معركة شرسة يقودها محمد بن سلمان ضد النشطاء في الخارج.. من ينتصر؟
الوقت_ فضيحة جديدة تطال ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، حيث كشفت صحيفة “ذا ستار” البريطانيّة، تفاصيل حول تعرض العديد من المعارضين والناشطين السعوديين في الخارج لمحاولات اغتيال أو اختطاف من قبل أشخاص تابعين لولي العهد، وذكرت الصحيفة أنّ رجل الاستخبارات السابق، سعد الجبري، ليس الوحيد الذي تعرض لمحاولة اختطاف من ابن سلمان ولن يكون الأخير، وخاصة أنّ ما تعرف بـ “فرقة النمر” المسؤولة عن العمليات الإجراميّة في الخارج حاولت تنفيذ عمليات اغتيال لمعارضين في كندا والنرويج وألمانيا.
فضيحة جديدة
لا يمكن أن يمر أسبوع واحد، إلا وتطلعنا الصحافة العربيّة أو الغربيّة على فضيحة جديدة مرتبطة بما يسميه السعوديون الانقلابيّ محمد بن سلمان، ومؤخراً تطرقت صحيفة “ذا ستار” البريطانيّة، إلى حادثة المعارض والناشط السعودي البارز، عمر عبد العزيز، والذي يعيش في المنفى ضمن مدينة مونتريال الكنديّة ويحظى بمتابعة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعيّ، ويقدم برنامجاً إخباريّاً ساخراً على موقع يوتيوب، يهتم بسجل حقوق الإنسان في مملكة آل سعود.
وفي هذا الشأن، أخبر أحد الأشخاص الناشط السعودي، الذي سجل محادثاتهم سراً، أنّه يملك خيارين فقط، إما العودة إلى المنزل أو الذهاب إلى السجن، قائلا: “لماذا لا تذهب إلى السفارة على الأقل لتجديد جواز سفرك”، لكنه لم يذهب قط، وقال عبد العزيز: “لا أعلم ما إذا كانوا يريدون قتلي أو اختطافي أو أخذي بعيداً عن كندا”، حيث بقي عبد العزيز في مكانه، وهو قرار أدى إلى اعتقال شقيقيه والعديد من الأصدقاء في المملكة، وفق قوله.
ولذلك، لا يزال الناشط السعودي يواجه ضغوطًا من عملاء النظام السعوديّ لإيقاف أنشطته السياسيّة وتهديداً على حياته، ويتحدث أنّه يضطر أحياناً إلى الاختباء أو إلى الانتقال من فندق إلى آخر لمدة أربعة أشهر لتجنب التعرض للاختطاف أو الضرر، وتشير الصحيفة إلى أنّ عمر بن عبد العزيز، أكّد في دعوى قضائيّة أنّ هاتفه المحمول قد تعرض للاختراق في حزيران عام 2018، ما كشف اتصالاته للسلطات السعودية، وجاء في الدعوى أن التجسس الموجه ضده والكشف عن محتوى الأحاديث والرسائل بينه وبين الصحافيّ السعوديّ المعروف جمال خاشقجي، عبر النظام ساهم بشكل كبير في قرار اغتيال الأخير.
وفي هذا الصدد، قال الناشط السعوديّ “لقد كنت على اتصال بالسلطات الكنديّة، وحذروني عدة مرات من التهديد غير القانونيّ، وأنني قد أكون هدفاً محتملاً”، معتبراً أننا نعيش في زمن لا يريد فيه بعض الطغاة، مثل محمد بن سلمان، أن ينتقدهم أحد، مضيفاً: “لذلك إذا لم نكن صامتين، وإذا لم نغلق عملنا أو مشاريعنا، فهذا يعني أننا نعرض حياتنا للخطر”.
محاولات ولي العهد
من الضروريّ التذكير بمحاولات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أو ما يعرف عربيّاً وحتى دوليّاً بـ “قاتل خاشقجي”، لإبعاد التهم الصادرة عنه بحق نشطاء المعارضة السعودية وأقربائهم، رغم نفى الأخير مزاعم إرساله فريقاً خاصاً لاغتيال ضابط الاستخبارات السابق، سعد الجبري، والذي تقدم في وقت سابق بشكوى قضائية لدى محكمة أمريكية، اتهم فيها ابن سلمان بمحاولة اغتياله في كندا، التي لجأ إليها قبل ثلاث سنوات هرباً من بطش ولي العهد.
وعلى هذا الأساس، يحاول محمد بن سلمان جاهداً للخروج من الأزمات الداخليّة والخارجيّة وخاصة على المستوى السياسيّ، لكنه كالعالق في الرمال كلما تحرك أكثر كلما انغمس في أعماق شروره، ليصبح هروب ولي العهد السعوديّ من قضايا تصفية منافسيه واعتقال أفراد عائلاتهم داخل البلاد أمراً مستحيلاً، فمن ينسى تصريحات نجل اللواء السابق في الداخلية السعودية، “سعد الجبري”، قبل أشهر، والتي أشار فيها إلى أنَّ اثنين من أشقائه في السعودية قد أصبحا رهن الاعتقال، مبيناً أنَّ الفدية المطلوبة لإطلاق سراحهما من قبل السلطات السعودية هي “عودة والده” المقيم في كندا إلى السعودية.
وفي الوقت الذي يدعي فيه ابن سلمان الحاكم الفعلي للبلاد، أنّ الجبري يحاول التغطية على جرائم تتعلق بسوء إنفاق أو سرقة نحو 11 مليار دولار من الأموال الحكوميّة، يقاضي الجبري ولي العهد السعودي بموجب ما يعرف بقانون حماية الأجانب من الضرر وقانون حماية ضحايا التعذيب، اللذين يسمحان للأجانب بالتقدم بدعاوى قضائيّة في المحاكم المدنية الأمريكيّة متعلقة بانتهاك حقوق الإنسان.
ومن الجدير بالذكر، أنّ المسؤول الأمنيّ البارز وخبير الذكاء الاصطناعي، سعد الجبري، خرج عن صمته بعد أن نفّذ محمد بن سلمان انقلاباً بمباركة والده، وخلع الأمير محمد بن نايف ومن عملوا معه ليصبح هو ولي العهد عام 2017، ليكشف الجبري عن حالة “جنون العظمة”، التي أصابت ابن سلمان، لمحاولة الحفاظ على السلطة.
يشار إلى أنّ الجبري لعب دوراً محورياً في الكثير من الملفات الأمنيّة الحساسة في المنطقة، من بينها محاربة تنظيم القاعدة إضافة إلى حماية منشآت النفط السعودية، وكان على تواصل مع وكالة المخابرات المركزيّة الأمريكيّة حول العراق وسوريا وإيران واليمن، وطوال سنوات عمله كان وسيطاً رئيساً بين جهاز المخابرات البريطاني ّ”إم اي 6” ووكالات تجسس غربية أخرى في السعودية.
وبما أنّ جريمة تقطيع الصحافيّ السعوديّ المعروف، جمال خاشقجي، شكلت “حلم الرعب” الذي يتكرر كل ليلة بالنسبة لولي العهد السعودي، كشف الجبري المُهدد بحياته امتلاكه “معلومات دامغة” تضر ابن سلمان، حيث بيّنت المعلومات أنّ الأخير أشرف على فريق من المرتزقة يحمل اسم “فرقة النمر”، وعناصرها متورطون في قتل الصحفي المعارض داخل قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018، وكانت تخطط قبل أسبوعين من مقتل خاشقجي، بالسفر إلى كندا بهدف تصفيته، لكنّ عناصر حرس الحدود الكندية “سرعان ما اشتبهوا بهم” ورفضوا دخولهم بعد استجوابهم، وفق المسؤول السعوديّ البارز.
ولسنوات، كان الجبري اليد اليمنى للأمير محمد بن نايف، الذي كان له الفضل على نطاق واسع في هزيمة تمرّد تنظيم القاعدة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكان العمود الفقريّ في كل علاقات السعودية مع وكالات “العيون الخمس” للاستخبارات، التي تضمّ أمريكا وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا.
إضافة إلى ذلك، بيّن نجل الجبري في وقت سابق، أنَّ “علاقة والده القريبة مع الإخوان المسلمين، دفعت الحكومة السعودية للتعامل معه بشك بصورة متواصلة”، ولفت حينها إلى أن قراره في الاتصال مع وسائل الإعلام سيغضب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومجموعته.
ومن المعروف أنّ محمد بن سلمان قد استغل انشغال الرأيّ العام السعوديّ والعالميّ بأزمة تفشي فيروس كورونا المستجد، وتفرغ إلى ناشطي المعارضة، بعد أن تخلص من أبرز منافسيه من خلال موجات من الاعتقالات التي شملت أهم وأبرز الأمراء وكبار المسؤولين في البلاد، إضافة إلى مجموعة من الوزراء الحاليين والسابقين وبعض رجال الأعمال، كما وسعت سلطات آل سعود حملة الاعتقالات، لتشمل دعاة وعلماء وسياسيين وتجار، فيما لم تستثنِ الأقرباء المنافسين لولي العهد كأبناء عمومته وأبنائهم وأسرهم.
استرضاء الطغاة
وفق صحيفة “ذا ستار” البريطانيّة، نقلاً عن معارضين بارزين ومطلعين سابقين في العائلة السعودية المالكة، من مونتريال إلى أوسلو بالنرويج إلى دوسلدورف بألمانيا، فإنّ صراحتهم عرضت سلامتهم وسلامة أحبائهم في السعودية للخطر، حيث كان عمر عبد العزيز يعمل مع خاشقجي في الأشهر التي سبقت وفاته، في مشروع لبناء جيش من المتطوعين لمواجهة الدعاية المؤيدة للرياض على الإنترنت، ويُصر الناشط السعوديّ على عدم وجود خطط لديه للتخلي عن كونه منتقداً صريحاً للنظام آل سعود.
ويقول الناشط في مجال حقوق الإنسان، إياد البغدادي، إنّ الحقيقة المحزنة هي أنّه لا يمكن استرضاء الطغاة مثل المتنمرين، فهم يأخذون الصمت كإذن، وفي أيار عام 2019، ذكرت وكالة رويترز أنّ أجهزة الأمن النرويجيّة نقلته إلى مكان آمن في الشهر السابق، قائلاً “بمجرد وصولي إلى هناك أخبروني أنّهم تلقوا معلومات من وكالة استخبارات شريكة تشير إلى أنني كنت هدفاً لتهديد”.
وفي كانون الأول المنصرم، أفاد منفذ الأخبار النرويجيّ Dagbladet أنّه في صيف العام 2018، تلقت الحكومة النرويجيّة طلباً غير عادي، وأنّ الحكومة السعودية أرادت إرسال 10 حراس أمن للعمل في سفارتها بالنرويج وطلبت تسجيلهم كدبلوماسيين، ما يمنحهم وضع الحصانة، وتزامن هذا الطلب، مع اجتماع في أوسلو بين البغدادي وصديقه خاشقجي.
ونفت السفارة السعودية في بيان وقتها، أيّ علم بالبغدادي وادعت أنّ إضافة الحراس كانت رداً على التهديدات التي تلقتها سفارات السعودية في عدة دول، فيما قال المتحدث باسم دائرة أمن الشرطة النرويجية، مارتن بيرنسن، أنّه لا يمكنه مناقشة الأمور التشغيليّة، لكنه أقر بوجود استهداف أجنبيّ للمقيمين في البلاد، والهدف من هذا النشاط هو تقويض المعارضة السياسيّة أو تحييدها أو القضاء عليها.
في النهاية، يظهر الوضع السياسي المتأزم الذي تعيشه بلاد الحرمين، مدى استماتة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لتصفية واقتلاع جذور معارضيه، حفاظاً على عرشه المتهالك، لتصل الأمور به إلى تقطيع معارضيه كما تقول بعض التقارير، وتهديد أرواح عائلاتهم وأطفالهم داخل البلاد، لإجبارهم على الخضوع لسياساته الرعناء المتهورة التي ستودي به قبل أي أحد إلى الهلاك كما تقول الوقائع.