باسم “أهالي الضحايا”،  كانوا قد اعترضوا على أدائه وتظاهروا أمام منزله قبل أسابيع رفضًا لتعليقه التحقيقات. وقد تنحّى صوان وفي سلّته 37 مُدّعى عليهم، من بينهم 24 موقوفًا وجاهيًّا واثنان غيابيًّا.

“الباقة” السياسية من الادّعاءات، قذفت بجريمة المرفأ إلى ضفّة التسييس، وأدخلت الملفّ في متاهة الاصطفافات الحزبية والسياسية التي أثّرت بشكل مباشر على مجرى التحقيق.

كما أنّ صوّان فشل في إقناع الرأي العام وحتى الطبقة السياسية بمساره الاستنسابي في الادّعاء، إذ ركّز على الهوامش وأهمل الأساس. كما فشل التحقيق حتّى اللحظة في تقديم أجوبة عن مسار الباخرة، والمسؤول عن إدخال نيترات الأمونيوم، وتأمين “الحماية” لها منذ العام 2013. إضافة إلى الاتّهامات التي وُجّهت له بالوقوع في كثير من التناقضات، ودخوله دائرة التردّد والتأثّر  بالشارع  والوشوشات السياسية، وإصدار لائحة ادّعاءات بحقّ سياسيين، متناسيًا مسؤولين سياسيين وأمنيين آخرين. والأهمّ عدم مثول أيّ قاضٍ أمامه.

 

Exit mobile version