“ليبانون ديبايت” – ميشال نصر
بحجم انفجار الرابع من آب، كان قرار محكمة التمييز بتنحية القاضي فادي صوّان عن التحقيق بانفجار المرفأ، في دولة امتهنت “نَحر” شهدائها مرّات ومرّات، سلطة لم يعد من شكّ أن القائمين عليها تحوّلوا من فاسدين إلى مجرمين، وشعبها إلى محتجّين ثم لا تلبث أن تبرد همّتهم فيستسلمون لقَدَرِهم، في بلد حيث لكل ملف ارتيابه.
فرحلة “طَمس الحقيقة” على طريق “تسكير” الملف، بدأت منذ الساعات الأولى للجريمة، مع “الجزم الأمني” بأسباب الإنفجار قبل أي تحقيقات، وإغراق الإعلام بكميات كبيرة من المعلومات للتضليل والتشويش، واستُتبِعت سياسياً بحملة “تَخوين” ضد المطالبة بتحقيق دولي جدّي، مقابل “مَزحَة” مُشارَكة أجهزة غربية بالتحقيقات الفنية، ولم تنتهِ مع شدّ الحِبال الذي رافق تعيين محقّق عدلي للجريمة. وهنا، لا حاجة للتذكير بمهلة الخمسة أيام، فإذا بهم “يُصَفّون” القضية بستة أشهر. فأين بعض الوزراء الذين كبّروا الحجر لدرجة تهديدهم بالإستقالة؟
قد يكون القاضي صوّان، الذي فُتِحَت بوجهه أبواب جهنّم منذ لحظة تعيينه، شارك شخصياً في عملية “نَحر نفسه” من خلال “الإيقاع” الذي اتّبعه في مسار تحقيقاته، و”الفاولات” التي ارتكبها، رغم امتلاكه لورقتين قويتين كافيتين لقلب كل الموازين، إذ لم يَجِد استخدامهما، الأولى دعم الرأي العام اللبناني له، والثانية، العين الدولية المفتوحة.
غير أن أخطر ما ارتكبه القاضي صوّان، هو في تخطّيه الخطوط الحمراء في ثلاث نقاط أساسية: نسفه لنظرية الأجهزة الأمنية حول حقيقة ما حصل وما كان، سقف الإستدعاءات “العالي” الذي شكّل خطراً على الطبقة السياسية التي “تخبّت” خلف حصانة ساقطة أمام هول الكارثة، وأخيراً ما أصدره بحقّ رجال الأعمال السوريين، بعدما بات واضحاً وجود “رائحة” تدلّ إلى علاقة ما للجانب السوري.
لكن إلى أين بعد قرار محكمة التمييز؟ الأكيد أن القرار المُتّخذ جرى التمهيد لإصداره منذ يومين مع تسريب وثائق تثبت أن القاضي صوّان من المتضرّرين شخصياً من الإنفجار، ما يدعم الحِجّة القانونية للمدعى عليهما الوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زغيتر. من الواضح أن الهدف الأساس “للتواطؤ” السياسي – القضائي الحاصل، هو وقف التحقيق بحكم الأمر الواقع، لعدة أسباب.
وهنا يُطرَح سؤال مهم، كيف سَتردّ وزيرة العدل؟ وهل ستلتزم بقرار محكمة التمييز؟
من الثابت أن الكرة باتت في ملعب وزيرة العدل، فيحقّ لها الموافقة على قرار محكمة التمييز بتنحية صوّان، أو الإصرار على إبقائه وباستطاعتها ذلك (أتاح لها ذلك القاضي العريضي في صفحاته ال ٢٣)، كون قرار تعيينه جاء نتيجة مرسوم إحالة الدعوى إلى المجلس العدلي، أي نتيجة عمل حكومي، وباستطاعتها الإصرار على التعيين وعدم استبداله، كما يحقّ لها الإستبدال والإتفاق على إسم آخر مع مجلس القضاء الأعلى.
غير أن الأخطر، فهو الغمز الذي سارع إليه البعض حول سيناريو تعطيلي قوامه حملة مركّزة عنوانها تصريف الأعمال، والإجتهاد حول ما إذا كان يحقّ لوزيرة العدل في هكذا وضع، اتخاذ قرار تعيين محقّق عدلي جديد.
في كل الأحوال، وفي انتظار ما ستحمله الساعات القادمة، أكد مصدر أميركي، أن واشنطن تتابع عن كثب خطوات الحكومة اللبنانية، لتبني على الشيء مقتضاه، مؤكداً أن اتصالات ستجري مع “الأصدقاء” لاتخاذ الإجراءات اللازمة، ولوفاء واشنطن بالتزاماتها تجاه الشعب اللبناني، خصوصاً أن المسؤولين الأميركيين شدّدوا دائماً على ضرورة إجراء تحقيق شفّاف ومحاسبة المسؤولين عن “النكبة” التي لحقت ببيروت.
في ضوء كل ذلك، تُطرَح جملة تساؤلات: كيف ستكون ردّة الفعل الدولية؟ والأهم ماذا سيكون عليه موقف أهالي الضحايا بداية، وكيف “سَيُسَيِّل” اللبنانيون حفلات التضامن التي طالما قامت منذ ٦ أشهر مع المتضرّرين؟ هل نشهد انطلاق شرارة انتفاضة قضائية؟ وهل نحن أمام انطلاق الثورة الحقيقية التي ستطيح بالطبقة الحاكمة؟ ماذا ستكون عليه مواقف الأطراف السياسية؟ وإذا كان القاضي صوّان قد تعرّض لموجة انتقادات، فمن يضمن أن لا يكون البديل، في حال وجد،” مدجّنا” ؟ وهل إطلاق الموقوفين هو بداية لإقفال الملف؟ أو ليس هناك من بين الموقوفين من هم أقلّ ارتكاباً من المطلق سراحهما؟ وماذا عن باقي الموقوفين؟ وأخيراً وليس آخراً، هل من تواطؤ بين صوّان والتمييزية أفضى إلى هذا الإخراج؟ أم هي لعبة “عبقرية من صوّان لإخراج نفسه من الملف؟ ألأسئلة كثيرة، ولكن لن يستطيع أحد الإجابة عليها، على الأقلّ في المدى المنظور.
فَرحة الشامتين “واصلة لقرعتهن”، وكثيرون من المعنيين يضحكون بعبّهم بعدما نَفَدوا بريشهم ولو مؤقتاً، و”دموع تماسيح” المسؤولين بانت على حقيقتها. لكن”هالمرة ما رَحّ تِسلَم الجرّة”، فهو “ُيمهِل ولا يُهمِل”، على ما يقول الشاطر حسن.
فبالتأكيد لن يعفي الله هذه المرة عما مضى، وسيضحك من يضحك أخيراً.
صحيح أن الطبقة الحاكمة ربحت جولة، لكن ربحها للحرب متوقّف على ردّة فعل الشارع.
شارع رضي أن يُجهض ثورته عقب الرابع من آب، رئيس فرنسي اختار مصالح بلاده على حساب دماء لبنانيين وأرزاقهم، فهل يعيد اللبنانيون الكرة؟ أرادوها معركة فلتكن, فيا ناطرين شو ناطرين؟