خالد البوّاب -أساس ميديا
يحبّ الرئيس سعد الحريري أن يظهر بالصورة التي رسمها حول نفسه مؤخرًا، ممسكًا بورقة قوية في الداخل وهي التكليف بتشكيل الحكومة، يمثّل حاجة وضرورة لقوى مختلفة أبرزها: حركة أمل، والحزب التقدمي الاشتراكي، وتيار المردة، وغيرها.
تسند هذه الصورة زياراته الخارجية إلى الإمارات ومصر، ففرنسا والدوحة، بالإضافة إلى تحضيره لزيارة الكويت، وسلطنة عُمان والعراق. يعطيه ذلك دفعًا يجعله قادرًا على ترسيخ انطباع في عقول الجمهور، بأنّه يستعيد بعضًا من دور والده. خصوصًا أنّ الظرف في المنطقة تتداخل فيه ملفات متعددة ومتشعّبة، لبنان جزء أساسيّ منها.
لا يأخذ الحريري على عاتقه خوض معارك سياسية استراتيجية، خصوصًا بوجه حزب الله ومن خلفه إيران. إذ إنّه ينتظر من الإدارة الأميركية الجديدة أن تذهب إلى حوار مع طهران، وهذا يعني أنّه سينتظر ومعه اللبنانيون أشهرًا طويلة. رغم ذلك فإنّه يحصر معركته بمواجهة رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل.
هكذا يقدّم نفسه كخيار وحيد للمبادرة الفرنسية، وكعنصر أساسي من عناصر نجاحها وتوفير فرص الموافقة عليها عربيًّا. وزيارته العاصمة القطرية الدوحة تأتي في سياق هذا الفالق الأساسي في التواصل بين قوًى متناقضة، لا سيما في ظلّ طموح قطر بلعب دور تفاوضي بين الولايات المتحدة وإيران.
زيارة الدوحة لا يمكن أن تندرج في خانة سعي الحريري لاستعادة علاقات لبنان الخليجية والعربية، لأنّ قطر لديها علاقاتها الثابتة مع لبنان. وقبل أيام زار وزير خارجيتها بيروت، والتقى رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحرّ. فيما تفيد بعض المعلومات عن لقاء عُقد بين الوزير القطري ووفد من حزب الله. كما أنّ قطر حضرت سابقًا في محطات عديدة إلى لبنان، بعد انفجار المرفأ، أو في قمة بيروت الاقتصادية في العام 2019. توجّهه إلى هناك، نوع من تعزيز موقفه، وحشد المزيد من المواقف الداعمة له بعد شرح وجهة نظره.
لا يمكن للحريري أن يذهب إلى قطر طالباً وساطتها مع إيران لتسهيل تشكيل الحكومة. تواصله قائم مع حزب الله، وهو يعتقد أنّه قادر على تحصيل ما يريد، بضماناتٍ من الحزب وموقف علنيّ من أمينه العام، برفض الثلث المعطل في جيبة فريق واحد، وتفهّم تمسّكه بوزارة الداخلية، مقابل دعوة إلى رفع عدد وزراء الحكومة إلى عشرين أو 22. ربما قد يكون هذا أحد الجوانب التفصيلية في بحثه مع القطريين. لكنّ لبنان كما هو معروف ودرجت العادة، ملف يرتبط بجملة ملفات في المنطقة، لا يمكن أن ينفصل عنها أو عن تطوراتها. وهو من ضمن الأوراق الرئيسة التي تمتلكها إيران في أيّ مفاوضات تخوضها. لذلك تعرف طهران قدرتها ومكانتها فتتدلّل… وصولًا إلى الموقف الذي نُقل عن وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، بأنه لا يحقّ لماكرون التدخل في لبنان. الموقف يتيم، نُقل عنه في روسيا، ولكنه ليس تصريحًا رسميًّا، ومصادر إيرانية تقول لـ”أساس” إنّ مثل هذا الكلام “جِدّي وغير مستبعد، وله هدف واضح ومحدّد”.
هدف تسويق هذا التصريح، القول للفرنسيين إنّه لا يمكن القيام بأيّ خطوة في لبنان من دون التعاون مع إيران. تتعاطى طهران على قاعدة أنّ باريس تحتاج إلى تعاونها، وإيران وحدها القادرة على تسهيل المبادرة الفرنسية، إلّا أنّ موقف ظريف غير الموثّق، أرادت طهران من خلاله إيصال رسالة واضحة إلى الفرنسيين، بأنّه لا يمكن استخدام لبنان لمواجهة إيران. وهو موقف تصعيدي إيراني، بسبب ما يعتبره الإيرانيون خروجًا فرنسيًّا على الدور الأساسي الذي لعبته فرنسا سابقًا، في إرساء آلية التعاون المشترك ما قبل الإتفاق النووي.
غير ذلك، فإنّ إيران تحذّر الفرنسيين من التفرّد في أيّ مبادرة أو نفوذ في لبنان. ومن الثوابت أنّ طهران لم تقدم أيّ تنازل لتسهيل مبادرة الفرنسيين، إنما التفاوض الأساسي تريده أن يكون مع الأميركيين، في تكرار واضح ومباشر لتجربة تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام. لذلك لم يحِن موعد تشكيل الحكومة اللبنانية بعد. على الرغم من تأكيد المعلومات أنّ الإيرانيين أبلغوا الروس كما كل القوى بأنهم لا يغطّون باسيل في المطالبة بالثلث المعطل.
قطر تعلم أنّ إيران لن تقدّم أيّ تنازل لباريس، أو لغيرها، وأنّ هدفها الأساسي التفاوض على ملفات متعددة مع إدارة جو بايدن. لذلك تتحرك الدوحة على خط طهران – واشنطن، فتحاول لعب دور أساسي في أيّ مفاوضات مستقبلية، ووراثة الدور الذي كانت تلعبه سلطنة عُمان سابقًا. لا تتحرك قطر في لبنان فقط، إنما تتحضر للقيام بمبادرة سياسية حول ملف اليمن، الذي قد يكون له ارتباط مباشر مستقبلًا مع لبنان. بناءً عليه جاء التحرك القطري باتجاه لبنان، وتحرك الحريري باتجاه الدوحة، لأنّ كلّ طرف يريد حجز موقعه للمستقبل ولو كان بعيدًا.