دوللي بشعلاني-الديار
وماكرون بانـتـظــار تغليب المصلحة الوطنية
بقي شدّ الحبال في الداخل على حاله بين فريقي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري رغم تدهور وضع العملة اللبنانية الى أدنى مستوياته ووصول الدولار الأميركي الى 9500 ل.ل. في السوق السوداء، والحاجة الماسّة لتشكيل حكومة إنقاذية تقوم بالإصلاحات المطلوبة وتعمل سريعاً على معالجة الأزمات المستفحلة. ولأنّ أي من الفريقين يرفض خطو خطوة واحدة نحو الفريق الآخر، استكمل الحريري جولاته الخارجية على كلّ من قطر والإمارات العربية، علّ وعسى.
أوساط ديبلوماسية عليمة أكّدت بأنّ زيارة الحريري الى الدول الخليجية وتحديداً الى قطر لا تهدف الى دعوة القوى السياسية اللبنانية الى الدوحة لعقد مؤتمر فيها، على غرار ما حصل في «اتفاق الدوحة» في العام 2008، بغية حلّ الأزمة الحكومية الحالية والتوصّل الى تشكيل الحكومة المنتظرة. كما لا تصبّ في إطار جلب مساعدات قطرية خاصّة للبنان، فالجميع يعلم اليوم بأنّه لا مساعدات لا من الدول العربية ولا من المجتمع الدولي من دون تشكيل حكومة جديدة.
ولهذا، فإنّ الغاية الأولى منها هو إيجاد المزيد من الدعم السياسي له، إن على صعيد تشكيل الحكومة، أو لما بعد التشكيل، على ما أوضحت، إذ لا يُمكن لأي حكومة جديدة أن تقوم بالإصلاحات الهيكلية الشاملة ما لم تلقَ دعماً عربياً وإقليمياً ودوليّاً. ولهذا، فإنّ المبادرة الفرنسية الموافق عليها من الداخل، ومن بعض دول الخارج، تحتاج أيضاً للمزيد من الدعم العربي الإقليمي لتتمكّن الحكومة الجديدة من تنفيذ خارطة الطريق التي وضعتها ووافقت عليها القوى السياسية خلال لقائها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الصنوبر.
وشدّدت على أنّ المبادرة الفرنسية هي الموضوعة اليوم على الطاولة، وليس من مبادرة سواها تأتي لنسفها أو لتحلّ مكانها. وقد أعلنت قطر ذلك على لسان وزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الذي زار لبنان في التاسع من شباط الجاري، بأنّها لا تسعى أبداً الى نسف المبادرة الفرنسية، وبأنّها تدعم لبنان والشعب اللبناني وتحثّ على تقديم المصلحة الوطنيّة وتشكيل الحكومة، على المصالح الشخصية والحزبية. وقد أعادت التأكيد على موقفها هذا خلال زيارة الحريري لقطر ولقائه أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والمسؤولين فيها.
وهذا الموقف ليس بجديد على دولة قطر التي غالباً ما سارعت بعد كلّ أزمة مرّ فيها لبنان، من أجل مدّ يدّ المساعدة له، على ما لفتت الأوساط نفسها، وتقوم حالياً بتأهيل عدد من المدارس التي تضرّرت بفعل انفجار 4 آب الفائت. كما أنّ قطر جاهزة اليوم لاستكمال المساعي الدولية من أجل إنهاء الأزمة السياسية وتأليف حكومة جديدة لتحقيق الإستقرار الداخلي، وتُبدي استعدادها لدرس جميع الخيارات على صعيد المساعدة بعد تشكيل الحكومة، سيما وأنّ أي برنامج إقتصادي يتطلّب وجود حكومة أوّلاً.
وفيما يتعلّق بالدعم الدولي للمبادرة الفرنسية، رأت الأوساط بأنّ الجانب الفرنسي يملك كلّ الدعم الدولي والإقليمي الكافي، خلافاً لما يعتقد البعض، في سبيل إنجاح مبادرته التي تتمثّل بولادة الحكومة في أسرع وقت ممكن. غير أنّ ظروف هذه المبادرة لم تنضج بعد، سيما وأنّها تنتظر حصول التسويات الإقليمية والدولية ولا سيما بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران والسعودية وتركيا، فضلاً عن التوافق الداخلي.
من هنا، فالمطلوب اليوم من لبنان الرسمي، وليس فقط من الرئيس المكلّف، إعادة تحسين علاقته مع الدول العربية والخليجية، لجلب المزيد من الدعم للمبادرة الفرنسية، على الصعيد الإقليمي، كونه لن يتمكّن من تنفيذها بمفرده. فالرئيس الفرنسي يحظى بتفويض من الرئيس الأميركي جو بايدن، ولن يقبل بعدم إنجاح مبادرته، ولهذا يُحاول جلب المزيد من التأييد الخليجي والإقليمي لها، الى جانب إعادة تأكيد الدعم الروسي لها. فقد نصحت روسيا حلفاءها في لبنان التعاطي بإيجابية مع دور الرئيس الحريري لتسهيل تشكيل الحكومة، كونها تؤيّد بقاءه على رأس الحكومة ومعنية بالإستقرار الداخلي اللبناني لأنّه ينعكس على الواقع في سوريا، ويهمّها تبريد الساحة السورية.
أمّا الخلاف الداخلي على الحصص والمعايير، ودستورية من يُشكّل، والثلث المعطّل أو الضامن، فهي أمور لا بدّ من الخروج منها، كونها تقتل التوافق على المصلحة الوطنية. والجانب الفرنسي ينتظر حصول مبادرة داخلية، من قبل الرئيس برّي، أو الأمين العام للأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم أو أي شخصية فاعلة أخرى، تكون قادرة على حلّ العقد التي تعرقل تشكيل الحكومة. عندها تُصبح زيارة الرئيس ماكرون الى لبنان أمراً واقعاً، وتنطلق بالتالي عجلة الإصلاحات المطلوبة وحصول لبنان على المساعدات الدولية للإنقاذ.
ويبدو أنّ البعض قد شعر بأنّ الإقتتال السياسي والتشنّج المستمر لن يوصلا البلاد سوى الى الجحيم، لا سيما بعد الإتصالات الفرنسية لتقريب وجهات النظر بين الأطراف اللبنانية، ولهذا يسعى الى إنضاج مبادرة داخلية وطنية شجاعة. وأشارت الى أنّه بعد الكلام الأخير للأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصرالله عن إمكانية تشكيل حكومة من 20 أو 22 وزيراً بدلاً من العدد الذي يتمسّك به الرئيس الحريري أي 18 وزيراً من الإختصاصيين، يبدو بأنّ المزيد من التشاور الداخلي، في ظلّ غياب الرئيس المكلّف بداعي الزيارات الخارجية، بدأ يصبّ في هذا الإتجاه. وزيارة رئيس الحزب التقدّمي الإشتراكي وليد جنبلاط لرئيس مجلس النوّاب نبيه برّي أتت في هذا السياق أيضاً، خصوصاً وأنّ جنبلاط، بحسب مصادره، «لا يتوقّف عند وزير بالزايد ووزير بالناقص، وأنّ العدد ليس الأساس بالنسبة له»، ما يوحي بأنّه قد يُوافق على توزير إختصاصي من قبل رئيس اللقاء الديموقراطي اللبناني طلال إرسلان، بعد أن كان معترضاً على هذا الأمر.