الوقت – التوترات المستمرة بين قطر والسعودية والإمارات والبحرين في دول مجلس التعاون في فترة ما بعد المصالحة، قضية تظهر مع مرور الوقت عدم عودة العلاقات بين هذه الدول إلى فترة ما قبل الأزمة في عام 2017.
وفي أحدث التطورات التي تلقي الضوء على برودة أجواء ما بعد المصالحة في دول مجلس التعاون، قام اللواء “قمر جاويد باجوا” رئيس أركان الجيش الباكستاني بزيارة إلى قطر على مدى يومين في 30 يناير لمناقشة القضايا الدفاعية والأمنية والجيوسياسية الإقليمية، كما تحدثت وسائل الإعلام عن زيارة لعمران خان للدوحة في المستقبل القريب.
من ناحية أخرى، أثار التقارب بين دول مجلس التعاون والهند خلال العام الماضي مخاوف باكستان بشأن تقليص دورها في الهندسة الأمنية للخليج الفارسي، وتريد قطر في المقابل استغلال الفجوة بين إسلام أباد ومحور أبو ظبي- الرياض لاستقطاب الدعم الأمني الباكستاني واستخدامه في الهندسة الأمنية للخليج الفارسي.
العلاقات الباكستانية القطرية
عززت باكستان وقطر علاقاتهما السياسية والاقتصادية والأمنية في السنوات الأخيرة. في عام 2016، وقع البلدان اتفاقيةً مدتها 15 عامًا(تم تمديدها لاحقًا إلى 20 عامًا)، تصدر قطر بموجبها 3.75 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا إلى باكستان، إضافة إلى 2000 ميغاوات من الكهرباء. وبالنسبة لباكستان، التي تواجه نقصًا حادًا في الكهرباء، ساعدت هذه الصفقة في تنويع سلتها من الطاقة.
وخلال أزمة الخليج الفارسي في يونيو 2017، حافظت باكستان على علاقاتها التجارية مع قطر، من خلال اتخاذ موقف محايد. على سبيل المثال، تم إطلاق خدمة “قطر إكسبريس” في باكستان في أغسطس 2017، وربطت مينائي “حمد” و”كراتشي” ببعضهما البعض بهدف تعزيز التجارة بين البلدين.
بحلول عام 2019، زادت التجارة الثنائية بين البلدين بنسبة 63٪ (لصالح قطر). كما استضافت قطر عددًا كبيرًا من العمال الباكستانيين. ويوجد حاليًا ما يقرب من 150 ألف باكستاني يعملون في قطر، معظمهم في المشاريع المرتبطة بالفيفا.
في ديسمبر 2020، شكلت تحويلات العمال الباكستانيين من قطر ما يقرب من 27٪ من التحويلات من الدول الخليجية. كما عملت باكستان وقطر معًا بشكل وثيق في عملية السلام الأفغانية، وتشكيل محادثات السلام بين الحكومة وطالبان.
خلال هذه الفترة، شهدت قطر وجوداً متكررًا لشخصيات باكستانية بارزة. قام عمران خان بأول زيارة له إلى قطر في يناير 2019، وجاءت الزيارة الثانية في يونيو من نفس العام.
ووقع البلدان خلال هذه الزيارات مذكرات تفاهم في مجالات السياحة والتجارة وتبادل المعلومات المالية. وفي نفس العام، عرضت باكستان توفير الأمن خلال كأس العالم لكرة القدم 2022.
وفي مجال الأمن والدفاع، وقعت باكستان وقطر مذكرة تعاون دفاعي عام 1983. ومنذ ذلك الحين، دأب البلدان على التدريب والتمرين وإجراء المناورات المشتركة. کما يخدم العديد من الباكستانيين في القوات المسلحة القطرية، وكذلك في أدوار استشارية.
خلافات باكستان مع السعودية والإمارات
لفترة طويلة، كانت باكستان واحدة من اللاعبين المهمين في توفير الأمن للدول الخليجية. کما لعبت باكستان دورًا في إنشاء القوات الجوية في العديد من هذه البلدان.
وبسبب الروابط الأسرية الوثيقة بين العديد من الحكومات الباكستانية وأنظمة الخليج، برزت باكستان كحليف موثوق لهذه البلدان. لكن الآن، وبسبب التغييرات التي شهدتها السياسة الخارجية للدول الخليجية، حدثت هناك فجوة كبيرة بين باكستان والإمارات والسعودية.
ويمكن رؤية مثال على تدهور العلاقات مع الخليج الفارسي، في رد باكستان على قرار الإمارات تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني.
وفي عام 2015 أيضًا، رفضت باكستان إرسال قوات للمشاركة في الحرب اليمنية، ما أدى إلى توتر علاقات باكستان مع السعودية والإمارات.
من ناحية أخرى، أدى توجُّه السعودية والإمارات نحو الهند إلى تدهور علاقاتهما مع باكستان بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
لم تستثمر السعودية بكثافة في مشاريع البنية التحتية والنفط في الهند فحسب، بل وقعت الدولتان أيضًا اتفاقيات تعاون بشأن مكافحة الإرهاب والمناورات البحرية المشتركة، الأمر الذي قد يعني بالنسبة لإسلام أباد خطر قطع دعم الدول العربية لقضية كشمير، باعتبارها أهم ملفات النزاع مع الهند.
وفي العام الماضي، عندما قررت الحكومة اليمينية في الهند إلغاء الحكم الذاتي لكشمير، التزمت دول مجلس التعاون الصمت، على عكس توقعات إسلام أباد.
وفي هذه الحالة، إضافة إلى أولوية الحفاظ على الشراكات الاقتصادية بين السعودية والإمارات فيما يتعلق بالهند، لعبت التحالفات الباكستانية الإقليمية دورًا في التنافس الجيوسياسي بين محور الإخوان ومحور المقاومة والإمارات والسعودية والکيان الإسرائيلي.
کما تتمتع باكستان بعلاقات وثيقة مع تركيا وإيران، وانتقدت من ناحية أخرى تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني.
في غضون ذلك، تتمتع الهند والکيان الإسرائيلي بعلاقات قوية في مجال التعاون الدفاعي وكذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية. وسبق أن قيل إن الهند اتبعت نمط الخطط الصهيونية في الضفة الغربية من حيث إجراءاتها في كشمير المحتلة.
بل هناك حديث الآن عن أن الهند تتخطی باكستان في تصدير القوى البشرية إلى الدول الخليجية، الأمر الذي قد يمتد في المستقبل القريب إلى تقديم التدريبات العسكرية إلی الدول الخليجية.
وفي هذه الظروف، فإن استمرار أجواء التنافس في الخليج الفارسي قد دفع المسؤولين الباكستانيين إلی التوجُّه نحو قطر، التي تعتمد الآن بشكل كبير على تركيا في الدفاع عن نفسها، وذلك للحفاظ على التوازن ضد نفوذ الهند المتزايد.
في الواقع، إن تحسين العلاقات مع قطر يمنح باكستان عودةً إلى دورها السابق في الخليج الفارسي، وفرصةً للظهور من جديد في الهندسة الأمنية للخليج الفارسي.