“ليبانون ديبايت” – عبد الله قمح
لغاية تاريخه، لم يصدر عن “حزب الله” بياناً تناولَ فيه الذكرى السنوية لتفاهم “مار مخايل” الذي جمعه مع “التيار الوطني الحرّ” في 6 شباط 2006، على الرغم من مرور أكثر من 10 أيام على موعد الذكرى، وعلى الأعم الأغلب لن يصدر، وقد تصبح الذكرى في المستقبل القريب مجرّدة من الإهتمام الإستثنائي الطابع، وهذه مفارقة.
من جملة المفارقات التي يمكن تسجيلها أيضاً، أن المظاهر الإحتفالية التي كان يتولّى الحزب تظهيرها، وكانت أقرب إلى مشهد تقديم القرابين الإحتفائية والتغنّي بحدث استثنائي، قد غابت عن منطقه وشاشته وإعلامه هذا العام، ما أنذرَ بأن الأحوال مع “الشريك الماروني” ليست على ما يرام، بل على العكس، تقدّم المشهد “جيش” من “النشطاء المشكّكين ” بأدوار “حزب الله” داخل الحلف، من الذين يريدون أن يملوا عليه مواقفه السياسية، وقد جاء ذلك معطوفاً على تناول ميرنا الشالوحي للذكرى بشكلٍ مُلتَبِس، فأوردت تعليقها عليها في ذيل بيان المجلس السياسي “الطويل” ما أوحى أنها في “كعب” لائحة الاهتمامات، وكان أقرب إلى مراسم “النَدب والعزاء” استناداً إلى ما تضمّنه من استنتاجات بعد مرور 16 عاماً على التفاهم، كالقول أنه ” لم يؤدِ غايته في بناء الدولة، وفشل”. والصحيح، أن الإتفاق لم يكن مخوّلاً تأمين ظروف بناء الدولة من طرف واحد أصلاً، بل كان طامحاً إلى فتح الباب أمام مشاركة أكثر من طرف.
عملياً، لدى “حزب الله” “نَقزة” تتولّد من وراء مواقف “التيار” المستجدّة، وقد أفصحَ مسؤولوه عنها خلال أكثر من اجتماع عُقدَ لغاية التنسيق بين الجانبين في أكثر من زمان، وقد كانت قيادة “التيار” تبرّرها حينذاك وتضعها في إطار “الحثّ”، إلى أن جاء زمن تناولها من قبل أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله، خلال مناسبة أساسية، “الشهداء القادة”، حين أفصح عن “ارتيابه المشروع” من النَهج المتّبع، مُبدياً انزعاجه من التصريحات التي تخرج عن بعض مسؤولي “التيار”، والتي لا يوافق عليها الحزب، وهذا يمكن عطفه على سياق طويل من “التمايز” الذي تعتمده ميرنا الشالوحي، رغم أنها بقيت، حتى الأمس القريب، موضع تفهّم من جانب الضاحية، على اعتبار أن ضرورات “التيار” يُمكن أن تبيح بعض المحظورات، ولكن الغرق في مستنقع “جَلد الحزب” سيؤدي إلى دفع استنتاجات أخرى لمقدمة المشهد.
ما يمكن الإستدلال إليه من كلام السيّد، أن “الصَدر ضاق” من تناول “التيار” المسائل الداخلية في الهواء الطلق، ومن دون مراعاة الشريك أو العودة إليه، سيما أن التيار يعلم أنه يتمتّع بالحرية الكاملة في عرض هواجسه “من دون سقف”. ما عليه، يُعَدّ كلام السيد تجاه مقاربة العلاقة مع التيار “سابقة” لناحية تحالفات الحزب وعلاقاته الداخلية، وهو تعبير صرف من أن الحزب ما عاد يطيق كيّه أمام العامة، في ما ينسحب عن عملية الكيّ تلك، من تشنّجات عبر مواقع التواصل.
في الواقع، حاول “حزب الله”، وعلى مرّ فترة ليست بالقصيرة، إيجاد وابتكار معالجات على سبيل “ترشيد” العلاقة مع ميرنا الشالوحي، وقد أسّسَ ذلك لاحقاً إلى تفهّم الضاحية دعوات الحليف لـ”تطوير التفاهم” رغم أنها كانت تأتي عبر الإعلام، وقد قام لهذه الغاية بتكليف 3 شخصيات (النائب حسن فضل الله ومسؤول وحدة العلاقات الإعلامية الحاج محمد عفيف ورئيس المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق عبد الحليم فضل الله، انضمّت إلى لجنة “التيار” المؤلفة من النائب آلان عون والوزير السابق سيزار أبي خليل) كي تنطق عن لسان الحزب، و مخوّلة تقديم شروحات وإيضاحات واقتراحات حول طريقة تفكير الحزب ورؤيته لتطوير التفاهم. مع ذلك، لم يحصل أن التأمت اللجنة لغايته، والتبرير المنطقي يعود إلى أسباب ما خلّفه وباء كورونا. ورغم ذلك، لم يَنجُ الحزب من الإتهام من فعلة التعطيل على خلفية عدم انعقاد اللجنة، لا بل وصل الأمر ببعض “التياريين” إلى حدّ نفي العلم بوجود لجنة أصلاً، وتكرار دعوتهم عبر الإعلام للحزب بتعيين من يَنوب عنه لتعديل صيغة التفاهم!
مشكلة “التيار”، يمكن تلخيصها بالآتي: يريد إصدار مذكرة “جَلب” بحق الحزب وإحضاره إلى الطاولة لكي يناقش ورقة سبق لميرنا الشالوحي أن أعدّتها، حتى يبدي رأيه فيها، من دون إتاحة الفرصة للحزب كي يُعدّ ورقته الذاتية، أو يتفاهم مسبقاً مع ميرنا الشالوحي حول جدول الأعمال المفترض.
أضف إلى ذلك، أن التيار، أو بعضه كي لا نجزم، يستخدم سياسة الإبتزاز بحق الحزب. فما معنى مثلاً، أنه، وفي ذورة الدعوة لـ”تعديل التفاهم”، تخرج ألسنة تنتقد أدوار بعض الشخصيات الشيعية التاريخية سيما في جبل عامل، وتسرد تفاصيل مُشوّهة عن تاريخهم، وتُسقِط عليهم صفات القتل والإجرام والخروج عن القانون، بينما في الواقع هي شخصيات، تحتل في الوجدان الثقافي الشيعي المتوارَث مكانة هامة، كشخصيات استقلالية ناهضت الإستعمار؟
مع ذلك، ما بَرِحَ “حزب الله” منطقة القبض على الجمر والجرح، ولغايته، يرفض اتخاذ أي خطوة قد تفسّر بمثابة موقف ضد “التيار” أو “تزعله”، بشهادة الحيطة والعناية التي اعتمدها السيد نصرالله في تناوله ملف العلاقة مع ميرنا الشالوحي، وما يتعامل به مسؤولو الحزب، من قبيل تنفيذ قرار مبطّن يقضي بعدم ترك “بقعة الزيت” شبه الخارجة عن السيطرة والضوابط في العلاقة بين جمهوري الحزبين تتمدّد، وهو ما يندرج تحت خانة النوايا السليمة.
لكن ذلك، لا يعني أن الحزب سيبقى ملتزماً دائرة الصمت، فالتمادي في تجريحه لا يعني بالضرورة فتح أبواب الإعلام على مصراعيها، بل سيقدّم رسائله ومواقفه حيث يجب أن تُقَدَّم، ونحن نجزم، أن “التيار” لا مصلحة له في إقحام نفسه في جردة حساب مع “حزب الله” الذي عنده الكثير ليقوله، داخلياً وتحت سقف التفاهم، فمن امتلك كتلاً نيابية ووزارية عريضة وجيشاً من الموظفين والمدراء طيلة 15 عامًا لا يحقّ له إلقاء اللوم واتهامات الفشل على الحلفاء، بل يجدر به تحمّل المسؤولية، والكفّ عن بيانات “النَدب”.